التفاصيل الكاملة لأزمة تمثال رمسيس الثاني أمام معبد الأقصر "مكانه وترميمه".. و"الآثار" ترد
جدل كبير انتشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بشأن تمثال الملك رمسيس الثاني والذي أزاحت وزارة الآثار الستار عنه في يوم التراث العالمي، الخميس 18 أبريل، بعد أن استغرق ترميمه ما يقرب من ثمانية أشهر ليقف على الصورة التي تركها عليه المصري القديم حسب ما صرح به مسؤولي وزارة الآثار.
وكانت الفجر منذ عدة أشهر قد شهدت في جولة تفقدية للدكتور خالد العناني وزير الآثار بمعبد الأقصر التمثال محطمًا وقد تم تجميع أجزاؤه تمهيدًا لتركيبه، ثم كانت كاميرا الفجر شاهدة يوم الخميس 18 أبريل على إزاحة الستار عن نفس التمثال، وفي نفس الوقت رصدت حالة النقد على صفحات التواصل الاجتماعي والتي انتقدت التمثال في نقطتين.
وجاءت الانتقادات من قبل عدد من أساتذة الآثار حول أمرين الأول أن التمثال في الوضع الأوزيري، وليس في الوضع ماشيًا، وكي ندرك الفارق فإن الوضع الأوزيري هو للملك واقفًا وقدماه بجانب بعضهما، ويديه منعقدتين على صدره، والوضع الطبيعي يقف وقدمه اليسرى للأمام، والوضع الثاني حسب رأي المنتقدين هو في العادة يكن أمام المعابد أو في واجهة المعبد والمسماة "البيلون" الأمامي، والوضع الثاني يطلق عليه الأوزيري، يكون داخل المعبد.
والجانب الثاني الذي طاله النقد هو ترميم التمثال حيث قال عدد من أساتذة الآثار من خلال صفحاتهم على الفيس بوك، أن الترميم لم يتم كما ينبغي، أو أنه ليس على الوضع الأمثل كما أظهرت صور التمثال بعد أن تم إزاحة الستار عنه.
وحول ترميم التمثال قال الدكتور محمد عبد المقصود أستاذ الآثار المصرية القديمة، والأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار، حيث قال إن تمثال الملك رمسيس الثاني، والذي تم تجميع أجزاؤه، وتنصيبه واقفًا أمام واجهة معبد الأقصر يوم الخميس 18 أبريل، يوجد به أخطاء ترميمة واضحة، حيث ظهرت هذه الأخطاء بجلاء بعد إزاحة الستار عن التمثال وانتشار صور له في وضح النهار، وظهر عدم تماثل للنسب في بعض الأجزاء المستكملة، كما ظهر استخدام لمواد قد لا تتناسب مع نوعية الحجر المنتحوت منها التمثال.
وأضاف عبد المقصود أن عملية ترميم التمثال تمت في شئ من التسرع، حيث لم تستغرق أكثر من ثماني أشهر، وهو الأمر الذي من المتوقع معه أن تظهر تلك الأخطاء، وأكد عبد المقصود أننا نملك في مصر مجموعة من المرممين المهرة والذين يشهد لهم العالم كله بالكفاءة، حيث كانوا يحتاجون إلى وقت أطول من ذلك لإتمام العمل على الوجه الأكمل، كما وجه عبد المقصود النقد للوزارة، عندما صرحت بأن رأس التمثال زنة 12 طن تم رفعها بـ "السيبيا" بعد تعطل الونش الأساسي، وقال كان يجب أن يتم تأجيل إزاحة الستار حتى تكتمل العملية الترميمة كاملة وفق الأسس الصحيحة.
وفي هذا الشأن جاءت عدة ردود سواء من مختصين مصريين أو أجانب حيث قال محمد حسين مدير عام ترميم معبد الأقصر، إنه لا أخطاء في ترميم التمثال فكل كتلة فيه تم تركيبها بمكانها الصحيح، فقد جرت عملية تجميع أجزاء التمثال وتمت حوله دراسة استغرقت ستة أشهر، كي يتم وضع كل قطعة في مكانها الصحيح، وأشار أنه كان من الممكن أن نقول أن الترميم فشل في حالة سقوط التمثال –لا قدر الله- بعد توقيفه.
