شيماء جلال تكتب:الحصة المشروعة للدولة من إنتاج الدراما والسينما
تحدثت تقارير صحفية أمريكية متواترة، خلال الأيام الماضية، عن تدخل الدولة المصرية في سوق إنتاج الدراما والسينما، وقد تناولت التقارير الأمر وكأنه كشف عن عوار ما، وقد جاءت بلغة يغلب عليها طابع الهجوم والتعنيف.
وصلتني تلك المواد الصحفية، كما وصلت إلى مئات المصريين وإلى أغلب وسائل الإعلام عبر أقسام الترجمة، إلا أن الجميع فضَّل تجاهلها، على الجانب الآخر تناولته مواقع الجماعة الإرهابية من باب التدليل على خطورة الأوضاع الداخلية في مصر.
عن نفسي لست من أنصار الاختباء أو تجنب الحديث عما تفعله الدولة، بل على العكس أرى أن نعرض وجهات النظر ونفتح أبواب النقاش الذي سيصل بنا حتماً إلى حالة تواؤم مجتمعي، وإلى نتائج تصبح حائط صد أمام الاتهامات الخارجية، خاصة أن ما يحدث ليس هناك ما يشوبه.
لا أعرف سبباً واضحا لحساسية الحديث عن نصيب للدولة من الإنتاج السينمائي أو التلفزيوني، وليس في الأمر بدعة، فهذا الأمر ليس حديثاً على مصر وليس غريباً عن أي دولة في العالم، ولا أجد غضاضة في الدفاع عن أحقية الدولة في نصيب من الإنتاج الدرامى والسينمائي، بنسبة ما، مع دق ناقوس الخطر إزاء الانزلاق نحو الاستحواذ الكامل بكل ما يجره ذلك من مساوئ ومشكلات.
فالقوة الناعمة أحد الأسلحة ذات الحدين داخلياً وخارجياً، وتركها سداحاً مداحاً من قبل الدولة ليس من الحكمة في شيء، ولا يوجد دولة في العالم لا تضع يدها فيما يتم تمريره إلى عقول وأذواق مواطنيها داخلياً، أو ما يسهم في تشكيل الصورة الذهنية لها عالمياً.
الموضوع ليس وليد اللحظة الحالية، ولا هو نتاج اليوم، فاهتمام الدولة بالإنتاج السينمائي في مصر بدأ قبل أكثر من نصف قرن، وتحديداً مع القرار الجمهوري للرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1957، بإنشاء مؤسسة دعم السينما، حيث كان السوق السينمائي وقتها يسيطر عليه عدد من الأجانب والتجار، ينتجون أفلاماً ذات محتوى هزلي، بعيد عن حقيقة ما يدور في المجتمع من ظلم اجتماعي وفساد في الحكم، وفى مرحلة لاحقة كان ناصر يحتاج إلى شحن معنوي لجماهير تصطف وراءه في معركته ضد الاستعمار، فكان قرار تأميم شركة مصر للتمثيل والسينما والشركات التابعة لها في 1961، واستمرت تلك التجربة بالإنتاج الحكومي للأفلام حتى 1973، وكان نتيجة تلك التجربة إنتاج قرابة الـ150 فيلمًا.
تطابق الظروف بين ما أعقب ثورة يوليو واليوم، يكاد يكون مذهلاً، فما حدث عقب 2011 من انتشار أفلام العشوائيات والبلطجة ماركة "أفلام العيد" في سينمات الدرجة الثالثة، وطغيان مشاهد السنج والمطاوي والتي وقع في غرامها أطفال دون السادسة عشر واتخذوا أبطالها قدوة، يقلدونهم في الشوارع والمدارس ويرددون مصطلحاتهم، مثَّل تهديداً واضحاً على الأمن القومي المصري.
الغريب أن تهاجم وسائل الإعلام الأمريكية نفس ما تفعله حكومة بلدهم بشكل معلن وصريح، فخلال عام 1996 قامت الـ«CIA» بالتصريح – من خلال تشايس براندون أحد ضباط المخابرات – عن الهدف الذي تريد أن تحققه من وراء المشاركة في إنتاج الأفلام بهوليوود، وهو بحسب تصريحات براندون: «تصحيح الصورة الشريرة والسيئة التي لفقت لنا عالميًّا؛ وإظهار الجوانب الإيجابية لوكالة الاستخبارات الأمريكية».
ويعد تشيس براندون أول ضابط اتصال للترفيه في وكالة الاستخبارات الأمريكية ، حيث كان يعمل في صناعة الترفيه لأكثر من عقد من عام 1996 وما بعده، ساعد براندون في إنتاج أكثر من عشرة أفلام رئيسية وعدداً مماثلاً من البرامج التلفزيونية ، وساعد أكثر من أي فرد آخر في إنشاء شبكة CIA دائمة داخل هوليوود وبقية الصناعة.
كانت هذه التدخلات موضوعًا للبحث من قِبَل «ماثيو ألفورد» و«توم سيكر»، الذين حصلا خلاله على أربعة آلاف صفحة من وثائق البنتاغون والمخابرات إذ أظهرت أن الحكومة الأمريكية كانت حاضرة في كواليس أكثر من 800 فيلم ضخم الإنتاج، وأكثر من ألف عمل تليفزيوني.
إذن ليس في الأمر ما يستحق الإخفاء أو الإنكار، وهذه نقطة محسومة، من حق أى دولة أن يكون لها حصة في إنتاج الدراما والسينما، ولكن السؤال الأهم فيما يحدث هو كم تبلغ تلك النسبة؟.. ما هي الحصة المشروعة في مقابل حصة القطاع الخاص؟، الأكيد أن الحصة يجب أن تضمن توازناً في الرؤية والمضمون، دون الانجرار إلى حالة من السلطة الأبوية للدولة على ما يقدم من مضمون.
الخوف من السقوط فى حالة الاستحواذ ينبع من معرفتنا بنتائجه مسبقا، كلنا يعرف أنه مهما حاول المنتج الواحد التنويع في السيناريوهات والقصص، سيظل محكوماً في النهاية بعقل واحد واتجاه واحد، والصوت الواحد ليس بيئة صحية لأي منتج فني، ويتحول تدريجياً إلى رسائل مباشرة تفتقر إلى الإبداع الفني، ويخلق جواً من عدم المصداقية وحالة من النفور العام، إلا إذا كان ذلك مجرد مرحلة انتقالية لتطهير السوق يعقبها انفراجة تسمح بدخول شركات إنتاج أخرى قادرة على إحداث التوازن المطلوب دون الإخلال بالمحتوى.
ناهيك عن أن الاستحواذ الكامل بمثابة ضربة في مقتل لتلك الصناعة، التي تعد مصدر رزق لمئات الأسر، وفي النهاية فإن مصدر الإنتاج الواحد لن يستوعب كل تلك الأعداد العاملة في ذلك الوسط، مما سينتج عنه الاعتماد على مجموعة محددة مهما بلغ عددها لن تضاهى الأعداد الفعلية للعاملين في المجال، والذين سوف يصاب قطاع لا يستهان منه بأزمة بطالة.
الخوف كل الخوف هو أن ينزح النجوم الذين لم يطرق الحظ بابهم للعمل في السوق المصري، إلى أسواق عربية منافسة، تنافس الدراما المصرية بفنانين مصريين من الخارج.