المستشار الدبلوماسي سامح المشد يكتب: سفارة أذربيجان والزعيم المؤسس
لقد أحيت سفارة جمهورية أذربيجان بالقاهرة، الجمعة الماضي، 10 مايو 2019، ذكرى ميلاد الزعيم القومي الوطني، مؤسس دولة أذربيجان الحديثة حيدر علييف، الذي ولد في 10 مايو 1923.
دائما مايذكر سعادة السفير تورال رضاييف سفير دولة أذربيجان لدى مصر، أن علييف قاد بلاده من التفكك والتشرذم إلى الوحدة والإستقرار ومن الفقر إلى التقدم والإزدهار، فاستحق عن جدارة لقب الزعيم التاريخي حيث شكل صمام الأمان للوحدة الوطنية، وحال دون قيام حرب أهلية في فترة من الفترات الصعبة من مسيرة الشعب الأذربيجاني.
ودائما مايردد سعادة القنصل الدكتور إيميل رحيموف، قنصل سفارة أذربيجان في القاهرة، أن أذربيجان تعرضت لكثير من المشاكل في بداية الإستقلال، ولكن مع عودة الزعيم حيدر علييف للقيادة السياسية إستجابةً لنداء الشعب، إستطاعت البلاد أن تتجاوز تحديات الأمن القومي، والنجاح في الحفاظ على الإستقلال، من خلال ضمانات الإستقرار السياسي والتطور الديمقراطي وتحقيق الرفاهية والإزدهار الإجتماعي، فضلا على أن علييف بذل جهودا كبيرة للتوصل إلى وقف إطلاق النار بين أرمينيا وأذربيجان عام 1994.
وذكرت في كتاب (الزعيمان)، من تأليف المؤلفان: (القنصل الدكتور إيميل رحيموف)، و(المستشار الدبلوماسي سامح المشد)، الكثير من إنجازات الزعيم المؤسس الذي وضع قواعد وثوابت للدولة الحديثة الآذرية بعيدة عن عهود مضت قد إضمحلت فيها، لكنها حين نالت إستقلالها، بكل قوة كان نهوضها، فنهضتها نهج تلتجئ إليه الأمم التي تتعثر في الوقوف على قدميها، واليوم تهرول أذربيجان في ركاب الدول الأولى العظمى، بعد إصلاحها سياسيا وإقتصاديا وزراعيا وسياحيا وعسكريا.
لقد حول الزعيم حيدر حلييف أذربيجان إلى بلد خارق تخطى مع موارده الطبيعية الغنية، والثقافة القديمة، التاريخ والحضارات، فأصبحت أذربيجان مزيجاً فريداً ومتناغماً من التقاليد والإحتفالات التي تجمع بين العديد من الثقافات والحضارات المختلفة، وتتزايد أيضا زيارات المسافرين الأجانب إلى أذربيجان يوما بعد يوم، حيث تتمتع بإمكانية كبيرة لتطوير صناعة السياحة خاصة وبها مشاهد رائعة مثل المدن القديمة والقصور والحصون والأضرحة والمساجد.
حين تولى الرئيس حيدر علييف حكم أذربيجان وتوجه إلى إحداث طفرة في كافة المجالات الإقتصادية كي تواكب أذربيجان مسايرة الدول المتقدمة ومن ثم يقلل الفجوة بينهما، وبعد التركيز على الزراعة كأحد المشاريع التي لها طابع قومي خاص، خصوصا بعدما وجد أنه بعيش ما يقرب من نصف سكان أذربيجان البالغ عددهم ثمانية ملايين نسمة في المناطق الريفية، وقد تم تطوير البرنامج من خلال التشاور الوثيق مع الحكومة التي تسيطر على السلطة في جميع أنحاء الريف (عن طريق التعيين المباشر لحكومات المقاطعات) وظلت تدعم بقوة خصخصة الأراضي وإعادة هيكلة المزارع، وكانت أهدافه متسقة مع إستراتيجية الحد من الفقر في أذربيجان وإستراتيجية البنك الدولي لمساعدة أذربيجان، ودمجها بإحكام.
إلتزمت معظم الوكالات المسؤولة عن تنفيذ برنامج تحسين الإنتاج الغذائي بقوة بالمشروع، وأنشئت وحدة لإدارة المشروع في مجلس الوزراء الأذربيجاني، ووحدات لتنفيذ المشروع تتألف من وکالات زراعية محلية ومزارعين في کل من المقاطعات الرائدة.
ولقد أنجز برنامج إدارة الأراضي في أذربيجان إصلاحاً ناجحاً للأراضي في عملية سريعة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها منصفة، وقد بدأ البرنامج مشروعاً رائداً لخصخصة الأراضي من مزارع الدولة والمزارع الجماعية السابقة، وتقديم خدمات دعم ما بعد الخصخصة للمزارعين من القطاع الخاص الجديد، وقد شمل جدولها الزمني الأصلي خمس سنوات ۱٩٩٧-٢٠٠۱، غير أن معظم عناصر المشروع سرعان ما أصبحت محط تركيز المساعي الطويلة الأجل على الصعيد الوطني، وأنشأ المشروع آلية للتوزيع السريع والمتكافئ لمناطق الأراضي، ونظام تسجيل للأراضي يتسم بالكفاءة والفعالية من حيث التكلفة، وأدى تكرار هذه النماذج في جميع أنحاء البلد في عام ۱٩٩٨ إلى إنشاء نحو ٨٢٥٠٠٠ مزرعة صغيرة جديدة.
