أحمد فايق يكتب : وصف العالم بالجنس
■ الجنس عملية عقلية.. ومن يمارس حرية جنسية دون تغيير يشعر بالملل والروتين
ما الذى يدفع نائباً فى مجلس الشورى إلى أن يترك فنا راقيا مثل الباليه، ويبحث عن جسد الباليرينة العارى؟
الفنون عادة تخاطب المشاعر وليس الشهوات والغريزة، وهذا هو الفارق بين رقص الباليه ورقص التعرى «الإستربتيز»، بين أفلام سينمائية تتناول الجنس وبين أفلام البورنو التى تخاطب الغرائز، بين ممارسة الحب مع حبيبتك وبين ممارسة الجنس مع عاهرة مقابل المال.
هذه الازدواجية نعانى منها منذ سنوات، فهناك نجوم فى السينما نجحت لأنها حرّمت القبلات فى الأفلام وحللت الإفيهات الجنسية.
حينما قرأت تعليقات ميليشيات الإخوان الإلكترونية على مقالى «السيسى.. الملف السرى لأخطر رجل فى مصر» وجدت تعليقات تطالبنى بأن أتقى الله وفى الوقت نفسه تسبنى بأبشع الألفاظ الجنسية!
التقوى عندهم تتوقف عند الكبت الجنسى الذى يعيشونه، لماذا يترك شيوخ يدعون أنهم يعلمون بالدين الدعوة إلى الله بالرحمة والمغفرة ورسائل التسامح، كى يتحدثوا فى برامجهم عن صدر ممثلة ومؤخرة مطربة، لهذه الدرجة تستفزهم الصدور والمؤخرات ولا يؤثر فيهم الفقراء الباحثون عن رغيف الخبز؟
تحركهم شهواتهم الجنسية وغرائزهم المكبوتة لمصادرة حرية الآخرين وفرض قيود عليهم، ففى المدرسة فترة المراهقة كنا نشعر بالغيرة من أكثرنا دراية بأمور النساء، كنا نبحث عن أسباب تقنعنا بأننا أفضل منه، لكن لم يستخدم يوما المكبوت والذى يعانى من الحرمان أو الفشل فى التواصل مع الجنس الآخر سلاح التكفير أو الدين فى وصف الآخر.
فى مصر أكثر من نصف الشعب متدين ويذهب للصلاة فى مواعيدها، وأكثر من نصف نسائها محجبات ومنقبات، ورغم ذلك لا يستطعن السير فى الشارع دون تحرش جنسى لفظى أو جسدى، وفى أى دولة أوروبية ترى النساء يرتدين ما يبرز مفاتنهن ورغم ذلك لا يقترب أحد منهن بالنظر أو بالكلام.
فى مهرجان «كان» السينمائى تستطيع أن ترى العالم كله من خلال أفلامه الممتعة، وتكتشف توجهات السينما الجديدة وحتى الموضة فى الملابس، بوستر المهرجان يحمل صورة لقبلة بين رجل وامرأة وهما نائمان فى اتجاهين مختلفين، ولم تخل الأفلام من عنصرين رئيسين الجنس والدماء، فقد ظهر ما يسمى برومانسية الجنس والدماء، وهناك تحول كبير فى العالم نحو الانفتاح بشكل أكثر جرأة فيما يتعلق بالجنس، فالجنس عملية عقلية قبل أن تكون جسدية، والروتين اليومى يؤثر عليه بالسلب، ويحجم الخيال، الذى يعانى من كبت تحركه غرائزه فى تحديد مستقبله، ومن يمارس حرية جنسية دون تغيير يشعر بالملل والروتين.
فى شارع الكروازيت الشهير الذى يقع فيه قصر المهرجان، ظهرت خطوط الموضة الجديدة فى أوروبا التى كانت صادمة إلى حد كبير، فقد ظهرت موديلات من الملابس العلوية للنساء شفافة توضح الصدر بشكل كامل، دون ارتداء «حمالة الصدر» بأسفلها، وهذا يعنى أن الصدر العارى أصبح يداعب خيال مصممى الملابس، وارتدت الكثيرات من فاتنات «كان» هذه الموديلات، دون أن يتحرش بهن أحد.
