أنور مالك لـ"الفجر": النظام الجزائري الحالي مجرد "عصابة".. وهذا هو الحاكم الفعلي للبلاد (حوار)
السعيد بوتفليقة هو الحاكم الفعلي للجزائر منذ 6 سنوات
الجيش الجزائري وطني.. ولكنه يحتاج لتغيير بقياداته
السلطة الحالية بالبلاد فاسدة.. ومن الممكن أن تشهد الجزائر موجة عنف
نظام بوتفليقة سرق أكثر من ألف مليار دولار من أموال الجزائريين
هذا هو الحل الأمثل لأزمة قطر.. ونظام الملالي مصيره السقوط
كشف الإعلامي الجزائري والحقوقي والمراقب الدولي أنور مالك، اسم الحاكم الفعلي للجزائر، مؤكدًا في الوقت ذاته أن الرئيس الحالي للبلاد عبد العزيز بوتفليقة، يُعاني من مرض عُضال منذ عهدته الثالثة.
وأضاف خلال حواره لـ"الفجر"، أن عصابة بوتفليقة أساءت له منذ مرضه في عام 2015م، موضحًا أن القرارات الأخيرة التي اتخذها بوتفليقة تُعتبر محاولة للالتفاف على إرادة الشعب.
كما كشف العديد من الأسرار والكواليس الأخرى.. وإلى نص الحوار
◄ ما تعليقك على قرارات الرئيس الجزائري الأخيرة؟
قبل أي شئ.. الرئيس بوتفليقة مريض، وكان الأولى به منذ عهدته الثالثة أن يستريح، غير أن جهات تستغل وجوده كي تحافظ على مصالحها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن الرئيس الآن في وضع صحي سيء للغاية، لذلك اتخاذ مثل تلك القرارات بعدم ترشحه والتغيير وما إلى ذلك، كان من الأولى اتخاذها من قبل، وليس بعد خروج الشارع وغضبه، وهو ما جعل الرئيس في وضع لا يحسد عليه.
عصابة الرئيس بوتفليقة أساءت له كثيرًا منذ مرضه عام 2015، وواصلت الإساءة له بتعديل الدستور من أجل عهدة ثالثة، ثم بترشيحه لعهدة رابعة وهو مريض، ثم رشحوه لعهدة خامسة، وأجبروا الشارع على الاحتجاجات، ووصل الحال إلى حرق صوره في الشوارع، ولذلك أكثر من أساء لبوتفليقة هم المقربون منه، وليس الشارع الجزائري الذي أراد له أن يستريح، فقد أدى ما عليه، وكانت له سلبياته ولكن في الوقت نفسه له إيجابياته.
في تقديري القرارات لا يمكن أن نستهين بها كمتابعين للشأن، لكنها غير كافية وفيها ثغرات ولا نستبعد أنه يراد منها الالتفاف على مطالب الجماهير، فالمشكلة في الشارع الذي لم يقبلها ولن يقبلها، وخاصة أن حاشية الرئيسة على مدار سنوات أوغلت في الفساد والاستهانة بالشعب، وصلت حد شتم الجزائريين والتطاول عليهم واحتقارهم، وهو ما أوصل مصيرهم الى مواجهة مع الشارع بهذه الحدة.
◄ إلغاء انتخابات الجزائر هل هي التفاف على إرادة الشعب أم فترة انتقالية؟
لم تتضح الرؤية بعد، فالرئيس بوتفليقة كما هو معلوم يعاني من مرض عضال، وفاقد لقدراته الصحية وحتى الذهنية أيضًا، لذلك مشكلة القرار أنه صدر باسم الرئيس، فترى من هي الجهة التي تقف خلفه؟.. هل هي المؤسسة العسكرية أم حاشية الرئيس؟
وإلى تلك اللحظة لا تزال الأمور غامضة، وإن كانت حاشية الرئيس -المدعومة طبعا من قيادة أركان الجيش - هي الأرجح، وإلغاء الانتخابات أقرب لمحاولة الالتفاف على إرادة الشعب، وهي مجرد خطوة في إطار محاولة امتصاص الغضب الشعبي، وربح الوقت أيضًا لإيجاد مخارج للانسداد الذي تعيشه السلطة، كما أن القرار يعبر أيضًا عن خلافات بين اقطاب السلطة في الجزائر.
