أبرزها الإفطار في الامتحانات.. المؤشر العالمي للفتوى يكشف فتاوى الصيام
كشف المؤشر العالمي للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية أن الفتاوى الخاصة بشهر رمضان تمثِّل (20%) من جملة الفتاوى الصادرة عالميًّا، مؤكدًا أن المؤسسات والهيئات الدينية الرسمية تسيطر على المشهد الإفتائي في الشهر الفضيل بنسبة (60%)، في مقابل (40%) للفتاوى غير الرسمية، والتي تمثلت غالبيتها في شخصيات ومواقع إلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي.
وأضاف مؤشر الإفتاء أن مصر تصدرت كافة دول العالم من حيث عدد الفتاوى الخاصة بشهر رمضان بنسبة (35%)، مبررًا ذلك برفع درجات الاستعداد القصوى من جانب المؤسسات والهيئات الدينية الرسمية المصرية وعلمائها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي للموسم الرمضاني، فضلاً عن تعدد المصادر الإعلامية الناقلة للفتاوى من صحف ومجلات ومواقع وإذاعة وتليفزيون وشبكات اجتماعية .. إلخ.
وأوضح المؤشر العالمي أن فتاوى رمضان بدول الخليج العربي جاءت في المرتبة الثانية بنسبة (30%)، واستحوذت فتاوى المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر على أكثر من (70%) من إجماليِّها، ثم جاءت فتاوى الدول العربية الأخرى (باستثناء مصر ودول الخليج) ثالثةً بـ (25%) وأخيرًا فتاوى الدول الأجنبية بــ (10%)، وتركز (90%) منها على بعض خصوصيات وعادات الحياة بتلك الدول مثل: أكل لحوم مذبوحة بطريقة غير شرعية، وتناول الطعام في مطاعم تقدم لحم الخنزير أو بعض الخمور.
رمضان.. موسم الفتاوى الشاذة للسلفية الجهادية والدواعش:
وعرض مؤشر الفتوى العالمي أكثر 10 فتاوى رمضانية إثارة للجدل بين الجماعة السلفية الجهادية وتنظيم داعش الإرهابي، موضحًا أن بعض السلفيين الجهاديين دأبوا على تحريم كل شيء، مثل فتاويهم بتحريم "إمساكية رمضان" التقويمية، والتي جاءت بنسبة (30%) من جملة فتاويهم المثيرة للجدل، وقالوا إن ما تُسمى بالإمساكية هي "تقويم ليمسك الصائم قبل الفجر ليحتاط الصائم، موضحين أنها مخالفة لسنة تعجيل الفطر وتأخير السحور"، وأكدوا أنها بدعة قديمة أنكرها أهل العلم في زمانهم، كون وقت الإمساك المذكور فيها يسبق وقت أذان الفجر بربع الساعة، مؤكدين أن هذا خطأ وليس بالصواب.
وجاءت ثاني فتاوى السلفيين الجهاديين الغريبة بنسبة (20%) لتحرّم أيضًا ما يدعو إلى البهجة والفرحة، حيث قالوا إن الزينة وفوانيس رمضان (التي هي صارت عادةً عند الكثيرين) بدعةٌ لا أصل لها في الإسلام، ولا يجب السير وراءها. فيما تمثلت ثالث فتاوى السلفية الجهادية الشاذة في قولهم إن "جوائز الدورات الرمضانية والمسابقات حرام"، والتي جاءت بنسبة (20%) أيضًا.
ويثير بعض السلفيين قضية أذان الفجر، لا سيما في مصر، وجاءت فتواهم في هذا الشأن في المرتبة الرابعة بنفس نسبة سابقتيها (20%) حيث زعموا أن التوقيت الحالي لأذان الفجر غير صحيح، وطالبوا بتأخير وقت الأذان في النتيجة حتى تصح صلاة المسلمين.
وأخيرًا وبنسبة (10%) جاءت فتوى بعض السلفيين في السودان القاضية بأن "استنشاق البخور في نهار رمضان من المفطرات"، بزعم أنه يدخل جوف الصائم فيفطره في الحال.
فتاوى داعشية: لا صيام لمقاتلينا ومن لا يحب التنظيم يبطل صومه:
وعرض مؤشر الإفتاء أغرب (5) فتاوى رمضانية أصدرها تنظيم داعش الإرهابي، كانت أولاها ضرورة إفطار أعضاء التنظيم أثناء المعارك وذلك بنسبة (25%)، بزعم أن الصيام يرهق الجسد، وبالتالي يشجع الصائم على الخمول والاستسلام للتعب، ما يترتّب عليه التقاعس عن مواصلة المعارك بحسب معتقداتهم.
وجاءت ثاني فتاوى التنظيم الإرهابي بنسبة (20%) ومضمونها منع خروج النساء في نهار رمضان لئلا يؤدي خروجهن إلى فتنة المسلمين، ومَن ترغب في الخروج بعد صلاة المغرب ينبغي أن يكون معها أحد محارمها. وبنفس النسبة السابقة (20%) جاءت فتوى التنظيم القائلة بوجوب إغلاق المحال التجارية آخر 10 أيام قبل عيد الفطر، ليتفرغ المسلمون للعبادة فقط.
