منال لاشين تكتب : من أديس أبابا إلى رجلنا مرسى فى القاهرة: نشكركم على حسن تعاونكم

مقالات الرأي

منال لاشين تكتب :
منال لاشين تكتب : من أديس أبابا إلى رجلنا مرسى فى القاهرة:

الشيخ حسنى شخصية ساحرة وهو بطل فيلم «الكيت كات»، وربما يعرف الدكتور مرسى حكاية الشيخ حسنى الذى فضح أهل الحارة بصوته، ولكن الشيخ مرسى فضح مصر كلها بفضيحة إذاعة الحوار الوطنى حول سد النهضة على الهواء مباشرة. البعض رأى أنه فضح مخططات مصر لمواجهة سد النهضة، وهؤلاء من أهالى مصر الطيبين، ولكن الخبثاء من امثالى لديهم مبررات أخرى للفضيحة، فقد كنا نعرف كمصريين أن مرسى رئيس فاشل وأن الإخوان يعيشون تمثيلية كبرى ووهما أكبر، ولكن أن يصل الفشل لتهديد سمعة مصر فى المحافل الدولية، والتهديد بفرض عقوبات على مصر من خلال حوار التخريف، فهذه هى الفضيحة الكبرى والكارثة التى قد تفوق كارثة تأثير سد النهضة على مصر، ولن أندهش لو أرسلت الحكومة الإثيوبية لمرسى برقية شكر على طريقة مسلسل جمعة الشوان الشهيرة، برقية تقول «نشكر لكم حسن تعاونكم معنا»، فالمسئولون الإثيوبيون لم يكونوا يحلمون بأن تهدى لهم مصر على طبق من الذهب كل الأسلحة التى تهزم بها مصر فى معركة السد، لو جندت إثيوبيا جواسيس فى أعلى المراكز والمؤسسات فى مصر لما حصلت على مثل هذه النتائج المبهرة، ولو قامت الدبلوماسية الإثيوبية بأعظم الجهود فى المحافل الدولية لما نجحت فى تحقيق دعم لإثيوبيا مثلما فعل حوار مرسى الوطنى.. ولأن الفضيحة كانت أكبر مما تتحمل عقول البعض فإنهم لجأوا إلى فكرة المؤامرة، أكيد أكيد فيه مؤامرة ما أو «إن» وراء الموضوع . وما بين التفسيرات التآمرية من ناحية، والبقاء فى ملعب فشل مرسى ستظل فضيحة الحوار الوطنى شاهدًا على الكارثة التى وقعت فيها مصر بمجرد وقوعها فى أيد مرسى وإخوانه.

من حق إثيوبيا أن تشكو مصر فى مجلس الأمن لتهديد أمنها القومى ومحاولة الانقلاب عليها

1

3 تهم دولية

ليس هناك رجل مجنون يعترف بخيانته لزوجته، وليس هناك نظام نص عاقل يتورط مجرد تورط فى حوار التآمر على ضرب دولة، والأدهى أن يتورط فى كلام مجرد كلام على التدخل فى الشئون الداخلية لدولة شقيقة أو عدوة، ولم أتحدث عن اقتراحات الأخ أيمن نور وغيره من القوى السياسية الشقيقة والموالية، اقتراحات من نوع نقول كده وكده أننا بشترى طائرات أو نرشى السودانيين أو نعمل انقلاب فى إثيوبيا، لم أتوقف عندهم.. ولكننى اتوقف عن رئيس «العقدة» أو كبير الحوار الدكتور مرسى، فسواء كان الحوار مذاعا أو مسجلا، سريًا أو علنيًا فإن لغة الحوار ما كان يجب أن تتدنى لهذه الدرجة، مرسى كان عليه واجب دستورى بالرد الفورى والقوى والحاسم على أى تجاوزات من هذا النوع الردىء .فقد لبست مصر فى ثلاث تهم دولية، هذه التهم قد تجر مصر إلى مجلس الأمن خبط لزق، مرة بتهمة أو بشكوى من أن مصر تنوى مهاجمة إثيوبيا بالطائرات، ومرة بالتدخل فى الشأن الداخلى وتدبير انقلاب على السلطة الشرعية، وبالطبع السودان الشقيق من حقها أن تتضامن بلغة أهل القانون، فقد نالها من الحب جانب، ووجهت لها فى حضرة رئيس الدولة اتهامات بتلقى الرشوة، ولاشك أن بشاعة صدمة إثيوبيا والسودان أخذتنا من جانب آخر من الفضيحة، فأيمن نور لم يخطئ فى حق إثيوبيا فقط، ولكنه فى الفيلم الذى ألفه على الهوا ارتكب خطيئة أخرى فى حق مصر، فالكلام عن إطلاق شائعات بأننا نشترى طائرات خطير، فمصر لديها جيش قوى ومستعد بكل أنواع الأسلحة، وجيشنا مش محتاج يادكتور أيمن إلى شائعات بشراء أسلحة من أى نوع استعدادا أو تهويشا لأى دولة .وذلك مع كامل تحفظى على سيناريو فيلم أيمن نور، وتبرير أيمن نور بأنه لم يكن يعلم أن الجلسة مذاعة على الهواء يفتح الباب للقضية الثانية فى فضيحة الهواء.