فى عصور ما قبل التاريخ اكتشف البدائيون متعة الجنس، ولم يعرفوا أن له علاقة بالإنجاب إلا بعدما اكتشفوا الزراعة والتلقيح، ففى العصور الأولى كان الاعتماد بشكل أساسى على الصيد، وعاش الإنسان من أجل الماء والغذاء والجنس، كانت مواصفات المرأة الجميلة طبقا لاكتشافات البحوث العلمية هى التى يتدلى صدرها حتى البطن ويتدلى بطنها حتى الحوض.
لم يكتشف جمال المرأة والنموذج المثالى الحالى لجسدها سوى أجدادنا الفراعنة، وورثت عنهم الحضارة اليونانية نموذجهم المثالى فى المرأة، الصدر الصغير والجسد المتناسق والساقين الجميلتين، رسومات الفراعنة وتماثيلهم توضح أنهم وضعوا مقاييس لجمال المرأة والرجل أيضا، وقلدهم اليونانيون فيما بعد، كل الحضارات القديمة وضعت إلهاً للجنس والخصوبة، والمصريون كانوا أول من عبدوا الجنس متمثلا فى إله الخصوبة «الإله مين» وتشير رسوماته والتماثيل إلى رجل يقف مرتديا ملابس ضيقة وفى يده اليسرى سوطا ويده اليمنى مختفية تحت ملابسه، وتبرز الرسومات «عضوه» بشكل كامل، واهتمت التماثيل أكثر برشاقة قوامه ومناطق الإثارة الجنسية عنده، أكثر من مواصفات وجهه التى بدت غير مميزة، وحمله السوط يعنى أن الفراعنة أبدعوا فى فنون الجنس، ووصلوا حتى إلى ممارسته بشكل سادٍ قبل آلاف الأعوام من الآن!
ولم تظهر حضارة قوية وناجحة دون حرية فى الممارسة الجنسية، ولم تتأخر الحضارات أو تنهار إلا بعدما تم تحريم الجنس أو منعه أو اعتباره عورة لا تستحق النقاش أو الكلام، حدث هذا مع اليهود والمسيحيين والمسلمين، لقد انفصلت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية عن روما فى بدايات عهد محاكم التفتيش، حينما سن متطرفو روما قانونا كنسيا وقرارا إلهيا بتحريم زواج القساوسة، كانت الكنيسة المصرية أكثر انفتاحا من الكنائس الأوروبية، ورفضت سلب حق القس فى الزواج والاتصال بالمرأة، والان انقلب الوضع!
لكن ماذا تعنى كلمة «جنس» أو «sex»؟
يقول الكاتب صلاح حافظ فى كتابه «التاريخ الجنسى للإنسان» إن الرومان هم الذين ابتدعوا أصلا كلمة جنس، وأول ذكر لهذه الكلمة فى التاريخ كله يأتى على لسان «شيشرون» فى مقاله عن الخطابة حين يقول «إن الإنسان يسمى ذكرا أو أنثى على أساس «جنسه» ثم يشير فى فقرة أخرى إلى الأحرار من كلا الجنسين، ولهذه الحقيقة أهمية خاصة فى فهم المزاج الجنسى للرومان، فالكلمة التى ابتدعوها للتعبير عن الجنس وهى «sexiis» مشتقة من فعل لاتينى معناه «يبتر» أو «يقطع»، واشتقاق الكلمة من هذا الفعل يبين بوضوح أن المفهوم الرومانى للجنس لم يكن يسمح بالمواقف الوسط فالرجل رجل والمرأة مرأة والجنسان يميز بينهما حد قاطع كالسكين.
أفلام مهرجان كان السينمائى هذا العام تعرضت لإشكاليات كثيرة مرتبطة بالجنس من فترة المراهقة والخيانة الزوجية والمثلية وأفلام ربطت بين العملية الجنسية والقهر السياسى والفقر، وأخرى تعرضت لأزمة العذرية، وممارسة الجنس فى الطبقات الراقية، والعلاقات بين رجل وامرأة من أعمار مختلفة.
