محمد مسعود يكتب: أيمن نور.. المسخ
أول ظهور فى دائرة "باب الشعرية" بجلباب أبيض ولحية ودعم من الإخوان
تقرب من فؤاد سراج الدين بـ"التحف والأنتيكات".. أول من سعى لتأسيس حزب لتوريث «جمال مبارك».. اشتهر باستجوابات مدفوعة الأجر فى البرلمان لصالح رجال الأعمال
تقول الأسطورة، إن الحقيقة قابلت الكذب صدفة فى الطريق، فأوقع بها، قال إن حالة الطقس بديعة فى تلك اللحظة، فنظرت الحقيقة فوجدتها بديعة بالفعل، وعندما وصلا إلى البئر، قال الكذب إن المياه عذبة وجميلة، هيا بنا لنسبح قليلا، وجدت الحقيقة أن المياه.. عذبة بالفعل، ونزلت بمحض إرادتها بصحبته إلى البئر، وبعد قليل، خرج الكذب من البئر مهرولا، مرتديا زيها.. تاركا الحقيقة، عارية، مختبئة، فى قرارها العميق، غير قادرة على ستر عورة.. أو إثبات حق.
وربما لا يختلف الواقع عن الأسطورة كثيرا، إلا فى بعض التفاصيل، فكثير من الكاذبين، تخفوا فى ثوب الحقيقة، ولعب المنافقون، والقوادون، والجبناء، والخونة، أدوار البطولة.. فى مسرح الخيانة، فوضعوا مساحيق الشرف، وارتدوا قناع الرجولة، وحملوا لواء الشجاعة الزائفة، ليمثلوا أدوارهم، عن بُعد.. بعد أن سرقوا، ملابس الحقيقة!.
لكن مع اختلاف الزمن، استطاعت الحقيقة أخيرا أن تنتزع ملابسها، وتعرى الكذب والكاذبين، ليفتضحوا بعوراتهم التى لم يشفع لسترها ورقة توت متمثلة فى أبواق إعلامية كاذبة، وجهت سمومها وأكاذيبها، وأطلقت شائعتها نحو مصر، مصر التى أرادوا أن يحكموها بمنطق إما إن نحكمكم أو نقتلكم، وعندما فشلوا وأنقذت مصر، وبدأت فى استرداد عافيتها من سرطان جماعة تمكن من جسدها طوال ما يزيد على الثمانين عاما، بثوا السموم وحاكوا المؤامرات.. وأطلقوا الشائعات، عن طريق عرائس ماريونيت لا لحم لها ولا دم، تحركها بطاريات شحن بملايين الدولار.
والحقيقة أن مصر وقفت ثابتة، لم تهتز ولم تتحرك، ولم تعر نباح كلاب صيدهم اهتماما، ولم يشغلها أبواقهم الإعلامية وحناجرهم المجوفة وقناع وجوههم التى ضاعت معالمها من كثرة استخدام الأقنعة الزائفة.
1- سباق المسخ.. والظل
لم يكن أيمن نور أكثر من شخص، غره الطموح، وأعمته الرغبة.. ونادته نداهة «التسلق»، التى لم تسلب عقله، بينما سلبت مبادئ وقيم ادعى وجودها، حاول اختصار السنوات، باتساع الخطوات، متكئا على رغبة جامحة فى الوصول والارتقاء لأعلى المناصب، فهو لم يكن أبدا شخصية كاملة أو واضحة، بينما جمع كل المتناقضات المريبة، بين المعارضة والموالاة، النضال والتزوير، ليخرج لنا فى النهاية كمسخ يسابق ظله فى حلبة الأحلام، لم يستطع يوما أن يلحق به، ولم يكف عن المحاولات التى سلبته أى عطف أو ثقة – أو حتى – احترام من خدعهم.. بشعاراته الزائفة.
حكاية أيمن نور، طويلة ومملة، ذات نمط واحد، لم تغلب عليها الإنسانية، بينما احتلتها الرغبة التى جعلته ينتهج نهج «الغاية تبرر الوسيلة»، أراد أن يصبح صحفيا، وأراد الانضمام لحزب معارض كبير، كيف والوفد فى ذلك الوقت كان يضم بقايا عائلات الباشوات وكبار العائلات الوفدية العريقة؟، سأل وعلم أن فؤاد باشا سراج الدين رئيس حزب الوفد – آنذاك – رجل يعشق التحف و«الأنتيكات»، فتقرب منه بالهدايا النادرة والوجه الناعم والطموح المشروع، وصدقه الباشا الذى غره قناع البراءة، وانضم أيمن نور لحزب الوفد، وصار نجما من نجومه.. وفتى مدللا فى أروقة الحزب.
