منال لاشين تكتب: الرئيس حلم بمشروع أنفاق قناة السويس منذ سنوات طويلة
السيسى فاضل بين مشروع الأنفاق وقناة السويس الجديدة ليبدأ بأحدهما مشوار المشروعات
هناك صراع لطيف وقوى وقديم بين أهل الاقتصاد وأهل السياسة، والصراع على من يقود، أهل الاقتصاد يرون أنهم الأولى باتخاذ القرار لأن الاقتصاد ملف خطير، وقد رد عليهم أهل السياسة بالقول: إن الاقتصاد بالفعل أخطر وأهم من أن يترك للاقتصاديين، ولذلك فإن أهم وأخطر وأنفع المشروعات هى التى تجمع بين الفكر الاقتصادى وحسابات السياسة خاصة الأمن القومى.
وبهذا المعيار فإن مشروع أنفاق قناة السويس يعد بالفعل من أهم وأخطر وأنفع المشروعات، أن مشروع الأنفاق هو مشروع أمن قومى وسياسى ناطق برسالة عملية للعالم كله. ربما انبهر الكثيرون بحجم إنجاز الأنفاق فى زمن قياسى ثلاث سنوات بدلا من عشر أو تسع فى ألمانيا كنموذج للدول المتقدمة، واندهش آخرون من حجم المشروع والكميات المهولة من الحديد والأسمنت والخرسانة وغيرها من مواد التشييد، وركز فريق آخر على اكتساب الخبرة والمعدات الحديثة التى يدخل بعضها الوطن العربى لأول مرة، ولهذا بدا للبعض ممن شاهد افتتاح الرئيس السيسى للأنفاق أنه لا يوجد جديد أو أسرار بعد ذلك تروى عن أنفاق قناة السويس التى اطلق عليها العبور الثانى لسيناء، وإن كنت أحب أن اسميها الحبل السرى الذى أعاد ربط سيناء بالأم مصر، ومرة أخرى رغم أن الأرقام والانجاز مذهلة فثمة جديد جدا ستقرأه فى السطور القادمة.
1- أسرار جديدة
لا أذيع سرا لو قلت إن مشروع الأنفاق كان من المشروعات التى تحمس لها السيسى قبل انتخابه رئيسا، فقد قال السيسى بنفسه فى فترة ترشحه إن مشروعاته لتطوير وتحديث مصر جاهزة، ولكن الجديد أن الرئيس السيسى فكر بل حلم بمشروع أنفاق قناة السويس حتى قبل الترشح للرئاسة أو قبوله منصب وزير الدفاع، وحين سمعت المعلومة الاخيرة من أحد الاصدقاء العارفين ببعض الأسرار اندهشت، ولكن دهشتى زالت عندما شرح لى هذا الصديق أن مشروع الأنفاق يدخل فى إطار الأمن القومى لمصر بشكل مباشر جدا، وان الرئيس السيسى بحكم خبرته فى الأمن القومى كان يدرك ذلك، وكان يحلم بأنفاق تربط مصر الأم بابنتها سيناء من كل صوب، وأضاف الصديق أن الرئيس السيسى كان يفاضل بين مشروع الأنفاق ومشروع قناة السويس ليختار بينهما أول مشروع يدشن به مشروعات التطوير، وأن الرئيس اختار قناة السويس لأنها تستغرق عاما واحدا، وبذلك يستعيد المصريون ثقتهم فى أنفسهم فى أسرع وقت، ولكن الرئيس يرى أن الأنفاق من اهم المشروعات، وبينما تحتاج الأنفاق إلى ثلاث سنوات.حين بدأت ابحث فى هذا الملف تكشفت امامى حكايات وأسرار جديدة. فقد كان هناك اعتراض على الاعتماد على الكبارى فى ربط سيناء ببقية الدولة المصرية، وقد تم تجاهل هذا الاعتراض فى عهد الرئيس السابق مبارك حين تم بناء كوبرى السلام. ففى الفكر الحربى فإن الكبارى يسهل تفجيرها أو نسفها فى الدقائق الاولى من إعلان الحرب، لاقدر الله، بينما الاعتماد على الأنفاق أكثر أمنا، وتفتح لنا هذه الفكرة بابا جديدا للمعلومات الخاصة عن أنفاق قناة السويس، فالبناء تم بأكبر وأقوى دعم للأنفاق ليس فقط بمعايير السلامة العالمية للأنفاق، ولكن بمعايير الأمان لمواجهة أى ظروف أخرى.
