جمع قراءات القرآن وعلم الحديث واستشاره السلطان بيبرس.. قصة الولي"الشاطبي" في الإسكندرية
في واجهة أرقى مناطق وسط الإسكندرية يقع مقام العالم الجليل"الشاطبي"في مبنى خاص بديع يعود بك إلى طراز القرن السابع الهجري من بناء أبنية قبابية للمقامات بنوافذ مزخرفة تعود للطراز الإسلامي القديم.
أهمية تلك المقام ترجع ليس وحده لبناء مبنى خاص لاحق بمسجد الشاطبي على كورنيش الإسكندرية، إنما لأهمية العالم"أبو عبد الله الشاطبي" الذي جمع بين القراءات السبعة للقرآن الكريم وعلم الحديث والتصوف، عقب ترحاله من الأندلس ودمشق والحجاز حتى استقر في المحافظة الساحلية، وجعل المنطقة كلها تحمل لقبه نسبة إليه"الشاطبي".
المقام
قصة بناء المقام بدأت قبل مئة عام عندما شرع معماريو بداية القرن العشرون في بناء منطقة الشاطبي، إلا أنه وفق الروايات التي تداولها أهالي الإسكندرية في وقتها إلى اليوم، أن المعماريون وجدوا صعوبة في البناء في المنطقة حول مقبرة"الشاطبي" بسبب وجودها، ولتحذير الناس من الاقتراب منها، لأنها لولي من أولياء الله الصالحين، حتى تقرر بناء له مقام قببي ثماني الشكل يعود إلى العصر الذي عاشه الشيخ"الشاطبي"، وتكريمًا له.
الضريح
وعند دخولك إلى المقام تجده غرفة لاحقة بمسجد الشاطبي أسفل عقار مواجه للكورنيش، وقد احتفظ الضريح إلى اليوم بتصميمه من الموزايك، والنقوش المنقورة حوله والتي تعود إلى نحو 700 سنة بكتابته"نزل وتوفى بالإسكندرية سنة 672 هجريًا، وكان من الزهاد المشهور بالعلم والتقوى".
وقد حرص أبناء الطرق الصوفية على إعادة تطوير المقام بتعليق السيرة الذاتية للشيخ"الشاطبي" للزائرين في بدايات عام 2016، وتزيين المقام بالأنوار واللوحات الإسلامية وكتابة الصلوات المشعشعة على الجدران.
الولي الجليل
هو"أبو عبد الله محمد بن سليمان المعافري الشاطبي" قد ولد في مدينة شاطبة في الأندلس في عام 585 هجريًا- 1189 ميلاديًا، وقد أخذ لقب الشاطبي نسبة إلى مدينته، وقد بدأ في بلدته بقرأة القرآن بالقراءات السبع على أبي عبد الله محمد الشاطبي وأبي عبد الله الجنحاني، وقد سافر إلى دمشق وقرأ هناك على أبي الحسن بن باسويه الواسطي وسمع عليه الحديث، ثم رحل إلى المدينة المنورة في عام 617 هجريًا- 1220 ميلاديًا وتعلم في الروضة الشريفة، ثم ارتحل إلى دمشق إلى الإسكندرية، وذلك وفق حديث"محمد سلطان" أحد أبناء الطرق الصوفية وخادم مقام الشاطبي لـ "الفجر".
فور وصول العالم"الشاطبي" إلى الإسكندرية أقام في منطقة رباط سوار وهي المنطقة التي اتخذها مقرًا للزهد والعبادة والخلوة مع النفس والتي كانت في حينها بعيدة عن تجمعات السكان خارج باب البحر، وهي منطقة المسجد ذاته المقيم إلى اليوم، كما يضيف"سلطان".
الولي وبيبرس
عاش العالم"الشاطبي" يعلم الناس علم الحديث والقرآن والتصوف، وقد عُرف بين الناس شيخ الصالحين وصاحب الكرامات المشهورة، وقد جمع بين العلم والعمل والورع والزهد والإتجاه إلى الله والتخلي عن الناس والتمسك بالسلف.
وقد كان من معاصروه الشيخ القباري وهو أحد الشيوخ الزهاد والشيخ ابن أبي شامة أحد تلاميذ المرسي أبو العباس، واشتهار"الشاطبي" بعلمه وروعه بين الناس، قد كان يأتي إليه في وقتها السلطان"بيبرس" الذي زاره في عام 662 هجريًا- 1263ميلاديًا.
11 كتاب
ووفق المراجع التاريخية فأن الولي"الشاطبي" قد كان لديه 11 مؤلف هم، كتاب المسلك القريب في ترتيب الغريب، اللمعة الجامعة في العلوم النافعة في تفسير القرآن العزيز، شرف المراتب والمنازل في معرفة العالي في القراءات والنازل، المباحث السنية في شرح الحصرية، كتاب الحرقة في لباس الخرقة، كتاب المنهج المفيد فيما يلزم الشيخ والمريد، كتاب النبذة الجلية في ألفاظ اصطلح عليها الصوفية، كتاب زهر العريش في تحريم الحشيش، قصيدة في القراءات على وزن الشاطبية، كتاب الأربعين المضية في الأحاديث النبوية.
حضرة الشاطبي
في 20 رمضان672 هجريًا - 1274 ميلاديًا انتقل الشيخ"أبو عبدالله الشاطبي" في عمر ال 87 سنة، وقد دُفن في مكان خلوته، ووفق حديث "خادم المقام" فأنه كل يوم جمعة عقب أداء صلاة الظهر يقام حضرة صوفية داخل مسجد الشاطبي يتم فيها قرأة بردة المديح والقرآن الكريم والابتهالات الدينية، وأن المقام تأتي إليه زيارات من مريديه من المغرب وسوريا وأهالي الإسكندرية.