عادل حمودة يكتب: زهور العشق فى حديقة الحقيقة.. الصوفية فيها ما فيها (1)
المولوية.. الطريقة الصوفية التى أسسها الرومى ونظم معظم الأشعار التى تنشد فى حلقات الذكر
"رغم تقدم الطب الأمريكى لم يصل إلى علاج النفس المريضة" طعمته باستشهادات صوفية كانت سببا مباشرا لكى تنطق بالشهادتين
يستحق الرومى المعلم والواعظ والشاعر والإنسان والمسلم الورع والرائى الصوفى الإهداء بلا منازع فقد كرس حياته داعيا للتسامح بلا حدود وتقبل الآخر والإيمان بانتصار الخير على الشر وترقى النفوس بالذوبان عشقا فى الذات الإلهية
ليست الصوفية جديدة فى مصر فعمرها يمتد مئات الأعوام ولكن رغم ذلك هناك سوء فهم لكثير من مظاهرها بل هناك اختلاف فى تعريفها والأخطر توريث طرقها ربما لمن لا يصلح لتولى شئونها
لم تسمع «دونا كاران» عن الصوفية لكن ابنتها «جابى» سمعت وقرأت عنها وانجذبت إليها وتأثرت بها.
ولدت دونا كاران فى الثانى من أكتوبر عام 1948.. ورثت موهبة ابتكار الثياب عن والدها الخياط الشهير الذى كان يصمم ملابس الكبار حتى أصبح واحدا منهم.. ولكنها.. تفوقت عليه بتصميماتها البسيطة التى تناسب النساء فى عصر السرعة دون أن تفتقد الأناقة.. وأسست مع زوجها ستيفان فيسيس فى نيويورك بيت أزياء «دكنى» الذى يمتلك الآن (70) فرعا فى أكبر عواصم الدنيا ومنها القاهرة.
فى عام 1997 حملت جابى إلى أمها أسطوانة موسيقية ينفرد فيها العود بالنغمات الأساسية وبين اللحن واللحن أبيات من قصائد القطب الصوفى جلال الدين الرومى ترجمها من الفارسية إلى الإنجليزية الشاعر الأمريكى سام هامل الذى ندد بغزو العراق وقتل أطفال فلسطين ورجم النساء فى إيران وقدم محمود درويش إلى الناس فى بلاده.
كانت دونا كاران تعانى من أرق ما قبل عرضها القادم بعد ثلاثة أشهر فقد عجزت عن رسم أزياء مبتكرة ولكنها وجدت نفسها تنام نوما عميقا على كلمات الأسطوانة أكثر من ليلة: «ليس الجسم بمستور عن الروح.. ولا الروح بمستورة عن الجسم.. ولكن رؤية الروح لم يؤذن بها لأحد».
«أيها المطرب تحدث عن أسرارنا من جديد أرو من جديد القصص التى تنعش الروح».
«اليوم نلتزم الصمت المطبق ونكف عن أحاديث الحزن والألم فأعد أنت الحديث الذى يبعث فى القلب السرور».
«ذابت روحى من الهوس ارفق بنا يا رب».
«أيها العشق إن لك أسماء وألقابا كثيرة عند كل فرد من الناس وأنا الليلة سميتك باسم آخر: داء من لا دواء له».
ذات صباح وجدت دونا كاران نفسها تمسك بقلم الفحم وراحت أصابعها ترسم ثيابا على كراسة الاسكتشات بعيدة عن خبرتها التقليدية.. لم تعرف سر السحر الذى تملكها.. صممت أزياء فضفاضة للنساء مستوحاة من العباءة الشرقية.. عليها شرائط ملونة من حروف عربية وفارسية.. وفى اليوم الذى قدمت فيه مجموعتها الجديدة للخريف اعترفت بأنها استلهمت خطوطها من أشعار الرومى وتركت لمرشدها الروحى ديك جوبرا اختيار الموسيقى المناسبة للعرض الذى تحمست إليه من نجمات السينما ديمى مور وسلمى حايك وبريانكا تشوبرا.
ضاعفت أزياء دكنى من الهوس الأمريكى بالرومى حسب ما رصد فرانكلين لويس فى الكتاب الذى وضعه عنه 1268 صفحة.
