مي سمير تكتب: رجال قطر وتركيا المتسببون فى الفوضى الليبية

مقالات الرأي



مساعى "حفتر" للتخلص النهائى من الجماعات الإرهابية تصطدم برغبتهم المحمومة لإبقاء البلاد ممزقة


بدأت الأحداث فى ليبيا تأخذ منحى مختلفاً منذ بداية هذا الأسبوع، مع تقدم الجيش الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر نحو العاصمة طرابلس، فى محاولة للقضاء على الميليشيات المدعومة من قطر وليبيا، وتعمل على تمزيق البلد منذ سقوط نظام معمر القذافى ومقتله فى 2011.

فى 3 أبريل، بدأ الجيش الوطنى الليبى التوسع غرباً على طول الطريق الساحلى، عبر جبال نفوسة إلى بلدة غريان، وكان استيلاؤه السريع على البلدة أمراً سهلاً، وكان خطوة مهمة على الطريق إلى العاصمة الليبية.

بالنسبة للكثيرين، يعنى ذلك أن «حفتر» على وشك تحقيق حلمه بتوحيد البلاد التى يبلغ عدد سكانها 6.5 مليون نسمة، تحت سيطرة واحدة، بعد تقسيم السلطة السياسية بين حكومتين متنافستين، إحداهما تخضع المناطق الغربية تحت قيادة حكومة الوفاق الوطنى، ومقرها طرابلس، وهى الحكومة التى تدعمها الأمم المتحدة، منذ عام 2015، ويقودها رئيس المجلس الرئاسى، ورئيس الوزراء فايز السراج، والثانية حكومة تتخذ من طبرق مقراً لها، ويقودها المشير خليفة حفتر، أقوى اللاعبين على الساحة الليبية، وتسيطر على المناطق الشرقية.

أمر المشير حفتر، الذى عين قائداً للجيش الوطنى الليبى فى ظل إدارة سابقة تدعمها الأمم المتحدة، قواته بالتقدم إلى طرابلس يوم الخميس الماضى، وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، فى المدينة لمناقشة الأزمة المستمرة، واندلع القتال فى عدة مناطق، بما فى ذلك بالقرب من المطار الدولى المهجور جنوب طرابلس، ويوم الجمعة تحدث المشير حفتر إلى جوتيريس فى بنغازى، وأخبره خلال اللقاء أن عمليته لن تتوقف حتى تهزم «الإرهاب».

وكانت قوات الجيش الوطنى الليبى، قد فرضت سيطرتها على جنوب ليبيا، وحقولها النفطية فى وقت سابق من هذا العام.

حثت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى جميع الأطراف، على وقف جميع الأنشطة العسكرية على الفور، وأصدر مجلس الأمن الدولى دعوة مماثلة، كما دعت روسيا أطراف النزاع المتصاعد إلى إيجاد اتفاق، وعلى الرغم من القلق الدولى حول تصرفاته، إلا أن المشير حفتر يحظى بدعم العديد من دول العالم، وكانت الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسى فى ليبيا قد تعثرت المرة تلو الأخرى.

وتشتعل كواليس المشهد الليبى بغضب مكتوم، بسبب علاقة السراج بجماعة الإخوان الإرهابية، وتقدم على القطرانى، نائب رئيس المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق، باستقالته هذا الأسبوع بسبب انفراد فايز السراج، بالقرارات، وأعلن القطرانى دعمه للجيش بقيادة المشير خليفة حفتر، قائلاً فى بيان إن سلوك السراج الذى تحركه الميليشيات لن يقود ليبيا إلا إلى مزيد من المعاناة والانشقاق.

كما قال رئيس مجلس النواب الليبى، الواقع فى شرق البلاد، عقيلة صالح، إن الجيش ينفذ عملية طرابلس لحماية المدنيين والدستور، وتخليص العاصمة من الميليشيات، والإرهاب المسلح.

سعت قطروتركيا بدعم التنظيمات الإرهابية فى طرابلس، وبقية أنحاء البلاد، لإبقاء الوضع على ما هو عليه، والحيلولة دون الوصول لحل حقيقى ومستدام للأزمة الليبية.

ويعد على الصلابى، هو حلقة الوصل الرئيسية بين قطر من جهة والتنظيمات الإرهابية فى ليبيا من جهة أخرى، وكان قد تم اعتقاله من قبل نظام القذافى، ثم غادر ليبيا إلى عدد من الدول العربية، قبل أن يستقر فى قطر للدراسة على يد يوسف القرضاوى، الزعيم الروحى لجماعة الإخوان المسلمين الدولية.

وعاد الصلابى إلى ليبيا خلال الإطاحة بنظام القذافى عام 2011، حيث كان الموزع الرئيسى للمساعدات العسكرية، والمساعدات النقدية القادمة من قطر للمتمردين الليبيين، وانتهى جزء كبير من تلك المساعدات فى أيدى الإرهابيين، مثل عبد الحكيم بلحاج، الذى قاد مجموعة متمردة فى جبال ليبيا الغربية، وإسماعيل الصلابى، الذى قاد مجموعة متمردة من بنغازى.

وقد وضع على الصلابى، ضمن قائمة المراقبة الإرهابية، وصدر حظر سفر بشأنه من قبل عدد من الدول العربية.