كان أيمن يسكن وقتها فوق سطوح إحدى العمارات الفخمة فى حى جاردن سيتى، وعلى طريقة «لا أكذب ولكنى أتجمل»، ادعى أنه يملك الروف بالكامل، كنوع من الوجاهة الاجتماعية التى رسمها كذبا.. وبعد أن صار صحفيا فى الوفد ومن سكان «سطوح» فى جاردن سيتى، بدأ يفكر، كيف يبزغ نجمه فى عالم الصحافة، ليتمتع ببريق نجوم السلطة الرابعة.
2- جريمة ملفقة
أساس النجاح فى العمل الصحفى، هو شرف الكلمة، من كاتب إلى متلق، يلمس صدقه، فتمتد جسور الثقة، وهى حجر الأساس فى العلاقة، ولأن أيمن نور لم يكن لديه لا الوقت ولا المصداقية ليمد جسور الثقة مع القراء، فكان الأسهل هو تلفيق قصة صحفية ذات دوى كبير، تحدث فرقا كبيرا بين حجم اسمه الحالى، وحجم اسمه بعد النشر، لذا نشر أيمن عن قضية اعتداء وتعذيب وحشى، مارستها وزارة الداخلية ضد أحد السجناء، وعلى ذلك أحدث أيمن نور دويا كبيرا، وتبين فيما بعد أن الضحية لم يكن سوى شخص أجير، مثل من استعان به، وتم عمل ماكياج ودماء كاذبة على وجهه ليبدو كمن تعرض للتعذيب الوحشى، وكانت الداخلية بريئة من تلك الدماء الملفقة.
وبات يؤكد فى كل مكان أن الحادث حقيقى لكن الداخلية تحاول تجميل وجهها!!.. وانتهت القصة بين مؤيد مغرر به وبين وزارة دافعت عن نفسها.
مارس أيمن الكذب لدرجة أنه صار يتنفسه، صحفيا كاذبًا.. من سكان حى لا ينتمى له، من أسرة زعم أنها عريقة، رغم كونها أسرة متوسطة لوالد محام «عبد العزيز نور»، والمؤسف أن الكثيرين صدقوه، وبلعوا أكاذيبه وهضموها.. لذا كان عليه أن يطرق باب السياسة.. فللوسط السياسى نجوم ذوو حظوة وشهرة وسلطة، فلم لا يكون منهم.
فقرر على الفور، الترشح لانتخابات مجلس الشعب، عن دائرة باب الشعرية، ويقال إن ظهوره الأول فى الدائرة بصحبة بعض المقربين منه، كان يرتدى جلبابا أبيض وذا ذقن ليست بالطويلة ولا بالقصيرة، لكن يبدو عليه «نور الوجه»!، وصدقه أهالى الدائرة، ومالت كفته فى الانتخابات عندما تعرض لحادث ملفق أيضا، بالاستعانة بشخص أطلق عليه النار وانتشرت الحادثة مثل النار فى الهشيم.. وصار لأيمن نور متعاطفون كثيرون مغررا بهم بفعل الحادث الوهمى الذى يؤكد أن أيمن كان يهوى أفلام الأكشن.
3- ثراء مفاجئ
نجح أيمن نور فى انتخابات البرلمان وصار أحد نوابه، قبل ذلك الوقت كان يمتلك سيارة صغيرة، لكن مشهد دخوله للبرلمان كان مشهدا سينمائيا، سيارة مرسيدس فارهة بتليفون، وسيارة «جيب» للحراسة، وصار فجأة من سكان الزمالك بعد زواجه من الإعلامية جميلة إسماعيل، ابنة فريدة عرمان ذات الأصول العريقة.
من أين له كل هذه الثروة والوجاهة الاجتماعية؟.. وشقة الزمالك وهى عبارة عن دور كامل وبها حمام سباحة، وقتها قال أيمن إن والدته هى التى اشترت له الشقة، وزور عقدا أظهره لكل من يزوره حتى يدفع عن نفسه تهمة الثراء المفاجئ التى امتدت فيما بعد لاتهامه بالتجارة فى الآثار «رغم وفاة والدته وهو عمره 8 سنوات».