وفي فتوى رابعة حملت بعض العنصرية التي يبغضها الدين الإسلامي الحنيف السمح، أفتى بعض الدواعش بأن "من لا يحب التنظيم لا يُقبل صيامه"، وهي الفتوى التي جاءت بنسبة (20%) من جملة فتاوى التنظيم الخاصة بشهر الصيام، حيث قال مفتي التنظيم في مدينة حمص السورية: إن "من لا يحب التنظيم لا يقبل صيامه، فمن لديه هذه الخصال فلا يكلّفَنَّ نفسه عناء الصوم، فليس له من الصيام إلاّ الجوع والعطش".
وأخيرًا جاءت فتوى التنظيم القائلة ببطلان صيام من لا ينتمي للتنظيم بنسبة (15%)، حيث أصدر أحد أتباعه ومنظريه فتوى غريبة تقضي ببطلان صيام من لا ينتمي للتنظيم، فكل مَن يثبت أنه صائم ولكنه ليس عضوًا في التنظيم صيامه باطل، ويمكن أن يقام عليه الحد باعتباره من المنافقين.
الحكمان (جائز وغير جائز) يستحوذان على (55%) من جملة أحكام فتاوى رمضان
وحول الأحكام الشرعية الواردة في فتاوى رمضان، أوضح المؤشر العالمي للفتوى أن الحكم الشرعي (جائز) تصدّر جملة الأحكام الشرعية بنسبة (30%). وبالنظر لتعريف الحكم السابق وهو تخيير الشارع الإنسانَ بين فعل الشيء وتركه بحيث لا يُعاقب لا على فعله ولا على تركه، فإن ذلك يؤشّر لمدى التيسير على المستفتين مع الأخذ بأيسر الآراء، وقد غلب ورود الحكم السابق في الإجابات مختلفة المصادر والشخصيات حول فتاوى الصيام. كما يعكس الحكم السابق أيضًا بشكل كبير ارتفاع نسبة الفتاوى المعتدلة من جانب كافة الجهات الدينية الرسمية وغيرها.
وأبرز المؤشر بعض فتاوى الحكم المذكور والتي منها: "تبييت النية من أول ليلة في رمضان"، "تعجيل إخراج زكاة الفطر"، "صلاة التراويح في المنزل"، "القُبلة بين الزوجين دون شهوة"، "زينة رمضان"، "القراءة من المصحف أثناء صلاة التراويح".
ثم جاء الحكم (غير جائز) ثانيًا بنسبة (25%)، واستحوذت فتاوى رمضان الخاصة بالمرأة على (70%) منه، وتوزعت النسبة الباقية (30%) على مستجدات في الصيام مثل: "فتاوى إفطار ذوي الأعمال الشاقة والطلاب"، و"صيام يوم احتياطي لإتمام رمضان"، و"استخدام السواك المنقوع في محاليل غير طبيعية أثناء الصيام"، و"صيام يوم الشك"، و"استخدام بخاخة الربو".
وحل الحكم الشرعي (واجب) ثالثًا بنسبة (20%)، وهو كل ما أمر الله به عزّ وجلّ في شرعه يتطلب وجوب تطبيقه وفعله على المكلفين ما دام لم يأتِ دليل يحوِّل هذا الحكم إلى أحكام أخرى كالمستحب والمباح. ومن فتاوى هذا الحكم: "تبييت نية الصيام في رمضان كل ليلة"، و"صلاة الجمعة يوم العيد"، فيما حملت بعض الفتاوى أكثر من حكم شرعي، ولكل دليله الشرعي أو النقلي.
أما الحكم الشرعي (حرام) فجاء في المرتبة الرابعة بنسبة (15%)، وهو ما نهى عنه الشارع الحكيم بشكلٍ قطعي وجذري، مثل: "احتكار السلع خلال شهر رمضان"، "الإفطار عمدًا قبل أذان المغرب"، "المجاهرة بالفطر في رمضان"، "العمل في مطعم يقدّم لحم الخنزير والخمر في رمضان أو غيره"، "دفع زكاة الفطر للجماعات الإسلامية".. إلخ.
وأخيرًا جاء الحكمان (مكروه) و(مستحب) في المرتبة الأخيرة بنسبة (5%) لكل منهما، ومن فتاوى الحكم الأول: "مشاهدة المسلسلات وسماع الأغاني"، "صيام آخر يومين من شعبان"، "الغيبة والنميمة"، "كثرة النوم في نهار رمضان"، و"مراسلة الرجل للأجنبية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي للدردشة".
ومن فتاوى الحكم الأخير (مستحب): "صلاة التراويح عشرون ركعة"، "تأخير السحور وتبكير الإفطار"، "مساعدة الرجل لزوجته في المنزل"، "إحياء ليلة العيد".
ولفت مؤشر الفتوى إلى أن بعض فتاوى رمضان لم تُظهر حكمًا شرعيًّا واضح الدلالة أو المضمون، غير أن سياق الفتوى دلَّ عليه دلالة استنباطية، كما أكد أن بعض الفتاوى هدفت لإظهار نصائح تربوية أو تعزيز قيم عليا في المجتمع والوطن دون تصريح بفحوى أو نص الحكم أيضًا.
