القدس مدينة الآلام .. بين مهانة الاحتلال والصمت الدولى والعربى

عربي ودولي



لاتزال القدس هى مدينة للآلام .. فهى كما احتضنت آلام السيد المسيح عليه السلام، تحتضن أيضا آلام المقدسيين الذين يصرخون ليل نهار من المهانة التى تسببها لهم دولة الاحتلال الإسرائيلى، وسط صمت دولى وعربى وإسلامى.

فالقدس المحتلة تعانى نكبة كبيرة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن أنها خارجة من الحسابات الإسرائيلية على خلاف بعض المدن الفلسطينية الأخرى .. بمعنى أن الدولة العبرية تعترف بأن كل الضفة الغربية أرض محتلة باستثناء هذه المدينة المقدسة، فهى تصر على أنها جزء لا يتجزأ من إسرائيل باعتبارها كما تدعى عاصمة لها.

ويصاحب هذا الموقف السياسى الإسرائيلى، إجراءات ميدانية زودت من معاناة أهالى القدس، منها الضرائب الباهظة وارتفاع معدل البطالة، وأيضا الحصار والعزل عن الضفة بالإضافة إلى إجراءات قمعية تمثلت فى الاعتقال أو الإبعاد سواء عن القدس أو بعض الأماكن فى المدينة مثل المسجد الأقصى المبارك.

وفى هذا الإطار، قال حاتم عبدالقادر مسئول ملف القدس  لموفدة وكالة أنباء الشرق الأوسط إلى رام الله  أنا شخصيا أبعدت عن المسجد الأقصى، ولازلت مبعدا، على أثر مواجهات وقعت فى الأقصى عام 2009 عندما حاول مستوطنون اقتحام المسجد والصلاة فيه وتم اعتقالى داخل المسجد، وقررت المحكمة إبعادى 6 أشهر ولاتزال هذه الفترة تجدد حتى الآن بحجة أن وجودى يشكل خطرا على أمن الجمهور .. وهذا بالتأكيد غير صحيح .

وأضاف عبد القادر المقدسى بات يشعر بالغربة داخل القدس .. فهو يشعر بأنه تحت سلطة محتلة تمارس عليه كل أشكال القمع والإرهاب من أجل إرغامه على ترك المدينة وعلى الهجرة منها .. وفى المقابل فهو ليس يرى أن هناك سلطة تهتم به كمواطن مقدسى يصر على الصمود أمام هذه الإجراءات الإسرائيلية .. فهو ما بين مطرقة الاحتلال وسندان الفلسطينيين فى الضفة الغربية .

وأعرب حاتم عبدالقادر مسئول ملف القدس عن اعتقاده بأن السلطة الوطنية الفلسطينية لم تقم حتى الآن بما يجب عمله من أجل صمود المقدسيين. وقال عبدالقادر أنا شخصيا كنت وزيرا لشئون القدس فى العام 2008 .. وقدمت استقالتى من الحكومة بسبب عدم وجود خطة، أو رؤية، أو ميزانية من السلطة لدعم المدينة .

وأضاف أن الوضع فى مدينة القدس بات سيئا للغاية، حيث تبلغ نسبة الفقر 35\%، علاوة على أن أعدادا كبيرة من المقدسيين خاصة من عناصر الشباب لا يستطعون العمل فى إسرائيل إلا من خلال إذن من وزارة الداخلية الإسرائيلية أو المخابرات الإسرائيلية ..والأخيرة لا تعطى هذا الإذن إذا كان الشاب قد اعتقل لمدة 24 ساعة .. علما بأن معظم شباب القدس سبق وأن اعتقلوا، وبالتالى هذا يمنعهم من العمل داخل إسرائيل كما لا يوجد عمل فى الضفة الغربية .

ونبه إلى انتشار ظاهرة المخدرات بين الشباب المقدسيين، مشيرا إلى أن إسرائيل تحاول أن تغزو الشباب المقدسى من خلال نشر آفة المخدرات لتدميرهم حيث إنها تراهن على محاولة كسر عناصر القوة داخل المجتمع المقدسى.

وقال إن إسرائيل استطاعت أن تنفذ من هذه النافذة إلى أعداد كبيرة من الشباب، حيث أصبح لدينا الآن ما يتراوح بين 15 و18 ألف مدمن أو متعاط للمخدرات داخل القدس ، مؤكدا أن إسرائيل تحاول من وراء ذلك أيضا إلى خلخلة العائلات وإشاعة الخلافات وعدم تعليم الأطفال.وأفاد حاتم عبد القادر مسئول ملف القدس بأن إسرائيل حاولت أيضا ضرب البنية

التعليمية داخل القدس من خلال تمزيق النظام إلى عدة أنظمة، تتمثل فى مدارس السلطة، ووزارة المعارف الإسرائيلية، وبلدية الاحتلال، ووكالة الغوث، بالإضافة إلى المدارس الخاصة.

ونبه عبدالقادر إلى أن القدس تفتقر إلى بنى تعليمية قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب المقدسيين، قائلا لدينا من 9 إلى 10 آلاف طالب ليس لديهم مظلة تعليمية بسبب نقص الأبنية حيث لا يعطى الاحتلال أية تراخيص جديدة لبناء

المدارس، وبالتالى يتم استئجار بعض العمارات أو بعض الشقق أو بعض الدكاكين وتحويلها للمدراس، وهو ما ينعكس بدوره على التحصيل العلمى وعلى البيئة التعليمية داخل مدينة القدس.

وحذر من أن إسرائيل تحاول خلخلة المنهج الفلسطينى والاستيعاض عنه بالمنهج الإسرائيلى..حيث سبق لها عام 67 وأن حاولت إلغاء المنهج الأردنى ..ولكنها فشلت بفعل صمود المقدسيين وإصرارهم على أن يكون المنهج عربيا..ثم حاولت مرة أخرى فرض منهجها على المدراس العربية والفلسطينية داخل القدس ولكن هذا الإجراء قوبل بالرفض.