وأسهم البرنامج في الحد من الفقر إلى ما هو أبعد مما كان متوقعا في بدايته، وقد نما الإنتاج الزراعي في أذربيجان بمقدار الثلث بين عامي۱٩٩٧ و ٢٠٠٢ والذي كان يعد قفزة كبيرة بعد الإصلاح الزراعي، ونمت مساحة المحاصيل بنسبة ٣٠% بعد الإصلاح، وإستوعبت الزراعة أيضا نحو ٤٠٠٠٠٠ من الوافدين الجدد نتيجة للإصلاح، ورغم أن ذلك أدى في البداية إلى خفض إنتاجية العمل، فإن الزيادة في الناتج أدت منذ ذلك الحين إلى زيادة الإنتاجية إلى مستويات لم تشهدها أذربيجان منذ عام ۱٩٩٣، وإنخفض الفقر الريفي من ٦٦% إلى ٤٣%.
وفي ظل هذه الحالة من الضائقة الإقتصادية والإصلاح الراكد والفقر في المناطق الريفية، صمم مشروع خصخصة المزارع في أذربيجان لتحفيز خصخصة الأراضي وإعادة هيكلة المزارع، ويتوخى البرنامج توفير خصخصة للمزارعين، وخدمات دعم أخرى لتمكين سكان الريف من المحافظة على الزراعة المخصخصة والإستفادة منها، وستنشأ نماذج لمختلف خدمات الدعم في ست من وحدات الخدمة الميدانية التي يمكن تكرارها في أماكن أخرى من البلاد، وقد تم إختيار تلك الأماكن في مختلف المناطق المناخية الزراعية في البلاد، من أجل تكييف النموذج مع الظروف المحلية التي تتراوح بين المناطق شبه الإستوائية الساحلية مثل لينكوران إلى سهول الأراضي المنخفضة مثل ساليان.
ليس لقدر علييف الأب نهاية في السرد، فقدره معين لاينضب، لكن حقيق علينا أن نعلن للبشرية جمعاء أن قصة أذربيجان ماكان لها من ديمومة لو صار الزعيم علييف الإبن على المسير على غير نهج أبيه، يقتفي أثره، ويرى أن أذربيجان أمانة عليه الحفاظ عليها كما يجب أن تكون، فعهد الزعيم الإبن إلهام علييف إلى الدستور وجعل فيه كل تعديل يجعل للشباب الآذري اليقظ، دوره في الحياة السياسية، فخلال ربع قرن من الزمان، كان كل التوجه نحو إقامة أجيال قوية راسخة العلم والبيان، تنبض قلوبها بالتحرر من أغلال الإستعمار النفسي الذي جثم على صدور الأمة الآذرية بفعل السوفييت المحتل.
مابين عشية وضحاها، إنقلبت الموازيين وبعد الظلام الدامس المعتكر، طلع النهار وقد أحرقت شمسه شمس الحرية قوى البغي، فلم تكن عليهم برداً وسلاماً بل إكتوت جلودهم وذابت لحومهم بعد أن أذاقوا الشعب الأذربيجاني صنوفا من الدمار وويلات الإستعمار وضياع الهوية، فقد تمكن السوفيت حتى ظنوا أنهم لديهم حتى القدرة على تمزيق الدين بين صدور الآذريين، فغلقوا المساجد وكأن الحرية العقائدية التي إبتدعوها توقفت عند الإسلام وإستباحوا الدم والعرض وإن كان في مواجهتهم صار حق دفاع شرعي.
عالم المصالح جعل الجسارة جبارة بين ضلوع الآذريين فلم يتركوا مسلكاً من مسالك الحرية إلا سلكوه، وكان قائدهم الأروع هو القائد الخلف لصلاح الدين الأيوبي المظفر حيدر علييف، حقبته من عمر الدهر عقد، وحكمة ريادته وحنكة قيادته برهان على البراعة، ودليل على كل إخلاص لثرى الأرض الطيبة أذربيجان، كان لها قراراً مكيناً وإستقراراً جعل أقلام المؤرخين تتسارع، فهنا حق مبين يشهد عليه التاريخ، يستوجب التدوين والتسجيل في أنصع صفحاته رجل حين نتحدث عنه لابد وأن نسترق كل سمع بل تصيخ لنا الآذان آذان العالم أجمع.
فبين يدي الزعيم الخالد كل إصلاح وفلاح، (إصلاح سياسي وإقتصادي وسياحي وزراعي وعسكري)، فوضع قواعد وثوابت للدولة الحديثة الآذرية بعيدة عن عهود مضت قد إضمحلت فيها، لكنها حين نالت إستقلالها، بكل قوة كان نهوضها، فماكان بالأمس صار ماضياً، أما اليوم فهو الحاضر للحضارة وإستكمالها، كان عهده مناراً في كل الجوانب الإقتصادية، تستحق التدارس، فنهضته نهج تلتجئ إليه الأمم التي تتعثر في الوقوف على قدميها، واليوم تهرول أذربيجان في ركاب الدول الأولى العظمى. فتحية إجلال وتقدير لروح الزعيم البطل حيدر علييف، طيب الله ثراه.
كاتب المقال: مستشار بالسلك الدبلوماسي الأوروبي، المتحدث الرسمي بإسم النادي الدبلوماسي الدولي.