قضايا إفتائية تتجدّد كل موسم:
وألقى المؤشر العالمي للفتوى الضوء على بعض القضايا الإفتائية المتجددة كل عام والتي تُحدث فتاواها سجالاً بين العامة على مستوى العالم، وكان أهم تلك القضايا ما يلي:
القضية الأولى: مقدار زكاة الفطر:
حالة من الخلاف تنشأ كل عام بين أكثر من فتوى خاصة بزكاة الفطر في رمضان وخروجها حبوبًا من غالب قوت البلد أو مقدارها نقدًا أي مالاً، ويتبنى أنصار التيار السلفي الرأي الأول بوجوب خروجها حبوبًا أو طعامًا، فيما تنادي فتاوى المؤسسات الرسمية، مثل دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف، بالتيسير على الناس وإخراج زكاة الفطرة نقودًا.
القضية الثالثة: توقيت أذان الفجر:
دائمًا ما يكون توقيت أذان الفجر سببًا في أزمة إفتائية بين بعض السلفيين وغيرهم، فعلى سبيل المثال أفتى عددٌ من شيوخ السلفية في مصر بأن توقيت صلاة الفجر ليس صحيحًا، ولا بد من تأخيره لفترة معينة من الزمن، غير أن هيئة المساحة، بجانب اللجنة الدينية بالبرلمان، خرجت لتؤكد خطأ ما ذهب إليه شيوخ السلفيين.
القضية الثالثة: الإفطار خلال أيام الامتحانات:
في المواسم الأخيرة واكب شهر رمضان المبارك موسم امتحانات آخر العام لقطاع كبير من طلاب الجامعات في عدة دول، ومع ارتفاع درجة الحرارة في شهر يونيو تحديدًا، يؤثر الصيام على بعض الطلاب تأثيرًا سلبيًّا على المذاكرة والتركيز، ما قد يؤدي إلى الرسوب أو تراجع درجاتهم بسبب الصيام.
وقد أفتت بعض المؤسسات الرسمية في دول عربية وأجنبية بجواز إفطار المتضررين من الصيام خلال أيام الامتحانات، لكن بشروط هي: التضرر الحقيقي من الصوم، والرسوب أو ضعف المستوى بسبب الصيام، والاضطرار إلى الامتحانات خلال الشهر واستحالة تأجيلها، وعدم التجاوز بخلاف تلك الأيام.
القضية الرابعة: ارتفاع عدد ساعات الصوم في بعض الدول الغربية
لا زال طول ساعات الصيام في عدة دول أوروبية يثير جدلاً واسعًا بين المسلمين الذين يقيمون في هذه البلاد، لا سيما وأن عدد ساعات الصوم قد تصل لقرابة 19 ساعة يوميًّا في دولة مثل بريطانيا، ويزيد عن 20 ساعة يوميًّا في الدول الإسكندنافية، مثل السويد والنرويج.
وسبق أن صدرت فتوى عن مؤسسة الأزهر في مصر في عام 1982م ترى أنه في الدول التي يطول فيها اليوم بشكل غير طبيعي، كما هو الحال في دول شمال أوروبا، يجوز للمسلمين الاختيار بين أمرين: الصوم حسب مواقيت البلاد المعتدلة التي نزل فيها التشريع الإسلامي، مثل مكة والمدينة، أو حساب وقت الصوم باعتبار زمنه في أقرب البلاد اعتدالاً إليهم.
كما أصدرت دار الإفتاء المصرية نفس الفتوى تقريبًا من حيث المضمون، حيث قالت: المُقترَح للمسلمين في هذه الحالة أن يصوموا مثل عدد الساعات التي يصومها أهل مكة المكرمة؛ لأنها أم القرى؛ ليس في القِبْلَة فقط، بل في تقدير المواقيت إذا اختلَّتْ، فيبدأ المسلمون في تلك البلاد بالصيام مِن وقت فَجرهم المَحَلِّي، ثم يُتِمُّون صومهم على عدد الساعات التي يصومها أهل مكة المكرمة.
التوصيات
في ختام تقريره دعا المؤشر العالمي للفتوى إلى توحيد المعايير وجمع القواعد الفقهية ذات الأثر في عملية الاستنباط في فتاوى الصيام؛ وذلك لتحقيق التقارب في الفتاوى والأحكام، وكذلك دعوة الدول الإسلامية للعمل بالفتوى المجمعيَّة، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصة بكل دولة، والتوسع في تأهيل مفتيات من النساء للرد على فتاوى المرأة في رمضان.
وأخيرًا طالب مؤشر الإفتاء بضرورة التنسيق بين المؤسسات الإسلامية وما يقوم مقامها في الدول الأجنبية وتوحيد فتاويها، وتبني مؤسسات ودور الإفتاء الرسمية مخاطبة جميع المسلمين في الشهر الكريم باللغات العالمية الحية في كافة أنحاء العالم وبكل الوسائل المتاحة.