مي سمير تكتب: الإرهاب الأبيض

مقالات الرأي



أوروبا وأمريكا رصدت خطر اليمين المتطرف وتجاهلته بالتركيز على الإرهاب المتأسلم

أجهزة الأمن تدعم "النازيين الجدد" والمعادين للمسلمين.. وتغريدات ترامب قاتلة


الكارثة التى شهدتها نيوزيلندا، الجمعة الماضى، وأسفرت عن مقتل 50 شخصا فى هجوم أحد المعتنقين لأفكار اليمين المتطرف، على مسجدين فى مدينة كرايستشيرش أحد أكثر الأمثلة التى تكشف عن دموية هذا التوجه الفكرى الكريه، ودليل على حجم العداء المتزايد من أصحاب البشرة البيضاء للمسلمين فى جميع أنحاء العالم، خصوصاً أن الحادث لم يكن الأول ومن المتوقع ألا يكون الأخير.


1- تصاعد اليمين المتطرف

كشف الهجوم الإرهابى فى نيوزيلندا الانتباه مجدداً إلى التهديد الحاد الذى يشكله المتطرفون اليمينيون، فرغم أن العنف مرتبط بتنظيمات إرهابية مثل القاعدة وداعش فى أوروبا كان أكثر شيوعا ودموية، إلا أن التهديد اليمينى كان موجوداً منذ فترة طويلة، على مستوى عالمى ولكن وسائل الإعلام والسياسيين الغربيين تواطأوا على إخفائه والتقليل من شأنه، رغم أنه لايقل دموية عن الإرهاب المدعى الانتساب إلى الإسلام.

فى الولايات المتحدة، ترتب عن نشاط اليمين ما لا يقل عن 50 حالة وفاة فى عام 2018، وحدها، آخرها إطلاق أمريكى يدعى روبرت باورز، الرصاص على الكنيس اليهودى فى بيتسبرج فى 27 أكتوبر من العام الماضى، ما أسفر عن مقتل 11 شخصا.

كما أرسل متطرف يمينى آخر يدعى سيزار سيوك، قنابل إلى قيادات بالحزب الديمقراطى وفى الحالتين كان الجناة من اليمين المتطرف، من المثير للاهتمام أن عدد هجمات المتطرفين اليمينيين منذ عام 2014 كان أكبر من هجمات المتطرفين الإسلاميين فى الولايات المتحدة.

ووفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكى، فإن جرائم الكراهية، التى تستهدف غالبيتها العرق، زادت بنسبة 17٪ فى عام 2017، بينما ارتفعت الجرائم اللاسامية على وجه الخصوص بنسبة 37٪.

وأفاد مركز مكافحة التطرف بأنه بين عامى 2008 و2017، كانت الحركات اليمينية المتطرفة مسئولة عن 387 حالة وفاة مرتبطة بالتطرف، مقارنة بـ100 حالة وفاة تسبب فيها المتطرفون الإسلاميون، أى أن التطرف اليمينى كان مسئولا عن 71٪ من جرائم القتل المرتبطة بالعمليات الإرهابية بينما كان التطرف الذى يرفع شعارات إسلامية مسئولا عن 26% من هذه النوعية من الجرائم فى الولايات المتحدة.

بدورها تعد أوروبا بالكاد محصنة ضد الإرهاب اليمينى، إذ إنها شهدت حوادث من هذا النوع ولكن الميديا والسياسيين كانوا حريصين على إخفائه بالتجاهل.

فى 22 يوليو 2011، قتل المتطرف اليمينى النرويجى أندرس بهرنج بريفيك، 77 شخصا وأصاب أكثر من 300 شخص فى هجومين، الأول انفجار سيارة فى أوسلو ثم هجوم بالأسلحة على مخيم صيفى للشباب فى أوتويا، على بعد 38 كيلومترا شمال غرب أوسلو.

وأظهرت العملية إلى أى مدى يمكن لمذبحة إرهابية واحدة أن تفجر مشاعر الرعب لدى السكان غير المطمئنين.

