كلمة أبو الغيط في افتتاح "البرلمان العربي للطفل"
ألقى أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، كلمته خلال فعالية افتتاح المقر الدائم "للبرلمان العربي للطفل".
وجاء نص الكلمة على النحو التالي: "حضرة صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي.. حاكم إمارة الشارقة.. السيد الأستاذ أيمن عثمان الباروت.. الأمين العام للبرلمان العربي للطفل.. الحضور الكريم.. يُسعدني ويشرفني أن أشارككم اليوم افتتاح المقر الدائم للبرلمان العربي للطفل بإمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة العزيزة إلى قلبي وقلب كل عربي مؤمن بقيم العروبة ووحدة التاريخ والمصير".
ويطيب لي أن أعرب في مُستهل كلمتي عن تقديري العميق لراعي هذا المنبر العربي لأطفال العرب، صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، صاحب اليد الخيرة والسبّاقة في دعم وتعزيز العمل التنموي العربي بما في ذلك في مجال الارتقاء بأوضاع الطفولة في المنطقة العربية. كما أعرب عن تمنياتي بالتوفيق والنجاح للسيد أيمن عثمان الباروت في مهمته كأول أمين عام "للبرلمان العربي للطفل" والذى نتطلع إلى أن يحتل ركناً هاماً من أركان العمل. لخدمة قضايا الطفولة العربية.
السيدات والسادة،
يأتي إنشاء هذه الآلية العربية، والتي تعد الأولى من نوعها في العالم، وليد قرار صدر عن مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، ثم احتضن هذه الفكرة ورعاها سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي بمبادرةٍ طيبة منه ليتوافد الأطفال من الدول العربية للمشاركة في أعمال الدورة الأولى للبرلمان العربي للطفل آملين وحالمين بتطلعات يتيحها لهم هذا المنبر في حقهم بالمشاركة في مناقشة قضاياهم وهو حقٌ أصيل نصت عليه اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل والتي صادقت عليها معظم الدول العربية.
وإنني لعلى ثقة في أن هذا المنبر سيكون جسراً لتواصل الأطفال العرب وأداة تنشئةٍ وتَثقيف لهم وفق منهجٍ علمي وعملي وتربوي هدفه الرئيسي غرس قيم ومفاهيم الديمقراطية والعمل واحترام الآخر، ولجعل شخصية الطفل العربي شخصيةً مساهمة في تناول قضاياه ومعبرة عنه، وهي مسؤولية نعد جميعاً شركاء فيها نحو أبنائنا الذين ننظر إليهم باعتبارهم الثروة الحقيقية للمجتمعات العربية، والاستثمار الناجح في غدٍ ومستقبلٍ تَنعم فيه شعوبنا بالتقدم والرفاهية.
وتزداد ثقتي في نجاح هذه التجربة العربية في ضوءً الخبرات المتقدمة لإمارة الشارقة في التعامل مع قضايا الطفولة كأول حاضرة عربية صديقة للطفل على مستوى العالم، وامتلاكها تجربة رائدة على المستوى الوطني من خلال برلمان شورى الأطفال، وهو ما يأتي ليضيف إلى الإنجازات التي حققتها دولة الإمارات العربية المتحدة في التعامل مع ملف أهداف التنمية المستدامة 2030، وذلك بفضل الدّعم المتواصل الذي تُوليه السلطات المعنية بدولة الإمارات للنهوض بالتعامل مع مختلف ملفات التنمية الشاملة.
السيدات والسادة،
على الرغم من التحديات الكبيرة التي تشهدها منطقتنا العربية خلال المرحلة الحالية وما لها من انعكاسات سلبية واسعة على وضعية الأطفال في عدد من الدول العربية، فإن الجامعة العربية لا تقف مكتوفة الأيدي إزاء ما يواجهونه من تحدياتٍ يأتي على رأسها تحدي الإرهاب الذى يحاول استقطابهم وتجنيدهم ويهدد توازنهم النفسي والعقلي وسلامتهم الجسدية في كل لحظة. وأحب أن أنوه في هذا الإطار بالقرار الهام الصادر في هذا الشأن عن القمة العربية الأخيرة في تونس، وأدعو البرلمان العربي للطفل إلى إيلاء هذه القضية الأولوية الواجبة كونها إحدى أهم القضايا التى تهدد الأمن القومي العربي وبنية الأسرة العربية ومستقبل المجتمعات العربية.
