أحمد فايق يكتب : فضائح الأمراء العرب فى مهرجان «كان»
لا تتوقف فضائح الأمراء العرب فى أوروبا، هذه المرة فاقت فضائحهم شهرة أفلام ونجوم مهرجان كان السينمائى الدولى، فقد امتلأت هذه المدينة الصغيرة بالعشرات من أثرياء وأمراء الخليج، وقام أحدهم بدفع مبلغ 475 ألف يورو لأحد الديسكوهات الشهيرة على شاطئ الريفيرا، بعدما قرر تحمل تكلفة كل ضيوف الديسكو فى هذا اليوم، من أجل أن يصرخوا له ويقبلونه، وقامت إدارة الديسكو بتوزيع زجاجات من الشامبانيا على كل الحضور، وجلس الأمير على طاولة كبيرة وحوله الفتيات يشرب الخمور ويأكل لحم الخنزير.
أمير آخر أحضر معه لمدينة «كان» خمسين سيارة مرسيدس أحدث موديل، واستأجر سائقين عربا من باريس، وظل يتجول فى المدينة هو وحاشيته فى مواكب للتفاخر أمام ضيوف المهرجان، واستأجر أمير عربى ثالث تقريبا معظم غرف فندق “كارلتون” له ولأصدقائه وحاشيته، بتكلفة لا تقل عن 10 ملايين يورو، وأقام مآدب غداء وعشاء امتلأت بالجميلات وبعض ضيوف المهرجان.
الأمراء العرب أشعلوا أيضا سوق العقارات وشراء اليخوت فى «كان»، ومن أشهر مالكى اليخوت العرب، الوليد بن طلال والشيخة موزة، كما أشعل الأثرياء العرب سوق الدعارة فى مدينة الأثرياء، وبالطبع لم يظهر هؤلاء الأمراء فى قاعة العروض، ولم يشاهدوا الأفلام، فقد جاءوا فقط لاستعراض العضلات، وبالطبع تحولت المدينة من فرنسيين إلى خادمين لتحقيق رغبات الأمراء.
شعرت هذه المرة بأننى أستقل آلة زمن وليس طائرة الخطوط الجوية الإيطالية التى أقلتنى من مدينة نيس الفرنسية إلى القاهرة، آلة الزمن ستعود بى إلى الوراء عشرات السنوات الضوئية، فالفارق ضخم جدا بين 13 يوما قضيتها فى مهرجان «كان» السينمائى الدولى، وسط آلاف من صناع السينما من مختلف أنحاء العالم، وبين مصر فى عهد “الاستبن”.
فى مدينة «كان» شاهدت عشرات الأفلام من مختلف ثقافات العالم، دول فقيرة تبحث عن لقمة العيش وتعانى من القهر والتطرف، ودول أخرى يعيش سكانها فى رفاهية حولت أفلامهم إلى مستوى راق أقرب إلى الخيال العلمى فى طرح الموضوعات.
الأفلام التى اقتنصت الجوائز مجموعها يساوى المشاكل التى يعانى منها العالم، من فقر وقهر وبحث عن حرية وأزمة هوية، وعلاقات إنسانية معقدة ومشاعر حب مركبة، ولم تخل الجوائز أيضا من مواقف فكرية وسياسية تبنتها لجان التحكيم.
1
المثلية الجنسية تحصد السعفة الذهبية والإخراج
حاول الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند أن يثبت جدارته كقيادة يسارية وصلت لقيادة دولة رأسمالية كبيرة، فقد كان يحمل فى برنامجه مشاريع لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتقريب الفروق الهائلة بين الطبقات، بدأ ولايته بخوض معركة كبيرة مع أقطاب الرأسمالية، لكنه فشل فذهب إلى معركة أخرى لتحقيق الحريات.
قدم مشروع قانون بفرض ضريبة تصل إلى 70٪ من دخل ممن تتجاوز أجورهم مليون يورو شهريا، وهم يدفعون ضريبة تقدر بخمسين بالمائة، هولاند أراد أن تصل الضريبة إلى 70٪ ويتم تطبيقها على نسبة 4٪ فقط من الفرنسيين، لذا حصل على تأييد شعبى كبير من البقية، لكن الأربعة بالمائة قوة لا يستهان بها، فهم يتحكمون فى كل شىء، التليفزيونات والصحف ومؤسسات الضغط وأموال تمويل الحملات الانتخابية، والرشاوى أيضا، مر قانون هولاند على ثلاث مراحل دستورية بنجاح، لكنه فشل فى المرحلة الرابعة ورفضته المحكمة الدستورية العليا الفرنسية لتنتصر نسبة الأربعة بالمائة ضد بقية الفرنسيين، وهذا ما أثار امتعاض الناس فى الشارع، وتستطيع أن ترى ذلك بنفسك فى الشارع الفرنسى.