وتم وصف حالة بريفيك بأنه مضطرب عقلياً رغم أنه عاقل قانونياً، والزعم بأنه تصرف بمفرده رغم اعترافه بوجود شبكة تدعمه، ورغم أن سجله ممتلئ بأعمال مناهضة للإسلام والمهاجرين والذى ينطوى على نزعة يمنية وفاشية يمكن أن تصبح اتجاهاً سياسياً مؤثراً فى أوروبا، ويرجع ذلك جزئيا إلى التدفق المتسارع للاجئين المسلمين بسبب الاضطرابات المستمرة فى الشرق الأوسط.

وعلى سبيل المثال، شهدت بريطانيا فى عام 2017، خمس هجمات إرهابية تنسب إلى متطرفين يمينيين، وفى ألمانيا، شهد العام الماضى ارتفاعاً فى جرائم اليمين المتطرف بنسبة 10٪ وارتفعت الهجمات العنيفة بأكثر من 60٪، وسجلت الشرطة 1664 جريمة مرتبطة باليمين المتطرف من بينها 62 جريمة عنيفة أسفرت عن إصابة 43 شخصا.


2- المخابرات الغربية تتجاهل الإرهابيين البيض

تتجاهل الولايات المتحدة وأوروبا التهديد القوى الذى أصبح يشكله المتطرفون اليمينيون، بالتركيز على الحديث وتنفيذ سياسات مكافحة الإرهاب المسئول عنه الجماعات المتأسلمة، كما يقول جوناثان ستيفنسون الباحث المتخصص فى شئون الدفاع فى المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية.

بالعودة إلى الحادثة الأخيرة فى نيوزيلندا، وفقاً لرئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن، لم يكن الإرهابى منفذ العملية على قوائم مراقبة أجهزة المخابرات، وكما يبدو فإن الهيئات الحكومية المسئولة عن الحفاظ على الأمن أصيبت بالصدمة من هذه الحادثة.

وواقعياً هناك أدلة على أن التطرف اليمينى لم يكن حتى على قائمة اهتمام أجهزة المعلومات فى نيوزيلندا وفى محاولة لحفظ ماء الوجه، اشتكت وكالات الاستخبارات فى نيوزيلندا من قلة الموارد، لكن «SIS»، وكالة المخابرات الداخلية هناك كانت تركز بشكل حصرى على مواجهة تهديد داعش إذ لم يشر أحدث تقرير سنوى لها على الإطلاق لوجود تهديد من اليمين المتطرف.

فى الولايات المتحدة، كان تفجير تيموثى ماكفى فى عام 1995، للمبنى الفيدرالى فى أوكلاهوما سيتى، أسفر عن مقتل 168 شخصاً، يشكل ارتفاعا دراماتيكياً فى الإرهاب اليمينى، ورغم قيامه بتجنيد العديد من المتواطئين، قام مكتب التحقيقات الفيدرالى بتقييم «ماكفى» باعتباره ذئباً وحيداً واكتفت أجهزة الأمن الأمريكية بمراقبة الميليشيات اليمينية ومع نهاية التسعينيات، وفى أعقاب أحداث 11 سبتمبر، لم تعد الوكالات الأمنية تهتم بمكافحة إرهاب اليمين المتطرف.

على الجانب الآخر من الأطلسى، كانت أولويات مكافحة الإرهاب فى أوروبا تشبه الأولويات الأمريكية التى تفضل الحديث القوى عن التهديدات الإرهابية للجماعات المتأسلمة، وتصمت بشكل مقصود عن الإشارة إلى الإرهاب اليمينى.

وسيطرت حالة من الإنكار على الأجهزة الأمنية فى مختلف أنحاء العالم عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع تصاعد إرهاب اليمين المتطرف، ووفقاً لجيريمى كوربين، زعيم حزب العمل البريطانى، فإن أجهزة الأمن الغربية بطيئة للغاية فى التصدى للخطر الأبيض وتجاهلت التحقيق فى الارتفاع المميت للتطرف اليمينى، وقالت جوليا إبنر، من معهد الحوار الاستراتيجى، إن الوحشية النيوزيلندية يمكن أن تؤدى إلى هجمات متتالية فى مختلف أنحاء العالم.