وفرانكلين لويس أستاذ اللغة الفارسية فى قسم دراسات الشرق الأوسط (جامعة شيكاغو) وبنفس التخصص انتقل إلى جامعة إمورى (أتلانتا) وفى عام 1996 بدأ العمل فى مؤلفه: «الرومى ماضيا وحاضرا شرقا وغربا»الذى جمع فيه بين دقة البحث وسهولة القراءة ونال الكتاب جائزة «الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط» التى منحت لأول مرة لكاتب أمريكى.
فى شارع لافايتى الشهير فى نيويورك يسهل الوصول إلى مركز «يوجا» يسمى «جيفامكتى» يتدرب فيه 400 شخص على التحكم فى النفس لتقاوم الغضب والعنف والأرق وتجنب الانحراف والتعصب والعلاج من الخمر والشعور بالتطهر من الجنس الحرام برياضات تنفسية روحية على إيقاعات خلفية تمتزج فيها موسيقى الروك وقراءات من الرومى:
«يا من رونق روحى منك أدور كأفلاك منك.. فأرسل قمحا أيها الروح لكى لا تدور الطاحونة من دون سبب».
«لن أتكلم بعد ذلك فقل هذا البيت واكتف به: ذاب روحى من هذا الهوس ارفق بنا يا ربنا».
ولو ضبطت ساعتك على الثامنة من صباح كل أحد وثلاثاء وجمعة ستجد النجمة الأمريكية مارى ستيورت ماسترسون بطلة فيلم «فراش الزهرة» تدخل المكان.
وفى نفس التوقيت ولكن فى أيام السبت والاثنين والخميس ستجد سارة جيسكا باركر تطرق الباب متخفية لتجنب المعجبين بعد أن فازت بجائزة إيمى عن دورها فى المسلسل الكوميدى «الجنس والمدينة».
وعلى مسرح «بلى هاوس» فى نيويورك أيضا أدت روبين بيكر مع فرقتها رقصة «الليل» بمفردها ورقصة «عتبات» مع أربعة من فرقتها فى برنامج أطلق عليه «رقصات من الرومى» اقتبست من حركات وإيقاعات وكلمات «المولوية».
والمولوية.. الطريقة الصوفية التى أسسها الرومى ونظم معظم الأشعار التى تنشد فى حلقات الذكر.. واشتهرت المولوية بالرقص الدائرى لمدة ساعات طويلة حيث يدور الراقصون حول مركز الدائرة التى يقف فيها الشيخ ويندمجون فى مشاعر روحية سامية ترقى بنفوسهم إلى مرتبة الصفاء متخلصين من الحقد والطمع والتمييز والحزن والألم والبغضاء مرحبين بالحنين إلى السماء حيث عالم الخلود والبقاء والأزل.
وتصاحب رقصة المولوية أنغام الناى الأقرب لعازفه والشبيه بأنين الإنسان وحنينه للخلاص والأكثر حبا لشعر الرومى:
«استمع إلى هذا الناى كيف يشكو إنه يحكى عن آلام الفراق (يقول):
«إننى منذ قطعت القصباء والناس رجالا ونساء يبكون لبكائى».
«إننى أنشد صدرا مزقه الفراق لكى أشرح له ألم الاشتياق».
«كل إنسان أقام بعيدا عن أصله يظل يبحث عن زمان وصله».
«أصبحت فى كل مجتمع نائحا وصرت قرينا للبائسين والسعداء.
«وقد ظن كل إنسان أنه أصبح لى رفيقا ولكن لا أحد لم ينقب عما كمن من باطنى من أسرار».
«وليس سرى ببعيد عن نواحى ولكن أنى لعين ذلك النور ولأذن ذلك السمع الذى تدرك به الأسرار».
ونعرف رقصة المولوية فى مصر برقصة التنورة ولكنها لا تقدم فى الموالد وحلقات الذكر وإنما تؤديها فرق فنون شعبية نوعا من التراث والفلكلور دون مقاصد دينية.
ولد الرومى فى أفغانستان يوم 17 ديسمبر عام 1273 وفى الذكرى السنوية الخمسين والسبعمائة جمعت مؤسسة نشر «بيير» الشاعر كلمان باركس وراقصة تسمى «زليخا» مع موسيقيين من فرقة ثرى فيش (السمكات الثلاث) فى نادى مانهاتن السيمفونى لتقديم رقصة رمزية مستوحاة من كتاب الرومى: «مثنوى» وغنى المطرب روبى روب من فرقة «تريب أفتر تريب» كلمات من أشعار الرومى وصاحبه على الطبلة ريتشارد ستوفرد:
«يا من ظننت البخار روحا.. ظننت حبة الذهب منجما للذهب».