المعركة الثانية التى خاضها هولاند هى تمرير قانون يبيح الزواج للمثليين جنسيا، وقامت معركة كبيرة بين اليمين واليسار الفرنسى، وهى المعركة التى دعمتها جماعات الدفاع عن المصالح الرأسمالية لصرف الانتباه عن معركة الفقراء الأصلية، وتم إقرار القانون من الجمعية الوطنية الفرنسية، وحتى الآن مازالت هناك مناظرات فكرية ومبارزات فى الصحف ووسائل الإعلام بين مؤيدين ومعارضين، ربما كان هذا سببا قويا لاختيار فيلم “حياة أديل الفصل الاول والثانى” فى المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائى، هو فيلم فرنسى للمخرج الفرنسى من أصل تونسى عبداللطيف كشيش، وجنسية الفيلم كانت مكتوبة بشكل واضح فى كتالوج المهرجان، حتى توصيف المخرج بأنه فرنسى من أصل تونسى، ورغم أن كشيش بدأ فى الإعداد لهذا الفيلم منذ عامين وقبل مشروع الفيلم بوقت كثير، إلا أنه خرج فى الوقت المناسب، وحصل على السعفة الذهبية للمهرجان.
فى رأيى الشخصى الفيلم جميل، لكنه ليس الأفضل ولجنة التحكيم انحازت له فكريا وظلمت أفلاما أخرى فنيا كانت تستحق السعفة.
هل تعرف معنى “أديل” بالعربية، هى تعنى عدل، وهى صفة العدل وليس الاسم فقط، هذه الجملة قالها أحد أبطال الفيلم فى مشهد يوضح لك وجهة النظر التى تبناها المخرج منذ البداية، وهى أن علاقة المثليين جنسيا يجب أن تكون مشروعة وأمام الجميع، فهذا هو العدل كما يعتبره المخرج.
“أديل” هى بطلة الفيلم، طالبة فى المدرسة الثانوية تبحث عن نفسها ولديها مشكلة فى الهوية الجنسية، فحينما تدخل فى علاقة عابرة مع أحد الشباب تشعر بالحزن، لأنها لا تجد نفسها مع الرجال، فهى دائما تحلم بممارسة الجنس مع سيدة أخرى، هذه الإشكالية جعلت علاقتها متوترة بصديقاتها فى المدرسة، فهن دائما يسألن عن أدق تفاصيل علاقتها مع هذا الشاب الذى يرونه مثليا. تقترب “أديل” أكثر من شاب مثلى زميلها فى المدرسة وتقرر أن تذهب معه إلى أحد النوادى الليلية للمثليين جنسيا، كنوع من التغيير وتجربة العالم الآخر، فى النادى تقابل “إيمى” الفنانة التشكيلية ذات الشعر الأزرق، وترتبطان بعلاقة عاطفية وجنسية تكاد تقترب من الزواج، العلاقة هنا شديدة التعقيد، فإيمى ليست فقط عاشقة، إنما نافذة لأديل كى تتعرف على عوالم أخرى وتزداد معها ثقافتها، فالفارق الثقافى بين الاثنتين كبير، الفنانة التشكيلية تعرف الكثير من الأمور فى الحياة ومثقفة، و”أديل” فتاة مراهقة مقبلة على الحياة وسطحية، يأخذنا الفيلم فى اتجاهين، الخط الأول العاطفى بين إيمى وأديل، الذى يحمل قصة حب رومانسية ومشاهد جنس طويلة مليئة بالرغبة (مشاهد تدفع المشاهد لحب هذا النوع من العلاقات المثلية وهذا يؤخذ على الفيلم)، حيث وصل مجموع المشاهد الجنسية عشر دقائق كاملة، وتحمل العلاقة بينهما أيضا الخيانة وكل التفاصيل التى تدور فى العلاقات بين الرجال والنساء دون اختلاف، لكن العاطفة هنا أكثر قوة وتأججا من العلاقات بين الرجال والنساء.
الخط الثانى: هو رؤية المخرج للمجتمع الفرنسى من خلال تقدم العمر بأديل ومرورها بمراحل مختلفة، تستطيع من خلال هذه الرؤية أن تعرف أن العرب أصبحوا جزءا أصيلا من المجتمع الفرنسى فلا يوجد مشهد فيه مجموعة كبيرة إلا بينهما فرنسى أو فرنسية من أصل عربى، فقد أصبحوا تكوينا مهما فى التركيبة السكانية بعاداتهم وتقاليدهم، وتلك الثقافة المزدوجة بين الشرق والغرب، نرى أيضا هذا الشاب العربى الذى يتمنى أن يصبح ممثلا كبيرا فى هوليود، الذى ينتقد الصورة النمطية للعربى فى الأفلام الأمريكية قائلا فى جملة حوار “يريدون منا أن نقف أمام الكاميرا ونقول “الله أكبر “بصوت عال”، ويتعرض الفيلم للحياة البيروقراطية فى فرنسا، وهذا النمط الروتينى الذى تعيشه “أديل” فى العمل، فهى تقرر ألا تكمل تعليمها بالجامعة وتكتفى بالثانوية العامة لتصبح مدرسة أطفال، ومن خلال بعض المشاهد نستطيع أن نكتشف أنها مدرسة ذكية تتعامل مع الأطفال بشكل جيد وتتقن عملها، لكنها فى نفس الوقت تشعر بالكآبة والملل من الروتين الفرنسى، وطريقة التعليم الكلاسيكية.
