بعد تعديل شعار بنك القاهرة.. حكاية الباب الذي مدحه الشعراء وأعدم عليه سلطان مملوكي (صور)
قام بنك القاهرة، والذي يعتبر أحد أعرق وأقدم المؤسسات الاقتصادية في مصر بتغيير شعاره المعتاد واتخذ شعارًا جديدًا يتسم بالحداثة عن السابق الذي كان مقتبسًا من أحد أقدم وأعرق الآثار المصرية، وشعار البنك القديم لم يكن يخفى على أحد وهو شعار محافظة القاهرة أيضًا، حيث اتخذت كل من القاهرة والبنك باب زويلة، والذي تعلوه مئذنتي المؤيد شيخ المحمودي رمزًا لهما.
أقدم أبواب القاهرة والذي مدحه الشعراء
وقال الشاعر محمد بن علي النيلي مادحًا باب زويلة:
يا صاح لو أبصرت باب زويلة ... لعلمت قدر محله بنيانًا
لو أن فرعونًا رآه لم يرد ... صرحًا ولا أوصى به هامانًا
هكذا مدح الشاعر هذا الباب الأثري الضخم العتيق، والذي يقول عنه الدكتور أحمد عبد الرازق في كتابه العمائر الإسلامية، أن باب زويلة يعتبر من أقدم آثار القاهرة الفاطمية، حيث قام جوهر القائد الصقلبي بتأسيس المدينة وأحاطها بأسوار لها ثمانية أبواب ثم في زمن الخليفة المستنصر بالله الفاطمي تهدمت هذه الأسوار فقام وزيره بدر الدين الجمالي بتجديدها وتوسعتها وقد بقى من أبواب بدر الدين الجمالي ثلاثة أبواب هي أبواب النصر والفتوح وباب زويلة ويرجع إنشاء باب زويلة إلى عام 485 هـ أي أن عمر هذا الأثر الآن يقترب من الألف عام.
ويقف باب زويلة الذي عرف فيما بعد ببوابة المتولي شاهدًا على التاريخ عبر الزمن حيث مرت به أحداث عظام، والتصقت به اساطير شعبية، فهو التاريخ ملموسًا لذا لم يكن عجبًا أن اتخذه أحد أعرق بنوك مصر شعارًا.
وحسب ما أورده المقريزي في خططه كان باب زويلة أكثر ارتفاعًا من، ولكن في زمن الدولة المملوكية قام السلطان المؤيد شيخ المحمودي ببناء جامعه مجاورًا وملاصقًا لباب زويلة، وقام بوضع مئذنتي جامعه فوق الباب حيث تم هدم أعلى الكتلتين الرئيستين للباب ووضع المئذنتين، فصارتا الأكثر ارتفاعًا في القاهرة.
والباب تحفة معمارية حربية حيث يحوي عدد من وسائل الدفاع والاتصال التي تمكن من بداخل المدينة الدفاع عنها بسهولة، والباب مبني من الأحجار الضخمة، وبداخلة ممر يتصل بباقي ممرات السور الداخلية، وبه فتحتان فوق الباب من الداخل للاتصال بين الجنود المسؤولين عن فتح الاب والجنود فوقه، للفتح والغلق وحتى لا يتم فتح الباب بشل عشوائي فيدخل الأعداء.
كما يشتمل الباب على سقاطات لإلقاء المواد الملتهبة على الأعداء عند مهاجمتهم الباب، إضافة لعدد من الفتاحات الضيقة من الخارج والمتسعة من الداخل لتتيح لرامي السهام إصابة العدو دون أن يراه.
أساطير مصرية ارتبطت بباب زويلة
ويقول محمد عبد الرحمن مفتش آثار في منطقة الأزهر والغورية، أن باب زويلة ارتبطت به عدة أساطير أهمها أسطورة المتولي، والذي يقال أنه كان أحد أولياء الله الصالحين، يسكن فوق سطح الكعبة ولما قدم إلى مصر ووافته المنية سكنت روحه في المصراع الأيسر من الباب، وكان المصريون يتفائلون خيرًا بالباب، وكل من له أمنية كان يضعها في الباب لعلها تتحقق، ومن تسقط أسنانه كان يضعها داخل أو بين أخشاب الباب.