وأشار حسين إلى أن الاختلاف في نسب التمثال، خاصة في الأذرع، طبيعي حيث أن أي استكمال في الترميم من المرجح أن يحدث فيه تغييرًا بالزيادة أو النقصان، خاصة مع الحجم الكبير للتمثال، والذي يبلغ ارتفاعه حوالي 12 متر ووزنه حوالي 70 طن، والأجزاء التي حدث بها استكمال وظهر فيها تغيير سيتم معالجتها في المرحلة الترميمية التالية، وهي مرحلة الترميم الدقيق، والتي بدأت بالفعل، كما أن الكتل الأثرية الأساسية للتمثال سليمة ولا خطأ فيها، أما الاستكمال فلا زال خاضع لمراحل ترميمية متتالية، والخطأ الحقيقي، هو أن يتم تركيب كتلة أثرية بشكل غير صحيح أو في مكان ليس مكانها وهو ما لم يحدث.
وأكد حسين أن المونة التي تم استخدامها مناسبة للأثر وغير ضارة به، وذلك وفقًا لأحدث الأساليب العلمية المعروفة، والأجزاء التي تم استكمالها بنفس اللون الوردي للأجزاء الأصلية، ولكن لأن اللون جديد وحديث فطبيعي أن يظهر فارق بينه وبين اللون القديم الأصلي الموجود منذ حوالي 3 ألاف عام، واللون الجديد سيتحول مع مرور الوقت ليقترب من درجة اللون القديم، وذلك مع تعرضه لعوامل الجو والتعرية وغيرها من العوامل الطبيعة، والمونة التي تم استخدامها استرجاعية حيث من المفترض أن يتم معالجتها أو تغييرها حسب حالتها.
وختم حسن تصريحاته حيث قال أن فريق الترميم قام بتجميع التمثال علي الأرض قطعة قطعة، ونظفنا جميع القطع تمامًا، وهي العملية التي استغرقت 6 أشهر، ثم قمنا بتجميعها بمواد الترميم الملائمة، وأسياخ إستيل غير قابلة للصدأ وغير ضارة بالأثر، وهي العملية التي استغرقت 8 أشهر، والقطع التي تم استكمالها في الأثر، هي أجزاء من الأذرع والجزء السفلي من الأرجل والقاعدة، والكتل الأثرية التي تم تركيبها كلها بمكانها الصحيح ولا خطأ في ذلك.
ومن ناحيتها قالت الدكتورة هوريج سوروزيان، عالمة الآثار الأرمينية، والعاملة في مصر منذ 40 عامًا، إن مرحلة تجميع أجزاء التمثال وتوقيفه في مكانه الأصلي هو المرحلة الأولى لترميم التمثال، والتي سيتبعها مرحلة ثانية، أطلقت عليها سوروزيان مرحة الترميم الدقيق، وهي ما ستعيد للتمثال بهاؤه ورونقه الأول.
هل التمثال في مكانه الصحيح...؟
وعن مكان التمثال وهل هو في مكانه الصحيح أمام معبد الأقصر أم كان يجب وضعه بالداخل كما قال عدد من أساتذة الآثار... قال أحمد العربي مدير عام معبد الأقصر، إن تمثال الملك رمسيس بالوضع "الأوزيري" أي عاقدًا يديه أمام صدره، أمام المعبد، هو وضعه التاريخي الطبيعي، وأن ما فعله المرممين هو فقط إعادة إيقافه كما كان.
وأضاف العربي أن وضع التماثيل الأوزيرية في واجهة المعابد تكرر من أيام المصري القديم، حيث أن الواجهة الغربية لمعبد الأقصر موجود فيها تمثالين بالوضع الأوزيري، والتمثال المرمم هو أوزيري أيضًا كما أن لدينا في معبد الكرنك بالفناء الأول تمثال أوزيري للملك رمسيس أيضًا، والتمثال المرمم في الواجهة فهو منقول من داخل المعبد بواسطة المصري القديم ليحقق سيمترية "تماثل" الواجهة.