1
المراهقة على الطريقة الفرنسية فى «جون وجولى»
فى الفيلم الفرنسى «جون وجولي» الذى عرض فى المسابقة الرسمية، واحد من أجمل الأفلام التى رأيتها هذا العام للمخرج «فرانسوا أوزان»، نرى التحولات التى تتعرض لها الفتاة المراهقة، والتغيرات النفسية والجسدية وعلاقتها بالاخرين خلال هذه السن الحرجة، تمر هذه التحولات من خلال أربعة فصول تمر بها الفتاة فى عام واحد.
إيزابيل فتاة فى السابعة عشرة من عمرها تدرس وتنتمى لأسرة من الشريحة العليا للطبقة المتوسطة، تعيش فى منزل واسع وجميل، لا تحتاج للمال، لا تعانى من خلافات أسرية بين الأم وزوجها، حتى علاقتها بزوج أمها تبدو جيدة وطبيعية، لكن علاقتها فى فصل الصيف تبدو قوية بشقيقها الصغير، فقط تعانى من عدم فهم ووعى لطبيعة علاقتها بالجنس فى هذا العمر، فهى تمارس العادة السرية وعذراء، لم تدخل فى علاقة مع أحد من قبل، يساعدها شقيقها الصغير «فيكتور» فى التقرب إلى «فيكتور» الشاب الألمانى لإشباع رغباتها الجنسية، حتى الأسرة نفسها تساعدها لإتمام هذه العلاقة.
فى فصل الصيف تنجح «إيزابيل» فى ممارسة الجنس لأول مرة مع «ماكس» لكن العلاقة كانت خاطئة، فكان هدفها هو ممارسة الجنس فقط، والدخول إلى العالم الجديد، لذا لم تتعرف عليه بشكل حقيقى، ولم يدر بينها وبينه حوار كبير، خلعت ملابسها أمامه على الشاطئ وتمت العلاقة، ولأنها علاقة خاطئة غير مبنية على حب أو إعجاب، فقد رفضت «إيزابيل» الاستمرار مع ماكس، مارست الجنس معه مرة واحدة فقط لتكتشف هذا العالم وتشبع رغباتها، لكنه ترك بداخلها اضطرابا نفسيا وتشوها أثر عليها فى الفصول الأخرى، فقد تحولت من مراهقة تقضى معظم وقتها مع شقيقها الأصغر عمرا، إلى فتاة تبحث عن الاستقلال وترسم ملامح شخصيتها، ليختتم هذا الفصل بأغنية من أغانى المراهقين تصف حالتها.
فى فصل الخريف حيث تتساقط الأوراق من الأشجار استعدادا لبرد قارس، تقرر «إيزابيل» أن تعمل فى الدعارة، وتنشئ لنفسها موقعا على الإنترنت، لنرى هنا ازدواجية بين الطالبة فى المدرسة التى تحمل البراءة، وبين العاهرة التى تسرق لحظات من الجنس مقابل مال دون أن تعلم أسرتها، فقد أثرت علاقتها الخاطئة بـ«ماكس» على حياتها، تطلق على نفسها اسم حركى للعاهرة وهو «جولي»، ترى «جولي» أنماطا مختلفة من الرجال الذين تمر عليهم، معظمهم متزوجون وأكبر منها فى العمر، أحدهم لا يمارس معها الجنس فقط يمارس عليها العادة السرية وهى تخلع ملابسها أمامه، ويعطيها أجراً أقل، معظم من مرت عليهم لم يعطوها تجربة جنسية حقيقية فجميعهم يمرون بأزمات نفسية. تقابل أحد الزبائن وهو «جون» الرجل العجوز الذى يتجاوز السبعين عاما، هو الوحيد الذى يتحدث معها، تعلقت به، رغم أنه لم يمارس معها الجنس بشكل كامل، لطبيعة عمره، بل كان يداعبها فقط.
فى فصل الشتاء تهب العواصف والرياح والبرد فى المناخ وحياة «إيزابيل» أيضا، فقد وقع «جون» فى غرامها، وأخذ منشطا جنسيا وقرر أن يمارس معها الجنس بشكل كامل، ويموت على السرير من المجهود بأزمة قلبية، ويفضح أمر «إيزابيل» وتعرف أمها ما حدث، نرى هنا مشاهد تمثيلية رائعة للأم «سيلفى الممثلة الفرنسية جيرالدين باليهاس»، عبرت فيها عن حالة الأم التى تكاد تموت من الألم، هنا يتدخل زوج الأم «باتريك» وينصحها بأن تعالج الأمور بحكمة فالفتاة فى سن المراهقة، وهذه الاضطرابات قد تدمر حياتها لو تعاملت معها الأم بعنف.