وعمل الصلابى كقناة رئيسية لتوصيل مساعدات قطر، البالغة 2 مليار دولار عبر أكثر من 12 شحنة من المساعدات الإنسانية، والمال والأسلحة إلى المتمردين، وذلك فى أكتوبر 2011، ووصفه دانيال فاغنر، الخبير فى العلاقات الدولية، بأنه أكثر السياسيين نفوذاً فى ليبيا، لكن مارك فيشر، كاتب العمود فى الواشنطن بوست، قال إن العلاقة المتميزة التى جمعت الصلابى مع الحكام القطريين، سهلت دور الدوحة فى الإطاحة بالقذافى، وأثارت شكوكا لدى بعض الليبيين حول دوافع الدولة الخليجية بشكل عام.

وقدمت قطر للمتمردين الليبيين عشرات الملايين من الدولارات فى صورة مساعدات، وتدريب عسكرى، وأكثر من 20 ألف طن أسلحة.

فى سلسلة رسائل البريد الإلكترونى التى يرجع تاريخها إلى فترة تولى هيلارى كلينتون، منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، وتم نشرها على موقع ويكيليكس، وصف على الصلابى بأنه الرابط الشخصى بين الإخوان المسلمين، والقاعدة فى ليبيا. وفى بريد إلكترونى بتاريخ فبراير 2011، قدم جاك سوليفان، مساعد كلينتون، الصلابى كشخصية رئيسية فى جماعة الإخوان المسلمين الليبيين، ورجل القرضاوى فى ليبيا، ومع ذلك، فإن حزب الوطن الليبى الذى أسسه على الصلابى، سجل أيضاً عدداً كبيراً من أعضاء الجماعة الإسلامية المقاتلة المرتبطة بالقاعدة.

إلى جانب على الصلابى، تضم قائمة رجال قطر والإخوان، ونيس المبروك، المصنف على لائحة الإرهاب الصادرة عن البرلمان الليبى، وسالم جابر، القيادى فى دار الإفتاء المنحلة، وصادق الغريانى، مفتى طرابلس المعزول من قبل مجلس النواب، وسالم الشيخى، أحد المتهمين فى قضية اغتيال قائد الجيش الليبى السابق اللواء عبد الفتاح يونس، فى مدينة بنغازى.

وحسب قطر ليكس، استخدمت الدوحة المبروك لنشر الفكر الإخوانى فى طرابلس، وهو قيادى بارز بجماعة الإخوان، ومشارك أصيل فى فوضى ليبيا، وكان دائم التنقل بين طرابلس والدوحة وأنقرة، للتنسيق بشأن ما يحدث فى ليبيا.

دفعت قطر إلى المبروك لإفشال أى محاولة لتأسيس الاستقرار فى ليبيا، فهاجم جهود المشير خليفة حفتر لهزيمة الإرهاب فى درنة، وظهر فى تسجيل مصور تحدث فيه عن الحرب بمدينة بنغازى، ووجه كلمة لأتباع الجماعة هدد فيها أبناء القبائل، وتوعدهم بالقتل، واعترف بأن كل شباب الإخوان هم قنابل موقوتة، قادرة على الانفجار بما فى ذلك وقت السلم.

أما فيما يتعلق بالدور التركى فى زعزعة الاستقرار فى ليبيا، فقد كشف موقع أحوال التركى فى تقرير بعنوان «محركات سفن أنقرة المتفجرة فى ليبيا» أن تحركات تركيا نحو ليبيا تأتى عبر مسارين: الأول عسكرى، ويتمثل فى محاولة إعادة تشغيل الخط البحرى للسفن المحملة بالأسلحة والمواد المتفجرة بين شواطئ تركيا، وسواحل ليبيا، وعلى سبيل المثال، أوقفت أثينا فى وقت سابق، سفينة كانت متجهة من ميناء هطاى جنوب تركيا إلى ليبيا، وعلى متنها نحو 20 ألف قطعة كلاشينكوف (AK-47)، وتسبب ذلك فى اعتراض السلطات الليبية عديد من السفن التى انطلقت من تركيا محملة بحاويات الأسلحة والذخائر لدعم الميليشيات الإسلامية، ما ترتب عليه إصدار المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطنى الليبى أوامر بقصف أى سفينة تركية تحمل الأسلحة إلى ليبيا.

وقد حذرت القوات الجوية الليبية أيضا من أنها ستهاجم أى طائراتٍ تركية تدخل المجال الجوى الليبى، فى إشارة واضحة لإدراك ليبيا للدور التركى فى تهديد البلاد، ودعم الجماعات الإرهابية.

كما شمل المسار العسكرى العمل من أجل إحياء الطريق البرى بين الخرطوم وجنوب شرق طرابلس، والذى من أجل إيقافه أطلق الجيش الوطنى الليبى عملية «الرمال المتحركة»، لقطع طريق مرور الأسلحة التركية فى جنوب شرقى ليبيا، عبر الأراضى السودانية.

ويؤكد موقع «أحوال» المتخصص فى الشأن السياسى التركى، أن تركيا تسعى من أجل مد نفوذها السياسى فى ليبيا لتحقيق هدفين. الأول: ممارسة ضغوط على الدولة المصرية، التى تقود العالم العربى فى الحرب ضد الإرهاب، والثاني: تأكيد البصمة التركية على أراضى ليبيا من ناحية أخرى. وتأتى هذه المحاولات بعد إعلان السلطات الليبية استبعاد الشركات التركية من العمل فى ليبيا، بما ترتب عليه خسائر ضخمة للجانب التركى، بالنظر إلى أن حجم العلاقات التجارية الثنائية فى عام 2014 قدر بـ 2.3 مليار دولار، وبلغت الاستثمارات التركية فى ليبيا نحو 2.5 مليار دولار، كما لتركيا نحو 1.4 مليار دولار من المدفوعات المتأخرة لدى الجانب الليبى، ونحو 100 مليون دولار فى البنوك الليبية منذ عام 2011.