بطرس دانيال يكتب: كُنْ إيجابيًا

«ينبغى لى أن أعملَ أعمالَ من أرسلنى مادام النهار. فسيأتى الليل (الموت) الذى لا يستطيع أحدٌ أن يعمل فيه» (يو4:9). يُحكى أن أحد العمال البسطاء دخل بيت الله وجلس جانباً يشكو حاله لله وحده، فأتاه خادم الهيكل قائلاً له: «تشجّع، ها أنا بالقرب منك!» فرد عليه العامل قائلاً: «كيف تستطيع القول بأنك قريبٌ منى، بالرغم من أنك لم تعرف آلامى ولم تتقاسمها معى فعلاً». لا نستطيع أن ندّعى التعاون مع الآخرين إن لم نقم بهذا فعلياً، لأن التعزية لا تتحقق بالكلام فقط مدّعين مشاركة الآخرين فيما يعانون منه، لأن المعرفة بمشاكل الغير ليست كافية ولا معنى لها إن لم تُترجم بالعمل والوقوف بجانب مَنْ يمرون بأزمةٍ فعلية، ونقرأ فى سفر أعمال الرسل: «وكانَ جماعةُ الذينَ آمنوا قلباً واحِداً ونفساً واحِدة، لا يقولُ أحدٌ مِنهم إنَّه يَملِكُ شيئاً من أموالَه، بل كان كُلُّ شيء مُشتركاً بينَهم» (أعمال 32:4). نستطيع أن نبدّل أحزان الناس إلى أفراحٍ إن شاركناهم بالفعل، ويأتى ذلك عندما نتخذ شعاراً لنا «لنزرع ولا نقطع!» ما معنى هذا؟ إذا أردنا أن نُجَمّل شوارعنا ومنازلنا وأماكننا التى نتردد عليها، يجب علينا أن نبدأ فى تجميلها بالشجر والزهور والورود والخُضْرة، وفى نفس الوقت لا نمد يدنا إلى نبتةٍ أو زهرةٍ لنقطعها، لأنها زينة وجمال الأرض، كما أنها تبعث السعادة للعين وتعطى سلاماً للروح. والإنسان الخلوق والمهذّب يسعى دائما إلى تجميل كل ما حوله، إذاً يجب علينا أن نزرع ذلك فى حقول القلوب والنفوس. نزرع الإيمان بالله فى داخلنا، لنسند الضعفاء ونشجّع الخائفين، نزرع حُبنا لله وللقريب، لأن الحُب هو مصدر وينبوع الخير الذى يحمل معه البركات والنعم التى تمنحنا السعادة الحقيقية. نزرع أفضل ما نملكه من أفكار وأسمى المبادئ وأحلى الآمال وأنبل الطموحات. كم من الأشخاص الذين تقابلنا معهم وكانوا فى أمس الحاجة ليد المعونة، ولم نلتفت إليهم؟ كم من المحتاجين قرعوا بابنا ولم نفتح لهم؟ كم من أشخاص طلبوا منّا كسرة خبز لنسد جوعهم، ولكننا أغلقنا أذاننا وعيوننا؟ كم من مبالغ باهظة أنفقناها فى احتفالاتنا ومناسباتنا، بالرغم من أن هناك ملايين البشر يموتون جوعاً لأنهم لم يجدوا المأكل أو المشْرَب أو الغطاء الذى يقيهم من البرد؟ لن يتغيّر العالم الذى نعيش فيه للأفضل إذا لم يشعر كلُّ منّا باحتياج الآخر ويمد يد المعونة له، خلاف ذلك ستزداد الهوّة بين الطبقات والبلاد. كانت هناك سيدة أنيقة ومهذّبة تعودت على ركوب القطار فى كل سفرياتها حتى أنها كانت تنثر من نافذة القطار بذوراً صغيرة تضعها فى حقيبة يدها، وكانت تكرر هذا مرّات عديدة، مما جعل المسافرين فى نفس القطار يندهشون، فسألها أحد المتطفلين عمّا تفعله، فأجابته بابتسامة: «أنا أنثر هذه الحبوب منذ عدّة سنوات أثناء سفري، فقد عاهدت نفسى ألا أركب القطار دون أن أنثر من نافذته كميّة من البذور والحبوب، لا سيما فى الأراضى الجرداء». وقاطعت كلامها قائلةً له: «أُنظر هناك، ألا ترى تلك الزهور والأعشاب التى تزيّن الطريق؟ لقد قمتُ بذات الفعل منذ سنوات، ونحن الآن نتمتع بجمالها، لأنها تُبهج عيون الذين يشاهدونها، وتبعث سعادةً لا مثيل لها فى نفوسهم الحزينة. ويمكننا أن نقوم بذات الفعل مع مَنْ نتقابل معهم كل يوم. ما أكثر النفوس الجرداء على طريق الحياة، إنها نفوس استبد بها اليأس، وأظلمت الحياة أمامها، إذاً يجب علينا أن ننثر فيها بذور الأمل والتفاؤل والسعادة! خلاف ذلك سنحمل على عاتقنا مسئولية التقصير إن لم نسع فى بَذْر الأمل والفرح فى نفوس من حولنا، سواء فى العمل أو الدراسة أو المجتمع الذى نعيش فيه. كم هو ضرورى أن ننثر بذور التسامح والصفح فى القلوب التى تعفّنت بالأحقاد والكراهية ورفضها الآخر، وأن نزرع حبوب المحبة فى النفوس التى تلدغها الغيرة والحسد وأن ننثر بذور تحمّل المسئولية والاعتماد على النفس بدلاً من التواكل وروح التذمّر والشكوى. إذاً نحن لسنا بحاجة إلى نظريات علميّة نطبقها لنتقدّم فى التكنولوجيا ومسايرة العصر؛ ولكننا بحاجة إلى قلوبٍ رحيمة من لحم ودم تشعر باحتياج الآخرين. ونختم بالقول المأثور: «ليس المهم أن تعرف ما إذا كانت دموع الباكين لسببٍ معقول أم لا؛ لكن المهم هو أن تمسح هذه الدموع».