◄ لماذا أحاط الغموض بترشح بوتفليقة لجولة رئاسية خامسة.. وما وراء تأخر قراراته؟
يجب أن يعلم الجميع أن الرئيس بوتفليقة منذ حوالي 6 سنوات وهو لا يدري ما يجري من حوله، لذلك كل ما يحدث هو بقرار من حاشيته تحت قيادة أسرته خاصة شقيقه السعيد، الذي كان الحاكم الفعلي للدولة منذ سنوات، وهو من يتحكم في القرار، ولا احد يناقشه في ذلك.
الغموض الذي أحاط بترشح بوتفليقة يعود أساسًا إلى خلافات وقعت بين حاشية الرئيس بخصوص خليفة بوتفليقة، والمعروف أن هذه الحاشية بقدر توافقها على الخضوع لشقيق الرئيس على مدار سنوات، إلا أنه توجد أطماع عند بعض الوجوه لتولي منصب الرئاسة، وكانت تراهن على وفاة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، أو عدم ترشحه لعهدة خامسة، غير أن الحاشية تتصرف بمنطق العصابة للأسف الشديد، وبقدر توافقها لا تثق في بعضها البعض وتخشى أن تفلت الامور من يد الى اخرى، لذلك وقعت خلافات وانتهى المطاف بقرار ترشيح بوتفليقة لعهدة خامسة، ومعلوماتي تقول أنهم لم يفكروا لحظة في تحرك الشارع الجزائري، وكانوا يظنون أن الأمور ستسير كما سارت في العهدة الرابعة، وحتى التقارير التي كانت بين أيديهم تتحدث أن الشعب غير مبال بشؤون السياسة أصلاً، لكن تحرك الشارع بدعم طبعا من جهات في السلطة مناوئة للعهدة الخامسة، فاجأت حاشية الرئيس وجعلتها تتخبط في قراراتها وللأسف لا يزال التخبط قائمًا.
◄ من يتحكم في قرارات بوتفليقة؟
منذ أكثر من ست سنوات والحاكم الفعلي باسم الرئيس هو شقيقه السعيد بوتفليقة الذي نجح في صناعة لوبي يتكون من جنرالات ورجال مال وأعمال وساسة ونقابيين هيمنوا تحت قيادته على دواليب الدولة وصاروا يسيرونها باسم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذي لا يدري ما يجري من حوله أصلا.
◄ برأيك.. من القادر على قيادة منصب الرئاسة في الجزائر بالفترة المقبلة؟
لا نستطيع أن نذكر اسماء فالجزائر غنية برجال لديهم من مكانة وإمكانيات تسمح لهم بقيادتها وإخراجها من أزمتها، لكن المهم أن يكون القائد الجديد يمتلك الشرعية الشعبية الحقيقية وليست شرعية الأجهزة وغرف النظام المغلقة فقط.
◄ ما تقييمك لمواقف الجيش الجزائري حيال الأزمة الأخيرة؟
الجيش الجزائري وطني حتى النخاع وهو مؤسسة عريقة وذات نفوذ كبير في الدولة، وإن كانت هذه المؤسسة تحتاج إلى بعض التغييرات على مستوى بعض قادتها، وطبعا هذا شأن يهم الجيش أولاً وأخيرًا، إلا أنه في هذه الأزمة كان في المستوى لحد اللحظة، فهو لم ينساق نحو استعمال القوة ولا أي خيار ضد الشعب الجزائري، بل كان دائما يؤكد أنه مع الشعب وسيحافظ على أمن الجزائر والجزائريين.
وفي تقديري أن تجربة التسعينيات تعلم منها الجيش الجزائري الكثير، وقد كنت في ذلك الحين ضابط في الجيش، وعايشت التجربة المريرة، لذلك فضل أن يظل دوره ما يخدم مهمته الاساسية في الحفاظ على كيان الدولة وحدودها، وفي إطار ما يحافظ على سلمية الوضع، ولا يدخل الجزائر في دوامة سيدفع الجيش فيها الثمن كما حدث من قبل.
