مي سمير تكتب: أين اختفى "البغدادي" بعد سقوط الخلافة؟
الولايات المتحدة أتاحت 25 مليون دولار لمن يعثر عليه
مع سقوط آخر قطعة من أراضى الدولة الإسلامية فى سوريا، وخلافة تنظيم داعش الإرهابى، هذا الشهر، فر الآلاف من الناس، بمن فيهم المقاتلون أو استسلموا، ولكن بقى اللغز: أين الخليفة؟
بهذا التساؤل افتتحت مجلة أتلانتيك تحقيقاً حول مكان تواجد زعيم التنظيم أبو بكر البغدادى، وحسب تصريحات جيمس جيفرى، المبعوث الأمريكى الخاص للتحالف الدولى المكلف بهزيمة داعش، الاثنين الماضى، فلا أحد يعرف أين هو، وردا على سؤال حول ما إذا كان العثور عليه يمثل أولوية، أجاب: «العثور على القيادة العليا لداعش، أو الجماعات الإرهابية الأخرى، أولوية دائمة».
خلال السنوات الأربع والنصف التى انقضت منذ ظهور أبو بكر البغدادى، فى الموصل بشكل علنى نادر، لإعلان الخلافة، ثم تحديد مكافأة بقيمة 25 مليون دولار لمن يأتى به، لم يقترب منه أحد، وأشيع أنه توفى، أو أصيب بعجز جسدى، وفى الصيف الماضى ظهر فيديو قال خبراء إنه تسجيل بصوته، وفيه حث أتباعه على شن هجمات بشكل مستقل، واختفى تماما منذ ذلك الحين.
وقال متحدث باسم التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة، إن البغدادى كان «غير ذى صلة بالأحداث لفترة طويلة»، كما أشارت وكالة أسوشيتيد برس، وكتب المتحدث فى رسالة بالبريد الإلكترونى هذا الأسبوع لمجلة ذا أتلانتيك: «المهم أن نلاحظ أن وجوده أو غيابه داخل داعش، لا يؤثر على وضع التنظيم الحالى».
قضت الولايات المتحدة ما يقرب من عقد من الزمان، فى البحث عن زعيم القاعدة، أسامة بن لادن، بعد ذلك قتله فريق من المارينز، فى ربيع 2011، وأعلن الرئيس باراك أوباما وقتها أن موته يمثل أهم إنجاز حتى الآن فى جهود الولايات المتحدة لهزيمة القاعدة، وقال: «ليس هناك شك فى أن القاعدة ستستمر فى شن هجمات ضدنا».
وفى ضوء التعلم من تجربة ملاحقة أسامة بن لادن، فإن اختفاء البغدادى قد يستمر لبعض الوقت، كما أن تنظيم داعش وإن اختفى زعيمه وسقطت خلافته، فسيستمر فى التهديد.
ومن الناحية التاريخية، ساعدت 4 عوامل رئيسية، فى تحديد ما إذا كان التخلص من زعيم التنظيم الإرهابى، أو قطع رأس التنظيم، يؤدى إلى القضاء على الجماعة الإرهابية، كما أوضحت أودرى كورث كرونين، مؤلفة كتاب «كيف ينتهى الإرهاب»؟.
العامل الأول، أن تكون هيكلة التنظيم هرمية، والثانى أن يكون التنظيم متمركزاً حول القائد، وثالثا، أن تكون الجماعة أصغر وأضعف من غيرها من المجموعات، وأخيراً ألا يوجد نائب قوى، يستطيع أن يحل محل الزعيم المختفى، ونجح هذا المنهج إلى حد كبير فى تحديد خطورة التنظيم الإرهابى، وفى حالة الحزب الشيوعى البيروفى، الدرب المضىء فى بيرو، وأوم شينريكيو فى اليابان، واللواء الأحمر الإيطالى، على سبيل المثال، هناك الكثير من الحالات التى انتهت فيها المجموعات بقطع رأس أحد القادة، ويحدث ذلك غالباً عندما تتوفر القدرة على إلقاء القبض على القائد، ما يؤدى إلى تقويض شرعيته.