«يا من خسفت بك الأرض مثل قارون.. ويا من ظننت الأرض سماء.. يا من رأيت لعب الشيطان.. ظننت اللعب أناسى.. يا من فر العشق من عارك.. يا من خلت نفسك موجودا.. يا من هلت عيناك الدمع بسبب دخان الكفر.. ظننت الدخان نورا لألاء.. يا من أدخلته الشهوة فى القذارة.. ظننت العاشقين على امثالك.. إن سكر الشهوة إمارة اللعنة.. يا من ظننت العلامة بلا علامة.. يا من فسدت بين الحرف والصوت.. ويا من ظننت الحق لا لسان له.. إن قمره يشع على عماك.. يا من ظننت القمر مختفيا أيضا.. إن كل ما قلته إنما قلته لنفسى.. يا من ظننته هجاء للآخرين».
قدم ذلك العرض فى عام 1996 وبعد عامين أنتجت فرقة ثرى فيش أسطوانة مدمجة (سى دى) بها ثلاث أغنيات مستمدة من العرض الذى استمر 6 أشهر أطلقت عليها «السمكة العاقلة» و«السمكة نصف العاقلة» و«السمكة البلهاء».
وقدم الناشط البوذى الأمريكى فيليب جلاس مع الموسيقار روبرت ويلسون أوبرا غزلية للرومى من 114 غزلية صوفية وقد سبق أن قدما معا أوبرات سابقة عن أينشتين وغاندى والعهد القديم.
وأهدت الممثلة البريطانية فانيسا ريد جريف فيلمها «التسامح» إلى «مولانا جلال الدين» وحثت فيه الناس على احترام كل منهم ديانة الآخر.
ويستحق الرومى المعلم والواعظ والشاعر والإنسان والمسلم الورع والرائى الصوفى الإهداء بلا منازع فقد كرس حياته داعيا للتسامح بلا حدود وتقبل الآخر والإيمان بانتصار الخير على الشر وترقى النفوس بالذوبان عشقا فى الذات الإلهية.
إن الإنسان قاصر مهما بلغت حكمته.. ضيق النظر مهما اتسعت رؤيته.. عاجز عن معرفة الحقيقة مهما كانت براعته.. ويدلل الرومى على ذلك بحكاية شائعة اقتبسها من الهند:
كان الفيل موجودا فى حجرة مظلمة ودخل الناس لمشاهدته فى العتمة فردا فردا ولما كانت رؤيته بالعين غير ممكنة أخذوا يتحسسونه بأيديهم ليتعرف عليه.
وقعت كف أحدهم على خرطومه فقال: إن شكله مثل الأنبوبة.
ووصلت كف آخر على أذنه فبدا له كأنه مروحة.
وعندما تحسس الثالث ظهره قدمه: لقد أدركت شكل الفيل إنه كالعمود.
أما ذلك الذى وضع يده على ظهره فقد قال: هذا الفيل كأنه نجد (الأرض المرتفعة).
واختلفت أقوالهم باختلاف وجهات نظرهم: قال أحدهم إنه معوج كالدال وقال آخر بل مستقيم كالألف ولو كانت فى يد كل منهم شمعة لعرفوا الحقيقة الكاملة.
والحقيقة الكاملة أو الحقيقة المطلقة هى الذات الإلهية التى يستحيل إدراكها إلا بالفناء فى حبها وهى مرتبة لا يصل إليها إلا من اصطفاه الله من بين عباده.
وأكثر من استلهم التسامح الصوفى من سيرة الرومى الكاتب الفرنسى إيريك إيمانويل شميت.
تخصص شميت فى كتابة سلسلة من الروايات تحت عنوان «اللامرئى» تكشف عن اهتمامه بالعقائد باعتبارها ظواهر غير مرئية ورغم ذلك يصعب إنكارها فى حياتنا لتأثيرها المباشر فى الثقافة والحضارة.
تناول شميت فضيلة المحبة فى المسيحية (رواية أوسكار والسيدة الوردية) وتناول التوافق فى اليهودية (رواية طفل نوح) وتناول الزهد فى البوذية (رواية ميلاربيا) وتناول الصلة بين الإسلام واليهودية فى رواية «مسيو إبراهيم وزهور القرآن» التى تحولت إلى فيلم سينمائى قام ببطولته عمر الشريف.