نقد المجتمع أيضا ظهر حينما تحول موقف صديقات “أديل” تجاهها بشكل كبير حينما اكتشفوا أنها مثلية، رغم أنهن كن يمرحن معها ويتعاملن معها بشكل طبيعى، وبعد ذلك تشاجرن معها ووصفوها بأبشع الاتهامات والألفاظ، ليؤكد هذا نظرة المجتمع الفرنسى المحافظة للمثليين.
على النقيض تماما، نجد الفيلم الفرنسى “غريب البحيرة” للمخرج ألان جيرودى، الذى حاز جائزة أفضل إخراج فى قسم “نظرة خاصة”، وهو فيلم لا يستحق الجائزة ولا حتى العرض فى المهرجان، فهو لا يحمل أى قيمة فنية أو رؤية، بل مجرد مجموعة من المشاهد الشاذة للمثليين فى إحدى البحيرات، يجمعهم شاطئ خاص، يجلسون عليه عرايا ويصطاد الرجال بعضهم البعض، وتنشأ علاقة حب بين أحدهم ورجل غريب الأطوار.
المشاهد بدت منفرة ولم يستطع جزء كبير من الحضور إكمال الفيلم، لأنه ليس فيلما سينمائيا يناقش مشاعر إنما هو فيلم بورنو يخاطب غريزة المثليين، وليس عقل المتفرج.
2
فن المقاومة بالسينما فى الفيلم الفلسطينى «عمر»
الفقر والتخلف والتطرف والقهر، استفزوا لجان التحكيم فى المسابقة الرسمية وقسم “نظرة خاصة” لإعطاء جوائز لأفلام تدور فى هذا الفلك، فقد كانت جرأة كبيرة من لجنة تحكيم قسم نظرة خاصة أن تمنح الفيلم الفلسطينى “عمر” للمخرج هانى أبو أسعد جائزة لجنة التحكيم، فليس سهلا أن يمنح فيلم فلسطينى فى أوروبا جائزة وهو يطرح حلا فى مشهد النهاية بقتل الضابط الإسرائيلى والخائن فى فلسطين، فعادة يخشون من اللوبى الصهيونى فى أوروبا والعالم ومطاردتهم لهم، وفيلم “عمر” يستحق الجائزة لأنه فنيا كان واحدا من أفضل أفلام قسم نظرة خاصة، وإن لم يكن بجمال الفيلم الأول لمخرجه “الجنة الآن”.
هم ثلاثة أصدقاء عمر وأمجد وطارق، يرأس طارق إحدى كتائب المقاومة المهمة ضد إسرائيل، انضم إليه عمر وأمجد، عمر يحب نادية شقيقة طارق، وهى تبادله نفس الشعور، وفى مشاهد متعاقبة توضح لك المعاناة بسبب الجدار العنصرى العازل بين الضفة الشرقية والضفة الغربية، يتسلق عمر الجدار مستخدما الحبل حتى يعبر الجهة الأخرى، ليحصل على لقاء عابر مع نادية لا يتجاوز بضع ثوان ويعود مرة أخرى معرضا حياته للخطر، أثناء عملية العبور يطلق عليه النار، لكنه ينجو لتصطاده دورية عسكرية إسرائيلية ويتعرض لعملية إذلال غير إنسانية.السينما الفلسطينية تعاملت بطرق مختلفة مع الجدار العنصرى، كان أجملها مشهد فى فيلم “الزمن المتبقى الماضى والحاضر” لإيليا سلمين وهو يقفز فوق الجدار مستخدما الدانة بشكل فانتازى يضحكك ويبكيك فى الوقت نفسه.
العلاقة بين عمر وأمجد وطارق قوية فى بداية الفيلم، ويمهد المخرج لخلل ما سيحدث حينما يجتمع الثلاثة فى عملية واحدة لقنص جندى إسرائيلى، يتردد أمجد فى الإمساك بالبندقية لكنه يضطر لقتل الجندى بعد ضغط من طارق، ومن خلال هذه العلاقة الثلاثية يوضح الفيلم أن فلسطين تعانى من شيئين، الأول الخيانة والثانى الاحتلال الإسرائيلى، فالأحداث تكشف لك أن أمجد خائن وطارق يتعرض لجميع أنواع التعذيب النفسى والبدنى والضغط حتى يتحول إلى جاسوس لهم، لقد أغلقت كل الطرق أمام عمر ولم يعد له طريق مفتوح سوى الخيانة، ورغم ذلك لم يفعلها، فقد دمر أمجد حياة الجميع، طارق وعمر ونادية.
ويضع الفيلم فى النهاية حلا للأزمة الفلسطينية بقتل الاحتلال متمثلا فى شخصية الضابط، وقتل الخونة متمثلا فى شخصية أمجد.