ويصعب للغاية تطبيق تلك الاستراتيجية، عندما يتعلق الأمر بالجماعات الإرهابية الإسلامية، افقد أثبتت تنظيمات القاعدة وداعش والجماعات التابعة، أنهم أكثر تعقيداً، وعلى سبيل المثال فقد كان استهداف «بن لادن» جزءا دائما من محاربة التنظيم، وكان دائماً جزءا من جهد قوات التحالف ضد القاعدة، كما أكد ندا باكوس، المحلل السابق بوكالة الاستخبارات المركزية، والمشارك فى تعقب تنظيم القاعدة، وتوضح المستندات التى عثر عليها فى مجمع «بن لادن» بعد وفاته، أنه استمر فى توجيه والمشورة حتى عندما كان مختبئاً، وعندما توفى كانت مجموعته قد تطورت، وانتشرت فى العديد من البلدان، وأثبتت مرونة بعد ضربه والقضاء عليه.
وفى الواقع، فإن قيادة داعش فى العراق شديدة المرونة، وكانت دائماً ما ترسم مساراً مستقلاً رغم إعلان التنظيم ولاءه لبن لادن فى عام 2004، وهو ما تبين أنه حجر الأساس لما سيصبح عليه داعش. وفى العراق أيضاً نجا تنظيم القاعدة بعد وفاة زعيمه أبو مصعب الزرقاوى فى عام 2006، وتحول فى نهاية المطاف إلى الدولة الإسلامية فى العراق والشام، أو داعش تحت قيادة البغدادى.
وخلال إدارة أوباما، اتبعت الولايات المتحدة استراتيجية لاستهداف الرتب التشغيلية لقيادة داعش، وجرى تعقب البغدادى فى يناير 2018، وقال هشام الهاشمى، محلل مكافحة الإرهاب لصحيفة الجارديان، إن البغدادى كان على رأس 43 من القادة الرئيسيين الذين ما زالوا على قيد الحياة، وأكدا أن القادة من المستوى المتوسط، قد يواصلون تغيير مواقعهم، مع استمرار قتل زملائهم.
ومن المحتمل أن يكون الجهد الدولى، قد حد من فعالية البغدادى كقائد، لأن البقاء تحت الأرض، والتنقل بين المنازل الآمنة، وتجنب استخدام وسائل الاتصالات، أمور تجعل من الصعب إدارة التنظيم، الذى اشتهر باستغلاله لوسائل الاتصال الحديثة، وقيل إن البغدادى لم يتمكن من استخدامها إلا قليلاً، بدافع الخوف من فقدان مكانته، وقيل أيضاً إنه قام بذلك عدة مرات، ومع ذلك فإن إحدى السمات الرئيسية لتنظيم الدولة الإسلامية، كانت «الجهاد بلا قيادة»، وهو تكتيك يسمح للتابعين المرتبطين بشكل فضفاض، بشن هجمات بشكل مستقل، كما يمكن للأتباع شن هجمات باسم البغدادى، دون التواصل معه، أو حتى الاستماع إليه.
وتشير بعض التحليلات، إلى أنه قبل سقوط داعش، تسلل أبو بكر البغدادى مع قيادات التنظيم العليا، والمقاتلين الأكثر ولاء إلى المنطقة الصحراوية السورية على الأرجح، وهى منطقة لا يمكن اختراقها، وتعرف باسم البادية.
وقال هشام الهاشمى، خبير الإرهاب المقيم فى بغداد: «بالتأكيد لا يزال حياً، لكنه لم يشارك فى أى معركة، ولم يكن قريباً من أى ساحة قتال»، وأضاف لصحيفة آسيا تايمز: «التفاصيل الأمنية لداعش تنص على أن الحفاظ على حياة الخليفة، أهم من الخلافة».
ورغم أن البغدادى البالغ من العمر 47 عاماً، مصاب بمرض السكرى، إلا أنه لا يعانى من أى جروح كبيرة، وفقا لما ذكره الهاشمى، الذى يستشهد باعترافات فرد شاهد البغدادى بالقرب من بلدة المراشدة السورية، على الضفة الشرقية من الفرات، وذلك فى أغسطس 2018، وكانت المراشدة هى المدينة السورية الثانية التى تحررت من سيطرة داعش، واستولت عليها القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة فى يناير.
وتم تحرير آخر قطعة من الأراضى، وتدعى باجوز، قبل أسبوع، ما أنهى الخلافة المادية، التى حكمت فى أوجها أكثر من 8 ملايين شخص، وبحلول ذلك كان البغدادى قد هرب إلى ملجأه الذى كان فى طور الإعداد منذ لحظة تأسيس التنظيم، تحسبا لهذه اللحظة.