وفي عمليات ترميم الباب اللاحقة عثر فريق الترميم على العديد من الآثار التي تؤكد صحة هذه الرواية، حيث وجدوا الكثير من الأسنان البشرية، والأحجبة والتمائم، والأعمال المكتوبة بطلاسم سحرية، بل وإعلانات من العصر الأحدث، حيث يبدوا أن الأسطورة ظلت مرتبطة بالباب حتى وقت قريب.
إعدام سلطان وبك عثماني فوق باب زويلة
وشهد الباب عدد من الأحداث التاريخية الهامة ولعل أبرزها هي إعدام أحد أعلام العثمانيين وإعدام آخر سلاطين المماليك، وهو سلطان الغيبة طومان باي بأمر من السلطان العثماني سليم الأول، حيث كان طومان باي هو نائب السلطان قانصوه الغوري الذي خرج لملاقاة العثمانيين في مرج دابق، فكان طومان باي هو سلطان الغيبة على عرش مصر.
وقد أرسل السلطان سليم رسالة إليه يعرض عليه تبعيته للسلطنة مقابل إبقائه حاكماً لمصر، ولطنه رفض العرض وخرج إلى إلى الريدانية وتحصن بها وحفر خندقاً وعلم العثمانيين بخطة المماليك فتحاشوهم وتوجهوا صوب القاهرة فتبعهم طومان باي والتحموا بمعركة هائلة قتل فيها سنان باشا الصدر الأعظم بيد طومان باي.
وبسبب كثرة العثمانيين وقوتهم لم يتمكن المماليك من وقف زحفهم، وهرب العسكر الذين كانوا حول طومان باي فخاف أن يقبض عليه العثمانيين فهرب واختفى.
وبعد دخول العثمانيين القاهرة، باغتهم طومان باي ليلًا في بولاق، وجرت معركة طاحنة في أزقة المدينة بين الجنود العثمانيون والمماليك واشترك مع المماليك الأهالي المصريون بمن فيهم النساء يقدمون المساعدة لطومان باي، واستمرت المعركة 4 أيام، وكلفت الفريقين الكثير من القتلى إلى أن تمكن العثمانيون من إنهائها لصالحهم حيث لجأوا لإطلاق الرصاص من فوق المآذن على الأهالي والمماليك فأجبروهم على الفرار وهرب طومان باي إلى بنها شمال القاهرة بعدما رأى عدم تمكنه من الاستمرار بالمقاومة.
لم يستسلم طومان باي ونظم الصفوف وصار هناك الكر والفر لكلا الطرفين حتى كاد أن يقتل سليم الأول بإحدى الغارات في بولاق، وانتقلت المعركة من حي إلى آخر حتى المعركة الأخيرة بمنطقة وردان إمبابة حاليًا، حيث انكسرت شجاعة المقاومة أمام القوة الهائلة والعتاد الضخم للعثمانيين، فهرب طومان باي ولجأ إلى الشيخ حسن بن مرعي الذي أخرجه من السجن كان قد دخله أيام عمه السلطان غوري ولكن الشيخ وشي به وأبلغ عنه السلطان سليم فقبض عليه، وقتل في المعارك التي دارت ما بين الطرفين بأحياء القاهرة أكثر من خمسين ألفا نسمة.
الشراكسة الذين كانوا مع المماليك والتحقوا بخدمة العثمانيين كانوا يخشون نقمة طومان باي عليهم فأخبروا السلطان سليم الأول بأن طومان باي لايزال يسعى وراء سلطة مصر، وشرحوا له ذلك بإسهاب وأقنعوه بوجوب إعدام طومان باى.
فسُلِّم طومان باى إلى على باشا دلقدار أوغلو ليعدمه على باب زويلة، وكان المماليك قد أعدموا شهسوار بك والد على باشا دلقدار أوغلو قبل 40 سنة (في أغسطس 1472م) على نفس هذا الباب لصداقته مع العثمانيين، فكأن الزمان قد دار ويأبى التاريخ إلا أن يعيد نفسه.