وعن القطاع الصحى، قال مسئول ملف القدس إن المقدسيين حسب القانون الإسرائيلى مرغمون على التأمين الصحى الإسرائيلى الإلزامى .. ومع ذلك فإننا لدينا بنية صحية، خدمات طبية، مستشفيات وعيادات خاصة، أطباء، ومراكز للأمومة والطفولة خاصة فى البلدة القديمة..ولذلك فالمستشفيات فى القدس أفضل من مستشفيات الضفة الغربية .

لنسبة للمقدسيين لأنه يعنى الوجود، مشيرا إلى أن الإسرائيليين يحاولون إحداث خلل فى الميزان الديموجرافى لصالح الوجود الاستيطانى فى القدس من خلال تقليص عدد العرب وزيادة عدد اليهود وذلك من خلال عدم إعطاء تراخيص للبناء مقابل مشاريع استيطانية كبيرة.

وقال عبدالقادر إن هناك 300 ألف مقدسى يحملون هوية زرقاء، 100 منهم خارج الجدار، و200 داخل الجدار .. واحتياجاتنا حاليا تتمثل فى 20 ألف وحدة سكنية، ونسبة ما تعطيه بلدية الاحتلال لا يساوى 5\% من احتياجات السكان .. وهو ما يدفع المقدسيين إلى البناء بدون ترخيص رغم المخاطر المحدقة .. وهذا بالتأكيد له تداعيات بمعنى كل بناء بدون ترخيص يأتى أمر بهدمه . وأضاف منذ 67 وحتى الآن بنينا عشرات المنازل بدون ترخيص ..وهذا هو السبب الذى جعلنا نحتفظ بأغلبية مقدسية داخل القدس الشرقية، فالمقدسيون يبنون سنويا 600 منزل بدون ترخيص وفى المقابل تقوم إسرائيل بهدم مائة ، فيما اعتبر المساعدات التى تقدمها السلطة للمتضررين من هدم منازلهم غير كافية.

ولفت إلى أن إسرائيل صادرت الآن معظم أراضى مدينة القدس للبناء وإقامة الحدائق والمتنزهات، ولم يبق الآن للمقدسيين سوى 14\%.

ودعا عبدالقادر جميع الفلسطينيين والمسلمين والعرب فى كل أنحاء العالم إلى دعم صمود الموطن المقدسى حتى يمكنه التصدى لهذا المخطط الإسرائيلى، الذى يهدف إلى تذوبيه وأيضا تغيير التركيبة الدينية والحضارية للمدينة من تركيبة عربية إسلامية مسيحية إلى يهودية.وبدوره، قال الشيخ الدكتور ناجح بكيرات رئيس قسم المخطوطات والتراث بالمسجد

الأقصى رئيس أكاديمية الأقصى للعلوم والتراث بالقدس إن معاناة المقدسيين لم تبدأ اليوم ولم تنته غدا .. فهى مستمرة منذ احتلال المدينة فى 5 يونيو 67، حيث شنت إسرائيل حربا متعددة الجوانب على مدينة القدس .

وأضاف بكيرات  لموفدة وكالة أنباء الشرق الأوسط إلى رام الله  إن إسرائيل تحاول محو السكان العرب واللغة العربية والوجود العربى من القدس، إما بتذويبهم أو محاربتهم لتنفيذ مخططاتها الصهيونية .

وأفاد بأن إسرائيل تخوض حربا جديدة ضد المقدسيين عبر عدة أوجه منها فقدان المقدسى لهويته..فهو لا يملك جواز سفر فلسطينيا أو إسرائيليا أو جوازا يثبت أنه مقدسى .. حتى أن هويته الزرقاء مكتوب فيها أنه مقيم وغير مالك وغير مواطن.

وأشار إلى أنه أمام هذه الهوية الجديدة شرعت إسرائيل بقوانين جديدة منها إذا غاب المقدسى 3 سنوات عن هذه المدينة فإنه يفقد حق المواطنة، وإذا غادر للتعلم أكثر من 3 سنوات يفقد هذا الحق، فضلا عن دفع الضرائب الباهظة، حيث إنه مطالب بدفع 1500 دولار سنويا على البيت الذى تبلغ مساحته 100 متر مربع فضلا عن ضريبة التأمين الاجتماعى شهريا وأيضا دفع ضرائب لوزارة الصحة الإسرائيلية.

وفيما يتعلق بالوضع الاقتصادى، قال بكيرات إن إسرائيل تحاول أن توجد مناخا جديدا وأسواقا بديلة لضرب السوق العربى..فعندما يكون هناك منتج عربى وقت الزراعة، تحاول أن تضع منتجات كثيرة تنافسه حتى لا يساوى شيئا .

وأشار إلى أن إسرائيل ضربت أيضا قطاع التجارة حيث فرضت على التاجر ضريبة على الدخل تبلغ 17\% ..وهو ما جعله يعمل من أجل يدفع هذه الضريبة ليس من أجل أن يعيش، كما فرضت عليه الحصار وفتحت محلات واستوردت من الصين وغيرها مما تسبب فى كساد البضائع.

ولفت بكيرات إلى أن إسرائيل ضربت أيضا قطاع السياحة فى القدس من خلال إنشاء أكثر من 3000 غرفة سياحية فى غربى المدينة، كما شلت قطاع المواصلات وتحكمت فى الطرق حيث لا تستطيع أية حافلة عربية أن تسير دون إذن وتوقيع عقد مع الشركة الإسرائيلية المعنية بهذا الأمر.