فى ستينيات القرن الماضى لم يكف الصبى اليهودى موسى (أو مو) عن السرقة من محل البقال المسلم الصوفى إبراهيم الذى كان يدرك ما يسرقه مو ولكنه لم يعاقبه وإنما تبناه بعد أن عرف بوفاة والده وهو لا يزال رضيعا وتجرى بينهما حوارات إنسانية تتجاوز حدود النصوص الدينية إلى رحابة إنسانية ثم تبدأ رحلتهما معا إلى مسقط رأس إبراهيم فى تركيا وخلالها نصل إلى الحكمة المشتركة بين البشر مهما كانت جنسياتهم ودياناتهم: «الابتسامة تصنع المعجزات».
وفى النهاية نجد أنفسنا أمام رؤية بسيطة عالية القيمة: «قلب الإنسان مثل طائر محبوس عندما يرقص ويغنى يرتفع إلى أعلى السماوات».
ويعترف شميت أنه تأثر بنصوص فى الرهبنة المسيحية والعزلة البوذية والصوفية الإسلامية وفى حوار تليفزيونى أثبت أنه حفظ فقرات كاملة من القطب الصوفى سيد برهان الدين الترمذى معلم الرومى:
«سهل أن تفر من كل شىء لكنه صعب جدا أن تفر من نفسك وإن منبع إفادتك هو النفس وما لم تغد كالعدم وتقتل نفسك وإرادتك فلن تتحرر من بلائك فمت قبل الموت وادفن نفسك فى قبر مخالفة النفس وكن سعيدا «.
«الدنيا سقف جهنم ترى كل هذه الأزهار والأنوار والمسرات والرغبات أما فى الداخل فيوجد ألف عذاب وعندما يخبرك إنسان بأنه فى النهاية سينهار هذا السقف «والتفت الساق على الساق» فاحذر من أن تغتر فوق السقف بالشقائق والرياحين».
«كل مخالف للنفس يقربنا وكل ما هو موافق للنفس يبعدنا.. إذا خالفت النفس الإمارة كان الله على سلم معك.. وإذا صالحت النفس صرت فى حرب مع الله».
«إن لب العبادة هو إفناء النفس وبقية العبادة ليست سوى قشور وما لم تفن عن هذا المستوى من الوجود فلن تحصل على وجود من وجوده (تعالى) فمت قبل الموت وادفن نفسك فى قبر مخالفة النفس وابتهج».
«إن مصباح نور الإيمان يضاء داخل زجاجة جسد المؤمن جسد العارف بفضل المجاهدة يغدو مثل زجاجة يسطع منها نور الإيمان.. إنه نور وضع فى عين طينة آدم وذلك النور لا يظهر إلا بالمجاهدة وكلما زاد القسر سماكة ازداد اللب ضعفا وخفاء وكلما ضاق القسر ورق بالمجاهدة استمد نور القوة من هذا المعنى مثلما أنه كلما رقت قشرة جوزة امتلأ قلبها ومثل ذلك فى شأن اللوز والفستق كلما غلظت القشرة ضعف اللب».
ولوحظ أن نسبة لا تقل عن سبعين فى المائة من الداخلين فى الإسلام على كبر فى الولايات المتحدة جذبتهم النصوص الصوفية إليه ويعرفون عن أقطاب الصوفية ما لا يعرفه المسلمون بالمولد.
إن غالبية المتحولين دينيا كانوا حائرين ضائعين عاجزين عن التكيف مع قيم مادية قاسية دفعت بهم للجنس حتى زهدوا وللخمر حتى أدمنوا وللربح حتى نهبوا وسرقوا ونصبوا و قتلوا.
جاء شفاء بعضهم من حالة كراهية الذات فى الهند حيث عرفوا قيمة الروح فى البوذية والهندوسية بتمارين يوجا تزيد من مرونة الجسد وتطلق النفس البشرية من سجن الرغبات والشهوات.
وجاء شفاء البعض الآخر من كتابات العارفين بالله التى تفرق بين نفس مظلمة كالليل وأخرى ساطعة كالشمس ولوحظ أنهم أكثر تمسكا بالإسلام ممن ورثوه.