لم تثبت تهمة تجارته بالآثار فى ذلك الوقت، لكنه لم ينف عن نفسه تهمة الثراء المفاجئ والنعم التى بدأت تظهر عليه من حيث لا يعلم الجميع، ومنها ذبح 30 عجلا فى شهر رمضان لأهالى الدائرة، وإقامة موائد إفطار وسحور فى دار الأوبرا المصرية طوال أيام الشهر الكريم للنواب والمحامين.
وفى مجلس الشعب كان هناك الكثير من الأحداث.. ففى البرلمان المصرى تعرف أيمن نور على كثير من رجال الأعمال وارتبط معهم بعلاقات قوية، من فرط قوتها أنه كان يقدم استجوابات «مضروبة» لعدد من الوزراء الذين لا يستجيبون لمصالح رجال الأعمال، ثم يسحب الاستجوابات بعدما تتم ترضية رجال الأعمال وقضاء مصالحهم.
وفى مجلس الشعب وقائع شهيرة عن دفع رجل أعمال أقساط شقة أيمن نور بالزمالك، لدرجة أنه كان يضع له شيكا بقيمة القسط فى الصندوق الخاص به فى المجلس !!.
4- الوريث.. والإجهاش بالبكاء
مع ظهور جمال مبارك اختلطت أوراق السلطة بين التيار الجديد والحرس القديم، هذا ما يعلمه الجميع، لكن فى بداية ظهوره، حاول أيمن نور استغلال اسمه مثلما استغل كل شىء وطوعه لخدمة شمصالحه الشخصية، فهداه شيطانة، لتأسيس حزب أطلق عليه «المستقبل» على أن يرأسه جمال مبارك، ويكون أيمن هو نائبه، ووقتها أطلقت آلة أكاذيبه شائعات بأنه صديق مقرب لجمال وعلاء ومبارك ودائم الزيارة لهم فى القصر الجمهورى، وقيل أيضا إنه يقول لسوزان مبارك : «يا ماما».
ومع تأسيس حزبه الفعلى «الغد»، استمر أيمن نور فى أكاذيبه، مدعيا فى بيان تأسيس الحزب أن ابن الزعيم مصطفى النحاس باشا من مؤسسى الحزب، لكن سرعان ما نبه المقربون أن الزعيم النحاس باشا لم ينجب على الإطلاق.. ليصمت نور كمن ابتلع لسانه.
وعندما أصدر ضده حكم بالحبس لمدة خمس سنوات فى قضية تزوير توكيلات الناخبين، كان أيمن نائبا برلمانيا أراد الاحتماء بالمجلس، وحاولت السلطات الإمساك به أثناء إحدى الجلسات، لكن الدكتور فتحى سرور رئيس المجلس طلب منهم أن يلقوا القبض عليه خارج المجلس إذ لا يجوز القبض عليه داخل الحرم.
جلس أيمن يبكى كالنساء ويولول، وطلب من أحد النواب تهريبه فى سيارته لكن النائب رفض ذلك، فرد النائب البدرى فرغلى قائلا: «أنت بتعيط ليه.. أجمد».
وخرج أيمن نور لسوء حالته الصحية، وبعدها سقط نظام مبارك، وحاول أيمن الانتقام منه من ساحة ميدان التحرير لكن قناعه كان قد تآكل وانكشف أمره لجميع القوى الثورية التى تعدت عليه قولا وضربا فى ميدان التحرير، فلم يجد سوى التحالف مع الإخوان.
5- اللص والكلاب
التجربة تؤكد أنه لا يمكنك الوثوق بأيمن نور لساعة واحدة، فعادته تطويع جميع الأمور لخدمة مصالحه الشخصية، ضاربا عرض الحائط بالجميع، لذا لم يكن مستغربا عندما تسربت فضيحة قناة «الشرق» التى تؤكد أحداثها أنها فضيحة لـ «اللص والكلاب»، أما اللص فهو الذى سرق أموال القناة ووضعها فى جيبه ضاربا بالعاملين فيها من المأجورين عرض الحائط، أما الكلاب فهم من باعوا أوطانهم وضمائرهم ووجهوا خدماتهم لمن يدفع أكثر.
خرج نور من الفضيحة خاسرا سمعته «المهببة سلفا»، واتهمه الجميع بأنه غير مؤتمن، غير أنه نجح فى حل الأزمة دون خسائر مالية، فإذا ضاعت السلطة والسمعة والشرف، فلابد أن يبقى المال.. الذى أماله لدرجة الترنح!.