عادل حمودة يكتب: الرئيس فى البيت الأبيض للمرة الثانية فى عامين
استضافة فى الاستراحة الرئاسية بلير هاوس وزيادة فى الاستثمارات الأمريكية ومباحثات شاقة بعد ضم الجولان إلى إسرائيل
جرت العادة أن تستقبل واشنطن زوارها الكبار من الملوك والرؤساء فى الأيام الأولى من إبريل فى وقت يعلن فيه الصيف عن قدومه بتفتح زهرة الشيرى البيضاء التى أهدى شجرتها الأولى إمبراطور اليابان هيرو هيتو.
أمام البيت الأبيض على الناحية الأخرى من شارع بنسلفانيا يقع قصر بلير هاوس الاستراحة الرئاسية التى نزل فيها الرئيس عبد الفتاح السيسى هذه المرة فى زيارته الثانية للعاصمة الأمريكية بعد عامين بالضبط من الزيارة الأولى.
يضم بلير هاوس 119 غرفة مفروشة بأثاث كلاسيكى وتعلق على جدرانه لوحات تشكيلية عريقة وصور الرؤساء الذين حكموا البلاد ويسيطر اللون الذهبى على صالوناته.
وسبق أن استقبل المكان شخصيات شهيرة مثل الرئيس الفرنسى الأسبق شارل ديجول وملكة بريطانيا اليزابيث الثانية والرئيس الأسبق حسنى مبارك الذى رأيته هناك أول مرة وجها لوجه عام 1993.
فى عام 1824 بنى الجراح جوزيف ليفيل القصر ليسكنه هو وعائلته ولكن ورثته باعوه إلى الصحفى والناشر فرانسيس بلير الذى سمى المكان باسمه وبعد 100 عام تقريبا اشترته الحكومة الفيدرالية ثم ضمت بيتا مجاورًا إليه ليصبح سكنا للرئيس طوال فترة حكمه ولكن بعد تأثيث الجناح الغربى فى البيت الأبيض انتقل الرئيس وعائلته للسكن هناك وأصبح بلير هاوس استراحة لكبار الشخصيات السياسية الوطنية والدولية.
ونزول الرئيس السيسى فيه يعكس اهتماما مضاعفا فقد جرت العادة أن يفضل ضيوف واشنطن فندق فور سيزونز فى حى جورج تاون وسبق للرئيس السيسى النزول فيه خلال زيارته الأولى لواشنطن.
وقبيل أن يستقبل الرئيس الأمريكى ضيفه فى البيت الأبيض يضع البروتوكول مقعدين على يمين حجرة مكتبه البيضاوى يرفعان عقب التقاط الصور التذكارية وانتهاء المباحثات بين الرئيس وضيفه وفى وسط الحجرة أريكتان دائمتان تحتهما موكيت غير قابل للاحتراق نسج فيه شعار البيت الأبيض وهو أمر ملفت للنظر أن تضع المؤسسات الأمريكية رموزها على الأرضيات ولا تعترض على أن يدوسها الناس وتبرير ذلك أنها ترى المواطن أعلى من كل السلطات التى تمثلها.
فى الطرف الآخر من الحجرة يوجد المكتب الذى يجلس خلفه الرئيس الأمريكى ويسمى الريسولوت وهو من خشب نادر صنع منه كثير من أثاث القصر الملكى البريطانى فى لندن وكان المكتب على سفينة إنجليزية أرسلتها الملكة فيكتوريا إلى القطب الشمالى عام 1852 لإنقاذ بعثة استكشافية فقدت هناك ولكن السفينة نفسها تعطلت ست سنوات حتى أنقذتها سفينة أمريكية لصيد الحيتان فأهدت الملكة فيكتوريا قطعا من الأثاث كانت فى السفينة إلى الحكومة الأمريكية كان من بينها المكتب.