فى صفحة الرأى الأكثر تأثيرا فى صحيفة واشنطن بوست كتبت عائشة (كارولين سابقا) بأول مقال تحت عنوان: «رغم تقدم الطب الأمريكى لم يصل إلى علاج النفس المريضة» طعمته باستشهادات صوفية كانت سببا مباشرا لكى تنطق بالشهادتين:
«فرعون عليه اللعنة قال: «أنا ربكم» استعماله كلمة «أنا» كان لعنة الله عليه وقال الحسين منصور (الحلاج): «أنا الحق» واستعماله كلمة «أنا» كان رحمة من الله».
«إن قول «أنا الحق كان على شفة المنصور نورًا وكان قول «أنا الله» على لسان فرعون زورا.
«والمؤكد أن الإنسان إذ تقدم فى الطريق الروحى يظفر بالكمال ويرتبط بحضرة الألوهية متجاوزا حتى الملائكة فى المنزلة ورغم ذلك لا يتوقف الصوفيون عند الظفر بهذه المنزلة «لا توجد نهاية للطريق «ذلك لأن الصوفية يتحدثون عن رحلتين: الرحلة إلى الله والرحلة فى الله حسب ما يخبرنا عن أسرارهم الترمذى»:
«هناك منازل على الطريق أى عندما تبلغ مدينة الوصال.. ليس ثمة نهاية للتقدم داخل المدينة.. ليس لطريق الوصال نهاية.. المنتهى والمقصد هو الله مثلما يقال «وإن إلى ربك المنتهى».
وأكثر من أثر فى الرومى كان شمس الدين محمد بن مالك داد «التبريزى» فقد أقنعه أن من يأتون إلى مسجده وسماع خطبه ومواعظه ليسوا فى حاجة إليه فهم مهتدون عرفوا طريقهم إلى الله وحدهم ولكن أكثر الناس حاجة إليه الذين يعيشون فى الرذيلة: شاربو الخمر ومدمنو المخدرات وسارقو الأعراض ومحترفو العهر.
ولو كان على الولى الصوفى تقبل البشر كما هم دون أن يحاكمهم بأفعالهم أو يحكم عليهم بمظاهرهم فلم يستنكف التعامل مع اللصوص والقتلة وقطاع الطرق والبغايا؟ اليس هؤلاء أولى بالرعاية؟ لم يعالج الأصحاء ويتجنب المرضى؟.
وهكذا كان على الرومى بكل ما ورث من ترف العيش وحرير الثياب ونعومة الفراش ومكانة السيادة أن ينزل إلى البارات وبيوت العاهرات وزنازين المساجين كى يشفى يريح النفوس المتعبة فيها مهما شقت نفسه وتعبت روحه وتألمت مشاعره.
انقلاب حاد فى حياة الصوفى المتوج وليا تقيا ورعا جعله يعود تلميذا صغيرا فى مدرسة التبريزى التى تبدأ درسها الأول فى قاع المدن حيث العشوائيات وأكواخ الصفيح والرائحة العفنة والموت فى كل شبر والفقر فى كل بيت والألم يسيطر على الجميع.
وربما كانت تلك النتيجة التربوية خلاصة رواية اليف شفاك «قواعد العشق الأربعون» التى جمعت فيها بين الصوفية وأوجاعنا العصرية وقد حققت الرواية انتشارا كبيرا فى مصر يندر أن تناله رواية مترجمة مما يكشف عن كمون الصوفية فى جينات المصريين إلى حد انتماء أكثر من عشرة ملايين منهم فى 77 طريقة جعلت من نفسها حائط صد ضد التنظيمات الإرهابية.
وليست الصوفية جديدة فى مصر فعمرها يمتد مئات الأعوام ولكن رغم ذلك هناك سوء فهم لكثير من مظاهرها بل هناك اختلاف فى تعريفها والأخطر توريث طرقها ربما لمن لا يصلح لتولى شئونها.
ويعرف المصريون أقطاب الصوفية الأربعة (أحمد الرفاعى وعبد القادر الجيلانى وأحمد البدوى وإبراهيم الدسوقى) ويؤمن محيى الدين بن عربى بوجود قطب فى كل مكان وزمان وأن عددهم إلى يوم الدين لن يزيد عن خمسة وعشرين قطبا ومنهم خرجت كل الطرق مهما بدت مختلفة.
ومثل غالبية المؤمنين بسيادة العقل والعلم وجدت الصوفية نوعا من الشعوذة والدروشة ولكن شيئا ما حدث جعلنى أتراجع عن تصورى وأقر بخطئى.
وهذه قصة أخرى.