ويمكن تقسيم الأماكن التى يمكن أن يهرب إليها البغدادى، إلى ثلاثة فقط، 2 منها فى الصحراء السورية الشاسعة، بحسب الهاشمى، وأولها منطقة البادية خارج تدمر، ثم الصحراء المجاورة القريبة من حمص.
والاحتمال الثالث، هو أن يكون الخليفة قد هرب إلى الأراضى الصديقة بمسقط رأسه العراق، وتحديداً بمدينة راوة، الواقعة على نهر الفرات، والتى كانت آخر مدينة تسقط فى أيدى القوات الحكومية فى نوفمبر 2017.
وذكرت محطة سى إن إن، فى فبراير، مستشهدة بالمخابرات الأمريكية أن حوالى 1000 عضو من داعش انتقلوا إلى العراق، وبحوزتهم نحو 200 مليون دولار.
وأبلغ مصدر سورى، لديه شبكة من المخبرين فى جميع أنحاء البلاد، موقع آسيا تايمز بأن جميع المعلومات تشير إلى أن البغدادى لجأ إلى البادية. وخلال «المعركة النهائية» مع قيام القوات الديمقراطية السورية بقيادة الأكراد، بالضغط ضد آخر قطعة من داعش، قال مصطفى بالى، متحدث باسم تلك القوات التى تدعمها الولايات المتحدة، لوكالة فرانس برس: «لا نعتقد أن البغدادى كان موجوداً فى سوريا»، لكن بعض الذين فروا من باجوز خلال أيام الخلافة، ادعوا أنهم تلقوا أوامر من البغدادى بالمغادرة، وقالت إحدى النساء لوكالة فرانس برس: «لو لم يأمر الخليفة بذلك، لما غادرنا».
والبغدادى من مواليد 1971، ويدعى إبراهيم عوض البدرى، مشجع كرة قدم شغوف، وكانت بداياته متواضعة فى سامراء، شمال بغداد، كما لم تكن نتائجه بالمدرسة الثانوية جيدة بما يكفى لدخول كلية الحقوق، ومنعه ضعف بصره من الانضمام إلى الجيش، ولذلك انتقل إلى منطقة طوبشى فى بغداد، للدراسة الدينية.
وقالت السيدة صوفيا عمارة، منتجة فيلم وثائقى ظهر فى 2017، وكشف النقاب عن وثائق حصرية حول البغدادي: «كان لديه رؤية مبكرة عن المكان الذى يريد الذهاب إليه، ونوع المنظمة التى يريد إنشاءها».
وبعد غزو القوات التى قادتها الولايات المتحدة للعراق، عام 2003، أسس منظمته الخاصة، لكنه لم ينفذ أى هجمات كبيرة، وعندما تم إلقاء القبض عليه، واحتجازه بمرفق أمريكى بجنوب العراق فى فبراير 2004، كان لا يزال متديناً بحسب منهج التنظيم، من الدرجة الثانية أو الثالثة، وداخل معسكر بوكا الذى أطلق عليه فيما بعد اسم «جامعة الجهاد»، أصبح البغدادى إرهابياً.
وقالت السيدة عمارة: «أدرك الناس هناك أن هذا الشخص المجهول، والخجول، هو فى حقيقته خبير استراتيجى ذكي». وقد أُطلق سراح البغدادى بنهاية 2004، بسبب نقص الأدلة.
وكانت الأجهزة الأمنية العراقية قد اعتقلته مرتين فى وقت لاحق بين عامى 2007 و2012، لكنها تركته يرحل لعدم معرفتها بهويته.
وفى عام 2005، تعهد البغدادى الذى أصبح أبا لخمسة أطفال من زوجتين، بالولاء لأبو مصعب الزرقاوى، وفى عام 2010 تولى البغدادى القيادة العامة، وبدأ فى إحياء دولة العراق الإسلامية، والتوسع إلى سوريا فى عام 2013، ثم أعلن الاستقلال عن تنظيم القاعدة فى السنوات التالية، التى شهدت استيلاء داعش على مساحات شاسعة من الأراضى، يحكمها نظام وحشى، مكوناً من عدة آلاف، ويُعتقد أن لدى البغدادى حاليا 3 زوجات، هن العراقية أسماء الدليمى، والسورية إسراء القيسى، وأخرى من الخليج، وقد اتهم باغتصاب الفتيات والنساء مراراً وتكراراً، بينهن فتاة إيزيدية فى سن المراهقة، وعاملة الإغاثة الأمريكية، كايلا مولر، التى قتلت لاحقا.