2

بين المصطبة والمكتب

لقد اختصر البعض الفضيحة فى مجرد عدم إبلاغ رؤساء الأحزاب بأن الحوار على الهواء، فمن يستمع للحوار الوطنى رفيع المستوى يدرك حجم الكارثة الوطنية، فمرسى وإخوانه وحبايبه من النخبة السياسية لم يفرقوا بين حديث الكنبة وأحاديث المكاتب والحوارات السياسية، وبلغة الفلاحين الذين أتشرف أنا ومرسى بالانتماء إليهم، هناك فارق بين أحاديث المصاطب وأحاديث السياسة، فالفضيحة أن معظم المشاركين فى الحوار لا علاقة لهم بالعمل السياسى، ففى مثل هذه القضايا الحساسة يتم دراسة كل الاحتمالات، ويتم تناول الخيار العسكرى كحل مستبعد وأبغض الحلال، ويتم الحديث عن المخابرات من خلال التعاون بين مؤسسات الدولة والاستفادة من خبراتها البحثية والمعلوماتية، وحتى الحديث عن الرشوة تتم الإشارة إليه بكلمات دبلوماسية مهذبة، كلمات من نوع البحث عن أنصار، تجييش مؤيدين فى السودان وغيرها من دول حوض النيل، تكوين لوبى لمصر فى السودان بالطرق المختلفة، ورئيس الدولة فى مثل هذه الاجتماعات لا ينسى دوره الدستورى ويتذكر مهنته الأصلية، ولا يستعرض ثقافته الهندسية، وكأن شهادة البكالوريس فى الهندسة هى طوق النجاة لمصر فى أزمة السد، وحتى الحديث عن الحفاظ على السرية يأتى فى مقام مختلف، مثل التلميح أو الإشارة إلى الحفاظ على سرية بعض الخطوات، الحرص على ألا ينتقل الحوار إلى أجهزة الإعلام، إما حكاية «نحلف بأن ما حدش ينقل اللى حصل فى الحوار» فهذا كلام مصاطب، ومش ناقص غير نقول «نحلف بالطلاق» أو نحلف على الختمة الشريفة».

3

مؤامرة إخوانية

ولاشك أن كل هذا الهراء وتلك الرداءة قد دفع البعض إلى تفسير ما حدث بأنه مؤامرة ما، وفى قصة المؤامرة برزت ثلاثة سيناريوهات، أول مؤامرة أن مرسى وإخوانه أخفوا حكاية البث المباشر عن الحضور بغرض «تدبيسهم» وحرقهم أمام الرأى العام حيث يبدو أن الجميع على نفس المستوى من الرداءة «وماحدش أحسن من حد»، وخاصة أن الإخوان لديهم شكوك فى خوض جبهة الإنقاذ الانتخابات، فحلفاء الحوار الوطنى هم نجوم المعارضة فى الانتخابات المقبلة، التفسير الآخر أننا أمام مؤامرة داخلية إخوانية أو بالأحرى انقلاب فى القصر الإخوانى، هذا التفسير أن المقصود هو إحراج مرسى أمام «شلة أنصاره» وحتى يعرف جميع الأطراف أن اللعب بورقة مرسى يؤدى لكوارث، أصحاب هذا التفسير يستندون إلى فكرة الخلاف بين مرسى ومكتب الإرشاد وتحديدا خيرت الشاطر، فالشاطر يفسد على مرسى حواراته وتحالفاته، أما آخر تفسير تآمرى فهو تفسير خطير جدا، البعض تصور أن الرئاسة تعمدت عدم إخبار الحاضرين بالبث المباشر، ليه؟ لأن الرئاسة تريد أن ترسل لإثيوبيا رسائل بالغمز واللمز بأنها «ستحمر» عينها لأى دولة أو نظام يجرؤ على المساس بمصر، هذا التفسير التآمرى تحديدا يأخذنا مباشرة إلى فكرة لعب الهواة ولعب المحترفين، وهل المشكلة تكمن فى أننا أمام رئيس غير محترف، أم أننا أمام رئيس يرفض مؤسسات الدولة؟