هل الوضع الأوزيري غريب في واجهة المعبد...؟
ومن ناحيتها قالت هوريج سوروزيان إن التمثال موجود في مكانه الصحيح، وشكل التمثال يتخذ المنظر الأوزيري بالفعل ولكنه ليس على شكل المومياء، لأن أوزوريس نفسه كان ملكًا في وقت من الأوقات، وأضافت أن التمثال أضيف في مرحلة التوسعة التي أجراها الملك رمسيس الثاني على المعبد، فالتمثال في موضعه الصحيح والتاريخي
وأدلى راي جونسون رئيس البعثة الأمريكية بالأقصر التابعة لجامعة شيكاجو، ومدير مكتبة شيكاغو هاوس بالأقصر، بدلوه حيث أوضح أن إعادة بناء ووضع تمثال الملك رمسيس أمام معبد الأقصر صحيحة 100 %، والنقوش الموجودة في نهاية الفناء المفتوح الأول بمعبد الأقصر والتي تمثل واجهة المعبد المكونة من الصرح والمسلتين وصواري الأعلام والتماثيل، تم نحتها قبل وضع التماثيل في أماكنها، وتعكس التخطيط الأصلي الذي لم يكتمل كليةً أبدًا.
وأشار جونسون إلى أنه من التخطيط الأصلي للصرح يبدو أن التماثيل الضخمة المنحوتة من الجرانوديوريت للملك رمسيس الثاني تصوره إما في الوضع جالسًا أو واقفًا في الوضع سائرًاولكن لسبب ما تم تغيير هذه الخطة (ربما لإتمام العمل في المهلة الزمنية التي طلبها رمسيس الثاني للمهمة)، فتم جلب تمثالين سابقين من الجرانيت الأحمر وتم نقش اسم الملك رمسيس الثاني عليهما، أحدهما على أقصى الجانب الأيمن والآخر على أقصى الجانب الأيسر، وكان التمثال الضخم على أقصى الجانب الغربي (الواقف حاليًا ومنذ سنوات طويلة)، في الأصل للملك أمنحتب الثالث، وهو مختلف أيضًا، لأن على رأسه التاج الأبيض، وليس التاج المزدوج، وهو أيضًا منحوت من الجرانيت الأحمر.
أما التمثال الضخم على أقصى الجانب الشرقي المنحوت من الجرانيت الأحمر – والذي تم إعادة إقامته منذ بضعة أيام بدعم مادي من مؤسسة "شيكاغو هاوس Chicago House" والسفارة الأمريكية – فهو عبارة عن تمثال ضخم من أواخر الأسرة الثامنة عشرة، ربما لحورمحب (وتم إعادة نحت الوجه).
وأشار جونسون إلى أن الأجزاء الباقية من التمثال تدل على أنه كان في الهيئة الأوزيرية، وتعد القاعدة الأصلية للتمثال والموجودة بمكانها الأصلي صغيرة الحجم جدًا لتسع تمثالًا في الوضع سائرًا، والذي يؤكد أن التمثال كان في الوضع واقفًا وليس في الوضع سائرًا، لذا فإن إعادة البناء والوضع الأصلي للتمثال صحيحان 100%.
وأكد جونسون أنه أحيانًا يتم تبديل التصميم، وليكن في الحسبان أنه في الفناء الأول تم نقش الصيغة المبكرة من اسم الملك رمسيس الثاني (Ra-ms-ss) على تماثيله الضخمة بجوار تماثيل الملك أمنحتب الثالث (ولا تظهر تماثيل الملك رمسيس الثاني الأصلية ذيل الثور بين قدميه؛ أما تلك الخاصة بالملك أمنحتب الثالث فتظهر كلها ذيل الثور بين قدميه).