عندما أتيح لنا دخول الحجرة لم يسمح لأحد بالاقتراب من المكتب وإن لمحت عليه نموذجا صغيرا لمسلة فرعونية رمادية اللون لم يعرف أحد سرها وبجانبها مجموعة ملونة من أقلام الرصاص وليس هناك شىء آخر فالقرارات التى يوقعها الرئيس والتقارير التى يقرأها ترفع فور الانتهاء منها.
وعادة ما يجرى الرئيسان مباحثات ثنائية لا تزيد عن 15 دقيقة تطرح فيها أمور شديدة الصراحة ثم من ينضم إليهما من الوفدين فى مباحثات موسعة فى حدود 50 دقيقة قبل أن ينتقلوا إلى مائدة الغذاء حيث يواصلون الحوار نحو الساعة بما فيه من ملاحظات شخصية لا تخلو من المرح أحيانا ولو أضفنا زمن الاستقبال والوداع تصل زيارة البيت الأبيض بكل ما فيها إلى 150 دقيقة.
فى اللقاء الأول الذى جرى بين السيسى وترامب فى البيت الأبيض عبر ترامب عن اهتمامه بما يجرى فى مصر منذ أن كان مرشحا للرئاسة ليصل إلى نتيجة محددة: نحن نحتاج مصر قوية ونحتاجها حليفا استراتيجيا وسنقف بجانبها بما لم يتصور أحد من قبل وهذه رسالة أوجهها إلى الشعب المصرى.
وكتب ترامب فى يوم الزيارة بوستا قال فيه: إنه لشرف لى أن أرحب بالرئيس السيسى فى البيت الأبيض لندعم العلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة ومصر.
ونشر بجانب البوست ست صور.. أكبرها صورة وهو يصافح الرئيس على باب البيت الأبيض.. وأربع صور للوفدين معا.. وصورة وهو يصافح السيسى أمام الصحفيين.
فى تلك الزيارة كانت مواجهة الإرهاب على رأس جدول الأعمال وأبدى ترامب دهشته من أن تحارب مصر الإرهاب وحدها ومن جانبه تحدث السيسى بصراحة عن دول ترعى وتدعم وتمول الإرهاب وطالبه ترامب بتحديدها بالأسماء.
وحتى الآن لا تزال مصر تحارب الإرهاب وحققت نجاحا واضحا أكده تراجع العمليات الإرهابية التى تتعرض إليها بدرجة واضحة.
وشرح الرئيس أهمية تغيير الخطاب الدينى فى نبذ التعصب وقبول الآخر مؤكدا أن ذلك ليس منحة سياسية أو أخلاقية أو وطنية وإنما رسالة سماوية صريحة وملزمة كما فصل عند لقائه بالجالية المصرية دون أن ينسى رفضه لتعبير أقباط المهجر.
وعلق ترامب قائلا: الخطاب الدينى المعتدل لن يأتى إلا منك ومن مصر لمحاصرة الفكر المتطرف ولا شك أن تغيير الخطاب الدينى قطع شوطا واضحا بتكسير القواعد البيروقراطية التى تحد من بناء الكنائس المسيحية وترميم المعابد اليهودية.
وفى الوقت نفسه زيادة الاهتمام بالمرأة التى تحط من شأنها التنظيمات المتطرفة حتى أصبح فى مصر ثمانى وزيرات لأول مرة فى حكومة مصرية كما أن التعديلات الدستورية الأخيرة رفعت تمثيل المرأة فى مجلس النواب إلى ربع عدد الأعضاء على الأقل.
ولو كان ما يحدث فى ليبيا قد نال جانبا من مباحثات الزيارة الأولى فإن الزيارة الثانية تجرى فى وقت تبدو فيه قوى الشرعية على وشك السيطرة على طرابلس مما يبشر بانحسار الفوضى التى سادت هناك منذ سقوط نظام القذافى.
