منال لاشين تكتب: الزعيم.. سعد زغلول باع 400 فدان ليسدد ديونه من القمار
سعى إلى شغل وظيفة وكيل الجمعية التشريعية ليشغل نفسه عن لعب الورق
فى نوبة اكتئاب: لا تدفنونى فى مدافن أقاربى ونبهوا الناس عن رذيلة هذه الآفة
البنك الأهلى اعتبره غير جدير لضمان قرض قاسم أمين
عندما منع الإنجليز ذكر اسمه غنى له المصريون «يا بلح زغلول». إنه قائد وزعيم ثورة 1919 سعد زغلول.. هذا الرجل العظيم الذى آثر أن يكتب مذكراته بكل صدق وشفافية.لم يصنع من نفسه نصف إله واعترف بأخطائه. والدور الوطنى الذى لعبه زعيم الأمة وثورة 1919 معروف للجميع، وقد أهله لقيادة الأمة أنه جمع فى حياته كل طوائف الأمة فهو الفلاح والشيخ الأزهرى والأفندى والبك والباشا والوزير ورئيس الحكومة ورئيس أول برلمان.
وقد أدى انتماء سعد باشا للطبقة الارستقراطية إلى وقوعه فى خطيئة العمر واللعنة التى ظلت تطارده سنوات طويلة. وسواء كان انتماء سعد للطبقة العليا راجعا للوظائف العليا التى شغلها أو لزواجه من ابنة رئيس النظارة فى مصر -وهو لقب رئيس الحكومة فى ذلك الوقت. وأيا كانت الأسباب فإن انتماءه الطبقى حدد طريقة حياته فيما بعد. وقاده دون أن يدرى إلى الخسارة الفادحة سواء المالية أو الإنسانية، فقد تعذب الزعيم سعد عذابا مريرا بسبب لعنة القمار أو لعب الورق كما كانت الطبقة العليا تطلق عليه.
1- ديون وبنوك
ورث سعد عن والده الفلاح الثرى 20 فدانا وكان الوالد يملك 200 فدان، ولكن سعد استطاع خلال عمله بالمحاماة أن ينمى ثروته لتصل إلى نحو 400 فدان، فقد اشترى العزب والأطيان تباعا، ولم يبخل بألوف الجنيهات سواء لبناء بيت الزوجية الذى أصبح بيت الأمة فيما بعد، أو إعادة ترميم بيته الريفى. وكان له فى البنوك مدخرات بألوف الجنيهات. فسعد كان رجلا ثريا.. وقد عرف الرجل الثرى لعب الورق خلال تردده على نادى محمد على أو الكلوب الشهير. ولم يكن لعب القمار لدى هذه الطبقة عيبا أو خطأ بشرط ألا يعجز اللاعب عن دفع خسارته أو يشهر إفلاسه مثلما حدث لبعض الباشوات والسياسيين. ولذلك كان الفزع يتداخل مع الحزن فى نفسية الزعيم سعد زغلول من كوارث إدمانه لعب الورق.
وقد كان سعد يلعب الورق داخل وخارج كلوب محمد على، وكان يلعب الورق مع زوجته فى البيت، وحتى عندما يسافر سعد للخارج كان يستمر فى القمار أو لعب الورق، بل كان يجد الراحة النفسية بحسب مذكراته فى اللعب فى الخارج بعيدا عن وجود وأعين المصريين من المعارف والأقارب.
وقد أدى إدمان لعب الورق إلى خسارة سعد زغلول لثروته فاضطر لبيع العزب والأراضى واحدة تلو الأخرى واستدان من البنوك بعد أن كان صاحب أموال. ووصلت الثقة به فى البنوك إلى درجة الصفر حتى إن البنك الأهلى رفض ضمانة سعد زغلول لقرض طلبه محرر المرأة قاسم أمين، فالمدين لا يصح أن يكون ضامنا. وقد تسببت هذه الواقعة فى الجفاء بين سعد وقاسم لفترة. وعن إدمانه للقمار يقول سعد «ويظهر أن ميلى للعب كانت بداية المرض فإننى لم أقدر بعد ذلك أن أمنع نفسى من التردد على النادى ومن اللعب.. وبعد أن كان بقليل أصبح بكثير من النقود وخسرت فيه مبلغا طائلا».. ويضيف سعد فى موضع آخر من مذكراته «كنت قبل 12 سنة أكره القمار واحتقر المقامرين وأرى أن اللهو من سفه الأحلام واللاعبين من المجانين ثم رأيت نفسى لعبت وتهورت فى اللعب وأتى على زمان لم أشتغل إلا به ولم أفكر إلا فيه ولم أعمل إلا له ولم أعاشر إلا أهله حتى خسرت فى الصحة وقوة ومالا وثروة». وقد تأثرت مسيرة سعد المهنية بهذه الخسائر، فقد سعى لدى الأصدقاء ليجد وظيفة مهمة بسرعة ليتكسب منها بعد أن خسر ثروته، بل إن الزعيم سعد اعترف بأنه نظرا لقلة الإيراد وكثرة المصاريف فكر كثيرا فى استرضاء الخديو أو استعطاف المبعوث البريطانى.
2- نصيحة زعيم
وقد تعذب الزعيم سعد زغلول سنوات طويلة ونام ليالى كثيرا مقهورا محزونا ويبدو ذلك فى كثير من يومياته، ولكنه يتجسد فى هذه الوصية التى تركها الزعيم فى مذكراته، وهى وصية حزينة وكئيبة ومهمومة، وهذه هى الوصية: «وإنى أوصى كل من يعيش بعدى ممن لهم شأن فى شأنى إذا مت من غير أن أترك اللعب ألا يحتفلوا بجنازتى ولا يحدوا على وألا يجلسوا لقبول التعزية ولا يدفنونى بين أهلى وأقاربى وأصهارى بل بعيدا عنهم وأن ينشروا على الناس ما كتبته فى اللعب حتى يروا حالة من تمكنت من نفسه هذه الرذيلة وبئس العاقبة».