2- ذوبان الجليد
ذات مرة حكى أحد كبار رجال الأعمال أنه فكر فى الاستثمار فى الصعيد، وعندما ذهب بالسيارة أصيب فى ظهره من سوء الطريق، وإذا كان الأمر صعبا على كبار رجال الأعمال، فإن سهولة الانتقال من وإلى المشروع لصغار رجال الأعمال تستحوذ على أهمية كبرى، ولا أحد ينكر أن ثمة جليدا كان يفصل بين هذه الفئة العريضة وبين الاستثمار فى سيناء، فمع ارتفاع سعر تذاكر الطيران إلى أكثر من 4 آلاف جنيه للرحلة لسيناء، فإن الطريق البرى هو الخيار الوحيد لرجال الأعمال من الشباب وأصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، والآن توفر الأنفاق وقتا وجهدا ومالا وأمنا يذيب أى جليد أو حتى مجرد برودة فى التواصل والوصول لسيناء، والتمتع بمزايا الاستثمار بها.
من ناحية أخرى فلا شك أن السياحة إلى سيناء تتأثر بكثرة الأكمنة فى الطريق والتى نواجه بها قوى الإرهاب، فالاستغناء عن هذه الأكمنة غير ممكن، ولكن أنفاق قناة السويس تقدم حلا لهذه المشكلة.فقبل كل نفق بوابات الكترونية على غرار ونوعية بوابات أكبر المطارات فى العالم، وتعمل هذه البوابات بنظام المسح الالكترونى، ولذلك لا تستغرق عملية التفتيش بالنسبة لسيارة أكثر من 2 دقيقة فقط، وهذا إجراء من شأنه أن يزيد شهية المصريين لزيارة سيناء، ولذلك شعرت بالدهشة من أن كل من تكلموا أو كتبوا عن الأنفاق لم يذكروا أن هذا مشروع يخدم الطبقة المتوسطة التى تسافر لسيناء بالسيارة ولا تستطيع دفع ثمن تذاكر الطيران.
ومن ناحية ثالثة فإن انخفاض تكلفة نقل المواد الخام أو البضائع من وإلى سيناء يمكن أن يكون عنصر جذب إضافياً للاستثمار فى سيناء، خاصة فى ظل ارتفاع تكفلة الشحن فى أى مشروع.
3- رسالة سياسية
وعلى الرغم من اجتماع الاقتصاد والأمن القومى فى مشروع أنفاق قناة السويس.فإن ثمة رسالة سياسية كاشفة حاسمة وخطيرة.رسالة مدوية رغم أنها صامتة، ولكن رب صمت أخطر من أى كلام، فأنفاق قناة السويس هى رسالة لكل من يفكر أو يخطط أو يهدد أو يعلن أو يحلم بنزع سيناء عن مصر، فالأنفاق لا تربط فقط بين سيناء وبلدها من الناحية الجغرافية فقط، بل إنها تعلن فى وضوح وحسم وبشكل عملى أن مصر لم ولن تتنازل عن شبر فى سيناء، وأنها تدعم روابط الوصل بين سيناء وكل منطقة فى بقية مصر، وتدعم الاستثمار فى سيناء، وتسهل نقل المصريين لسيناء للعمل والعيش والاستثمار والسياحة، فسيناء لم ولن يكون بها غير مصريين يستقبلون السياح الاجانب والمستثمرين الاجانب بمنتهى الترحاب والكرم. هذه رسالة خطيرة لمشروع مهم، وأتمنى أن يأخذ هذا المشروع حظه فى التسويق الشعبى بشكل يليق به، وبتعامل يماثل تعامل الحقبة الناصرية إعلاميا مع المشروعات العملاقة، فهذا مشروع عملاق. هذا مشروع سياسى اقتصادى أمن قومى ونفخر بأنه تم بأياد مصرية. وتحية لكل مصرى شارك فى هذا الإنجاز الحقيقى.