"اجتهاد متواصل في كل مكان".. عمال محطات القطارات كلمة السر
ربما كانوا الأقرب لنا، رغم أنهم ليسوا على مرمى بصرنا، ولا نراهم طوال
الوقت، إلا أنهم الأكثر تأثيرًا علينا، حاملين على أعناقهم سلامتنا وحياتنا في
السفر، يتحملون عناءً لا يتحمله بشر.
ألقي بنظرك فيما وراء المشهد، أنظر بعين أخرى، تحرك ببصرك إلى الفضاء الرحب، ترى
عُمال السكك الحديد وراء غشاء عينك، يحملون على أكتافهم المسؤولية، وبين أيديهم
أرواح البشر.. من هنا تبدأ القصة.
لا أعلم ما الذي قادنا إلى هنا، سوى لأن نرى تجربة جديدة لم نرها من قبل، أخذتنا
أقدامنا لنبلغ هذا المكان الذي يشبه أحد المشاهد بفيلم أجنبي، أصوات العمل في كل
مكان، ورائحة الاجتهاد تفوح من ورشة العمل.
تحت إحدى أسقف عربات القطارات الحديدية، يقف بيدين أكلهما الشقاء، وجبين أنهكه العمل، أحد العمال بإحدى محطات القطارات، تتساقط قطرات العرق من جبينه كاللؤلؤ، لا يكترث سوى بإنهاء عمله على أكمل وجه، ربما قاده الزمن والأقدار إلى هنا، أو أطاح به حُلم صغير حتى وصل إلى هذه البقعة الشاقة من الأرض.
المشهد كخلية نحل، الجميع منهمكون في العمل، كلٌ يعمل في صمت، وفي بدنه قوة
وصبر، وكأن الله أنزل عليهم سكينةً تُعينهم على صبر المشقة والتعب.
كُتب عليهم الشقاء فقط، ولم يُقدر لهم العمل داخل المكاتب، قادرون على أن يحولوا
قطعًا من الحديد الصمّاء إلى قطارات حية، تصول وتجول في المدن والمحافظات، تتغنى
صافراتها بأسمائهم، وكأنها تشكرهم على إعطائها الحياة والحرية.
كانوا وظلوا دائمًا كلمة السر في العمل، وأصبحوا أيقونة للاجتهاد، وتغنى بهم
الشُعراء، ترى فيهم السواعد السمراء المفتولة، التي ظلت قرونًا تدك عروش الظلم
والطغيان، فكانوا منبعًا للثورات، وبركانًا يحرك ساكنه الدفاع عن الحق والحياة.