هل يقترب العالم من لحظة التحول تبدأ فيها وكالات مكافحة الإرهاب الغربية فى الانتباه الحقيقى لهذه الموجة؟، يخشى العديد من المتخصصين أن تكون الإجابة «لا»، لأن الموارد والاهتمام اللذين يركزان على عنف اليمينيين غير كافيين، وحسب جريدة الجارديان. فى العام الماضى، قال الرئيس السابق لوحدة مكافحة الإرهاب التابعة لشرطة متروبوليتان، إن المملكة المتحدة لم تستيقظ فى مواجهة التهديد الذى يمثله اليمين المتطرف. وفى الولايات المتحدة، وصف خبراء فى مركز صوفان، الذى أسسه العميل الخاص السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالية، على صوفان، أمريكا بأنها تطبق منذ فترة طويلة معايير مزدوجة مع المخاوف من الجريمة والإرهاب المستوحاة من قصة بن لادن، مقابل الجريمة والإرهاب المستوحاة من أيديولوجية اليمين.


3- بعض العاملين بأجهزة الأمن يمينين متطرفين

المشكلة لا تكمن فقط فى تجاهل وكالات الأمن الغربية لتهديد حركات اليمين المتطرف، ولكن أيضاً فى تعاون بعض العناصر الأمنية السابقة مع هذه الجماعات المتطرفة.

وحسب ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز، فى عام 2009، حذر مكتب الاستخبارات والتحليل التابع لوزارة الأمن الداخلى من صعود التطرف اليمينى، واعترفت جانيت نابوليتانو، وزيرة الأمن الداخلى فى عهد إدارة أوباما، بالتهديد واحتمالات التآزر بين الحركات اليمينية المتطرفة وعدد متزايد من المحاربين الأمريكيين القدامى الساخطين.

اليوم مع وجود ترامب فى البيت الأبيض تتمتع العديد من الميليشيات اليمينية بحرية التحرك وتمارس فى بعض المناطق نفس مهام وكالات إنفاذ القانون.

واستخدم الرئيس دونالد ترامب الخطاب العنصرى وكراهية الأجانب للوصول إلى البيت الأبيض وفى الحصول على دعم قاعدته الانتخابية الشعبوية.

ويبدو أن القلق العنصرى والخوف من المهاجرين قد حفز أقلية واسعة من الناخبين الأمريكيين وأفرز قومية بيضاء أوسع، ما أدى لتحول الولايات المتحدة، فى ظل إدارة ترامب، إلى مركز للجماعات اليمينية المتشددة، منها على سبيل المثال، مشروع «مينبت مان» هو واحد من مجموعات الميليشيات اليمينية التى تزعم أنها تلعب دوراً فى مراقبة الحدود، والتى نشرت على موقعها الإلكترونى دعوة لتشجيع أعضائها على إقامة معسكر فى أى مكان على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك لمنع المهاجرين من التسلل إلى الولايات المتحدة.

والغريب أن الموقع الخاص بالمجموعة لديه خط خاص بـ«مهمة مراقبة الحدود فى تكساس»، وهناك أيضا ميليشيا «المواطنون من أجل الحرية الدستورية» والتى احتلت ملجأ مالهور الوطنى للحياة البرية فى ولاية أوريجون فى عام 2016. ومن أشهر الميليشيات الأمريكية ميليشيا «أحرار مونتانا» التى تبنت مستوى مختلفا من التمرد ولم تكتف بحمل السلاح ولكنها تتحدى القوانين الفيدرالية وسيادة الدولة.

وكل هذه الميليشيات تضم أعضاء سابقين من الجيش الأمريكى أو من وكالات إنفاذ القانون، ومن المهم الإشارة إلى جماعة «ذاكرة الوصول العشوائى» هى مجموعة يمينية متطرفة تتواجد فى جنوب كاليفورنيا وتربطها علاقات قوية مع كتيبة آزوف، وهى وحدة شبه عسكرية تابعة للحرس الوطنى الأوكرانى، والتى يقول مكتب التحقيقات الفيدرالى إنها مرتبطة بـ«الإيديولوجية النازية الجديدة»، ويعتقد أيضا أن كتيبة آزوف تقوم بتدريب منظمات متعصبة يمينية فى الولايات المتحدة.