وسنعمل في هذا الإطار على دعم كل خطوة تصبو لخلق واقع مغاير يعزز ويدعم حقوق الطفل. فخطوة صغيرة بإمكانها أن تنقذ طفلاً من براثن الإرهاب، وخطوة أخرى تساعد في وضع خططٍ واستصدار تشريعٍ أو قانون يحمي حقوق الطفل بما يمثل نجاحاً لنا جميعاً حاضراً ومستقبلاً. والتاريخ َيشهد الآن إطلاق منصة عربية تضم لأول مرة أطفالاً تجمعهم وحدة المصير المشترك في إطار برلمانٍ عربي يناقش قضاياهم، وتُصاغ توصياته بأيديهم، وتعرض على متخذي القرار في الوطن العربي من خلال الآليات المتخصصة بجامعة الدول العربية لإقرارها واعتمادها عربياً.
إن جامعة الدول العربية، وفى إطار حرصها الكبير علي دعم العمل العربي المشترك سياسياً واقتصادياً واجتماعيا بشكل عام وحقوق الطفل على وجه الخصوص، قامت على سبيل المثال بإطلاق الدراسة الإقليمية الهامة حول "عمل الأطفال في الدول العربية" ادراكا لخطورة هذه القضية في ظل المتغيرات والمستجدات الراهنة التي تواجهها المنطقة العربية وما شهدته من تزايد في الاستغلال المباشر وغير المباشر للأطفال في قطاعات العمل وفي الأنشطة غير المشروعة وفي الأعمال الخطرة، وهو ما يأتي ليضيف إلى الأوضاع المتردية للأطفال في الدول التي تعاني من الاحتلال والإرهاب والنزاعات المسلحة وعدم الاستقرار وارتفاع معدلات اللجوء والنزوح.
ولا ننسى أبداً ما يُعانيه أبناؤنا الفلسطينيون تحت الاحتلال.. الطفل الفلسطيني محروم، ليس فقط من حقوقه الطبيعية الأساسية، بل من حقه البسيط في أن يحيا في مكانٍ يُسميه وطناً..آمناً من الخوف.. ومن الغارات الجوية، والمُداهمات والقمع والحصار.. وبالرغم من ذلك، فقد أثبت المجتمع الفلسطيني، ولا يزال، قدرته على التحدي والصمود عبر الإصرار على التعليم، حتى صارت مُعدلات الأمية في فلسطين من بين الأدنى في العالم العربي.. غير أن البعض ربما أراد أن يُجرد الفلسطينيين من هذا السلاح الأخير، فرأينا الولايات المتحدة تُجمد مساهمتها في الأونروا التي يتعلم في
مدراسها نحو نصف مليون طفل فلسطيني كل عام.. ولكن استطاعت القوى الحية في المجتمع الدولي، والدول العربية المُتبرعة، أن تُسهم في سد فجوة الأونروا العام الماضي.. ونتطلع إلى استمرار دعم الأونروا هذا العام أيضاً.. لكي تظل مدارسُها مفتوحة، إذ يبقى التعليمُ ملاذاً أخيراً لأطفالٍ يولدون ويعيشون بين جدران الفصل العنصري وصافرات الإنذار، وزخات الرصاص المطاطي.
السادة الحضور،
أجدد في ختام كلمتي شكري وتقديري لسمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي - حاكم الشارقة، وأقدم له تحية من القلب على كل ما قدمه لخدمة الطفولة العربية، والشكر موصول أيضاً للقائمين على
البرلمان العربي للطفل والمجلس الاستشاري لإمارة الشارقة على جهودهم الحقيقية خلال الفترة الماضية لضمان أن يحقق هذا البرلمان الغايات والأهداف التى أنشئ من أجلها، داعياً الله أن يوفقنا جميعاً لما فيه خير ومصلحة أمتنا العربية.