فى هذه المواقف هناك طريقتان للتعامل، الأولى هى «حزام العفة» هذا الصندوق الحديدى الذى وضعه التجار الرومان حول «حوض» زوجاتهم حتى لا يخونوهم.!
أو حل المشكلة بعقل، وهذا ما فعلته الأم، وتم حل المشكلة مع بدايات فصل الربيع، بعدما تخلصت إيزابيل من الأمراض النفسية المصاحبة لفترة المراهقة، واستطاعت أخيرا أن تنام بهدوء.
فى مصر نحن نفضل حزام العفة أو القتل، وحزام العفة كان بمفتاح خاص يملكه الزوج، لكن معظم المسرحيات الرومانية تحدثت فى مشاهد هزلية وساخرة عن نسخ أخرى من المفتاح، كانت تمتلكها الزوجات، ويقمن بخيانة أزواجهن كيفما شئن دون أن يعرف أحد.
والغريب أن أول خيال عن حزام العفة كان فى «الأوديسة» لشاعر اليونان الكبير «هوميروس»، فيروى أن «أفروديت» خانت زوجها «هيفاستيوس» مع أخيه «اريس» فانتقم «هيفاستيوس» منها بأن حبس حوضها داخل حوض من المعدن، وحرمها بذلك من أن تخونه مرة أخرى، كانت فكاهة فى «الأوديسة» تحولت إلى واقع عند الرومان، وواقع عندنا الآن والأساليب تختلف.
2
العذرية فى ألمانيا وتعاليم المسيح
أول من أضاف فكرة القدسية فى العلاقة الجنسية بين المرأة والرجل كانت تعاليم المسيح، التى اعتبرت الزواج رباطاً مقدساً بين الطرفين، ووضعت شروطا مستحيلة للطلاق أو الانفصال، ثم تحولت هذه العلاقة فى العصور الوسطى على يد الكنيسة ومحاكم التفتيش إلى خطيئة، وقتلت ألاف من النساء بتهمة الزنى مع الشيطان ..!
«لا شىء يمكن أن يحدث» هو الفيلم الألمانى الوحيد الذى شارك فى فعاليات مهرجان كان هذا العام، للمخرجة «كاترين جيب» وهى نفسها التى كتبت السيناريو، يعيد مناقشة أفكار مهمة مثل «خلاص» المسيح، أى حينما يتألم المسيح حتى يخلص البشرية من شرورها، وأفكار أخرى لها علاقة بالإلحاد والعذرية، والجنس قبل الزواج وبعده. ينتمى «تور» إلى فريق «جيزس فريكس»، وهى حركة «بانك» مسيحية تمردت ضد النظام الدينى متبعة تعاليم الحب التى علمها السيد المسيح. يتعرف «تور» على «بينو» عندما ساعده على إعادة تشغيل سيارته على نحو أشبه بالمعجزة، ينصب خيمته فى حديقة «بينو» ويصبح عضوا من عائلته، ولكن «بينو» لم يستطع تمالك نفسه عن تقويض إيمان «تور». يمارس «بينو» على «تور» عنفا مؤذيا وإهانات قاسية ستزعزع عقيدته وإيمانه بالآخرين.
تنشأ علاقة حب بين تور وبين ابنة بينو، لكنه يرفض ممارسة الجنس معها قبل الزواج، وبالطبع هو نموذج مختلف عن الثقافة الألمانية، وبراءته وطيبته تحول الأسرة كلها تجاهه إلى شياطين، يعتدى عليه بينو جنسيا، ويبيع جسده للمثليين جنسيا فى بيت دعارة رغما عن تور، ويتعرض تور للعذاب بجميع أنواعه فى هذا كما تألم المسيح من أجل البشرية، لكن الفيلم يحمل أيضا داخله فكرة العنوان وهى «لا شىء يمكن أن يحدث» وهى لا تتألم أو تتمسك بالتعاليم فلن ينقذك أحد.