لا يختلف الوضع كثيراً فى أوروبا حيث العلاقات المتداخلة بين الأجهزة الأمنية وجماعات اليمين المتطرف.

وحسب ورقة بحثية نشرها المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية بعنوان «الأهمية المتزايدة للإرهاب اليمينى»، فى ألمانيا، نشأت علاقات دعم متبادل بين الجماعات اليمينية وعناصر من أجهزة إنفاذ القانون والاستخبارات.

وذكرت مجلة «دير شبيجل» الألمانية أن عدد المنتمين لليمين المتطرف الذين اكتشفتهم الاستخبارات العسكرية الألمانية بين صفوف الجيش الألمانى خلال الأعوام الماضية أكثر مما هو معلن.

وذكرت مصادر لوكالة الأنباء الألمانية أن هناك حالياً 450 حالة اشتباه فى الانتماء لليمين المتطرف بين صفوف الجيش الألمانى، وفى عام 2018، قامت السلطات الفرنسية بإلقاء القبض على مجموعة باسم «قوة العمليات التنفيذية»، وهى جماعة يمينية متطرفة مناهضة للإسلام يرأسها شرطى فرنسى سابق، بتهمة التآمر لارتكاب أعمال إرهابية وتهم تتعلق بالأسلحة.


4- علاقة داعش بإرهاب نيوزيلندا

رغم وجود اختلافات جوهرية، فإن اليمين المتطرف والإرهاب المتأسلم، يشتركان فى كثير من الصفات، وهناك تشابه كبير قد يصل إلى حد التطابق بين الآليات الأساسية لعمليات نشر التطرف وكيفية تنفيذ العمليات الإرهابية عبر الإنترنت.

وليس من المعروف أن نيوزيلندا موطن للتطرف اليمينى، ورغم ذلك شهدت واحدة من أبشع الجرائم التى صدمت العالم هذا الأسبوع.

ويعتقد أن العشرات من المجموعات اليمينية المتطرفة منتشرة فى مختلف أنحاء العالم حيث يتم التواصل فيما بينها عبر الإنترنت.

يؤكد هذا الواقع الافتراضى لعالم الإرهاب على الإنترنت أنه لا توجد «ذئاب وحيدة»، على الأقل ليس بمعنى إرهابى منفرد، بدون روابط، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، بالآخرين.

وفى بيان نشره الإرهابى النيوزيلندى عبر الإنترنت، قال إنه لم يكن عضواً مباشرا فى أى مجموعة أو منظمة ولكنه تفاعل مع كثير من الأشخاص عبر الإنترنت.

ويعتمد المتطرفون اليمينيون على الإنترنت على إصدار بيانات دعائية وتنسيق التدريب بما فى ذلك التدريب على القتال، وتنظيم الاحتجاجات والأحداث الأخرى وجمع الأموال وتجنيد الأعضاء والتواصل مع الآخرين.

ويسافر المتطرفون اليمينيون بشكل متزايد إلى الخارج للالتقاء وتبادل الآراء مع أفراد متشابهين، وعلى سبيل المثال، فى ربيع عام 2018، سافر العديد من أعضاء الحركة اليمينية الأمريكية «ارتفع أعلى» إلى ألمانيا وأوكرانيا وإيطاليا للاحتفال بعيد ميلاد أدولف هتلر ولقاء أعضاء الجماعات الأوروبية العنصرية البيضاء. وبجانب الإنترنت، هناك عنصر مشترك آخر بين إرهابى نيوزيلندا وتنظيمات مثل داعش والقاعدة، وهو الاعتقاد بأن «مقاومة» النظام الحاكم.

كما يعتقد كل من الإسلاميين والمتطرفين اليمينيين أن مجتمعاتهم تواجه تهديدا وجوديا، ما يفرض التزاماً على الفرد بالرد.