ولو كان تعبير صفقة القرن قد فرض نفسه على العالم بعد الزيارة الأولى فإن الزيارة الثانية تجرى فى ظروف صعبة تعانى منها القضية الفلسطينية بعد أن اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل فى 6 ديسمبر 2017 وأمر ببدء التحضيرات لنقل السفارة الأمريكية إليها.
وزادت القضية تعقيدا بإعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أنه لو فاز فى الانتخابات القادمة سيضم المستوطنات اليهودية فى الضفة الغربية إلى أراضى إسرائيل وكان ترامب قد سبقه بضم المناطق المحتلة من مرتفعات الجولان إليها مما ضاعف من غموض حل الأزمة السورية كما أن الحديث عن توطين الفلسطينيين فى الأردن أثار مخاوف أهلها.
ومن جديد طالبت مصر بزيادة المعونة العسكرية (1.3 مليار دولار) بسبب مضاعفة أسعار الأسلحة والمعدات التى تمولها المعونة وعلى سبيل المثال ارتفع سعر طائرة النقل الثقيلة (سى 130) من 10 إلى 100 مليون دولار.
وجددت مصر طلبها بإعادة العمل بنظام التمويل كاش فلوو الذى منح إلى مصر وإسرائيل بعد معاهدة السلام وألغاه أوباما وكان النظام يتيح شراء الأسلحة والمعدات العسكرية بنظام العقود لتتمكن مصر من الحصول على الحديث والمتطور منها.
كما تسعى مصر إلى إعادة برنامج التصنيع العسكرى بعد نجاحها فى إنتاج الدبابة إم 181 التى توصف بأنها الأفضل فى القتال البرى وأبدى الجانب الأمريكى تفهما مشجعا.
وكانت مبررات مصر التى حملها السيسى إلى ترامب: إنك لو أردت مصر قوية فلابد من مساعدتها عسكريا ودعمها اقتصاديا.
وكان ترامب قد سأل السيسى فى الزيارة الأولى: كيف أدعمك عسكريا واقتصاديا؟ ويومها أجاب الرئيس: أن تعود الشركات الأمريكية للاستثمار فى مصر وكانت إدارة أوباما قد ضغطت عليها لمنعها من توسيع أعمالها فى مصر لتزيد من حالة الحصار التى فرضت علينا باعتراف كثير من مديريها التنفيذيين التقى بهم الرئيس من قبل.
وبالفعل أصبحت مصر أكبر مستقبل للاستثمارات الأمريكية فى إفريقيا والثانية فى الشرق الأوسط بما يزيد على 23 مليار دولار وفى العام الماضى وحده تدفقت استثمارات جديدة وصلت إلى مليار دولار.
وتأتى زيارة الرئيس فى وقت رفعت فيه ضغوط روبرت مولر بعد أن خفتت التحقيقات التى يجريها بتكليف من وزارة العدل حول مدى تدخل الروس فى مساندة ترامب خلال الانتخابات الرئاسية وكل ما نجحت فيه التحقيقات إدانة شخصيات قريبة من ترامب.
وفى الوقت نفسه يستعد ترامب لخوض انتخابات التجديد فى وقت يتهمه البعض بأنه أصيب بتراجع فى قواه العقلية عندما وصف فنزويلا بالشركة وخلط بين مسقط رأس جده ومكان ولادة أبيه وتعثره فى نطق كلمة أصول حيث لفظها أورانجز بدلا من أوريجينيز.
ولا شك أن ترامب فى حاجة إلى نجاح إقليمى يسانده فى الانتخابات القادمة بعد أن نجح داخليا فى تقليص البطالة وخفض التضخم وهنا يأمل بمساندة ما من مصر ولو فى تحقيق خطته لحل المشكلة الفلسطينية رغم صعوبة ذلك.
هذه مجرد اجتهادات فى قراءة الزيارة الأكثر أهمية التى يقوم بها الرئيس لدولة يصعب تجاهل تأثيرها على العالم وكالعادة ستكشف الأيام فيما بعد عن مزيد من التفاصيل حسب ما تقتضى الظروف ويسمح به الطرفان.