4

هدم مؤسسات الدولة

يبدو نظام مرسى وإخوانه نظام هواة، نظام يقوم على التعلم من التجارب، وليس استخدام التجارب والخبرات لإدارة مصر، نجح مرسى خارجيا فى زيارته لإيران خلال مؤتمر عدم الانحياز، فبدأت سيل الرحلات الخارجية لمصر، فى كثير من المواقف لا يبدو مرسى ونظامه مستعدا، ولذلك تكثر الفضائح وتتوالد الأزمات، ولكن مرسى يبدو أيضا يفضل اللعب خارج مؤسسات الدولة، وقد ظهر هذا الميل جليا وواضحا فى قضية أو بالأحرى فضيحة خطف الجنود فى طابا، فبدلا أن يجتمع مرسى بمجلس الدفاع الوطنى اجتمع مع أهله من الأحزاب والقوى الإسلامية، مرة أخرى كرر مرسى ذات الخطيئة السياسية فى قضية سد النهضة، فنحن أمام قضية خطيرة وتهدد الأمن القومى المصرى، ولذلك فأول مسئولية لرئيس الجمهورية بحكم الدستور هى دعوة مجلس الدفاع الوطنى للانعقاد فورا، وبعد أن يعلن مرسى أن المجلس فى حالة انعقاد دائم، خلال الاجتماع مع المجلس ينضم بحسب دستور الإخوان وزير الرى، وفى ظل خطة تشترك فيها المؤسسات الدستورية يكون للاستعانة بالقوى السياسية دور ما .فقد يرى الخبراء والمكلفون دستوريا استخدام الدبلوماسية الشعبية.. أو استخدام القوى الثورية، ويحدد الخبراء المرحلة أو اللحظة التى يتم فيها اللعب بتلك الورقة أم ذاك، ويترك لمجلس الدفاع الوطنى تحديد ما ينشر أو يذاع أو يعلن عنه، ويقرر المجلس بخبرات مؤسسات الدولة ما يتم تسربيه وطريقة التسريب .ولكن مرسى وإخوانه يريدون حكم البلاد بالأهل والعشيرة والأنصار والمؤيدين .حكم أقرب للخلافة الإسلامية وعهد الخليفة .فإذا ما ألمت بالبلاد أو العباد كارثة اجتمع الخليفة أو الوالى بحسب الأحوال بأهل الحل والشورى فى باحة المسجد، هذه هى الصورة المثلى لنظام الحكم الإخوانى، حكم الرئيس فيه خليفة المسلمين، والأهل والعشيرة لهم الصحابة وأهل الخبرة والحكمة، ولكن فى الحقيقة فإن مرسى وإخوانه لا يقلدون الرسول والصحابة، لأن اجتماع مرسى بالأهل والأحباب كان له غرض آخر، هدف سياسى خبيث، وهو استخدام كارثة قومية للقضاء على المعارضة.، بالمقولة الشهيرة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، واللعب بورقة الاصطفاف الوطنى، فمرسى وإخوانه يريدون تحقيق انتصار سياسى خاص من رحم كارثة قومية، كارثة تهدد الأمن القومى لمصر، عطش وخراب ودمار، وبهدلة فى المحافل الدولية، وتعقيد للقضية.

وحتى لا أتحمل وزر أفعال مرسى وأهله وعشيرته، فإنا أنهى مقالى بالاعتذار لكل من إثيوبيا والسودان، وأدعوهم إلى «مص» الصدمة، فإذا كان مرسى قد قال إن مصر «ستمص» الصدمة فأكيد أكيد أن إثيوبيا والسودان قادرتان على مص الصدمة.