◄ ما نصيحتك للمعارضة الجزائرية؟
السلطة في الجزائر فاسدة بلا شك والمعارضة -إن صحت التسمية - المتمثلة في الاحزاب أغلبيتها من صناعة السلطة، وهي فاسدة أيضًا، ويجب أن تتحرر من ذلك الآن قبل الغد، والشعب الجزائري خرج للشارع ضد خيار يهدد مستقبل الجزائر وليس لصالح معارضة فلان أو علان، بل رفعت شعارات ضد المعارضة أيضًا، وطرد سياسيون حسبوا على المعارضين وهم يريدون التظاهر في الشوارع.
على الجميع أن يكونوا في مستوى التحديات القائمة والقادمة، والتماهي مع مطالب الجماهير هو الحل، فالشعب لم يطلب المستحيل، والنظام الجزائري في حاجة للتغيير فعلاً، فقد صار خطر على الدولة، والوضع السياسي يجب أن يفرز معارضة أخرى وسلطة أخرى ورأي عام آخر.
◄ وهل تشهد الانتفاضة موجة عنف؟
لا نتمنى ذلك، ولا نستبعده أيضًا، خاصة إن أصرت حاشية الرئيس على ما تريده من التفاف على مطالب الشعب، والعنف لن يأتي من المتظاهرين أبدًا، ولا حتى من الشرطة، فقد أثبتت هذه الفترة أن السلم صنعه شارع متحضر وأمن متطور، والجميع ساهم في سلمية اذهلت العالم.
الخشية هو تحريك عصابات من المنحرفين كما حدث في سنوات خلت، ومن طرف بعض الجهات المستفيدة من السلطة، وقد حدثت محاولات من قبل لكنها فشلت، وأتمنى أن تفشل في قادم الأيام، فالعنف سيؤدي إلى الكارثة، كما جرى في دول أخرى.
◄ وجه كلمة لنظام بوتفليقة؟
على نظام بوتفليقة أن يرحل فهو الأكرم له والأفضل للجزائر، فقد حكم عشرين عاما وكان لديه كل الوقت لكسب ود الجزائريين عبر بناء الدولة، لكنه ضيع ذلك رغم أن الخزينة استفادت بأكثر من ألف مليار دولار، ولم يعد الوقت أمامه ولا بديل له سوى الرحيل وهذا ما قرره الجزائريون ولا اعتقد أنهم سيتراجعوا عنه مهما كانت الظروف.
◄ ما تعليقك على الأزمة القطرية؟ وهل سيسقط نظام الحمدين إذا استمر على نفس سياسته؟
الأزمة القطرية تعتبر أسوأ أزمة يمر بها البيت الخليجي في هذا القرن، وللأسف أدت إلى خلخة الوضع العربي، وكنا نأمل أن تعود المياه إلى مجاريها، غير أن الأمور تجاوزت طريق العودة حسب تقديري، بسبب إصرار حكام الدوحة على خيارات صارت أكثر منهم بكثير، بل حتى القرار فيها لم يعد بأيديهم، بل بآيادي من يريدون الاستفادة من خيرات الخليج العربي أو ابتزازه.
واعتقد أن الأمور لن تكون في صالح حكم الأمير تميم، القطريون شعب رائع ومحب لاإخوانه في الدول العربية، والتعنت الرسمي القطري لن يكون في صالح البلاد والعباد.
◄ ما هو الحل الأمثل لأزمة المقاطعة.. ورسالتك لجميع الأطراف (الرباعي العربي / الحمدين)؟
الحل الأمثل لدول المقاطعة، هي المبادرة الكويتية، التي للأسف لم تدعمها الدوحة كما يجب، حتى وإن أعلنت غير ذلك، يجب أن تتاح الفرصة مجدد لسمو أمير دولة الكويت للعب دوره في حلحلة الأزمة، ويجب أن تكون هناك نوايا حسنة، لكن أن تكون الوساطة تشتغل والدوحة تطلق حربها الإعلامية على الرباعي العربي، في اطار سياسة التدخل في شؤون الدول والتحريض على الفوضى فيها، فهذا لن يفيد شيئا بل سيزيد في النفور.
أما دول الرباعي العربي المقاطع لقطر، هي غاضبة من شقيقتهم لأسباب كثيرة، وأدرك تمامًا أنه لم توفرت حسن النية لدى الدوحة لتم التنازل عن أمور عديدة، ولكن بالرغم من كل ذلك رسالتي لها بأن تواصل تثمينها للدور الكويتي وترك الأبواب مشروعة في وجه أمير الكويت، لعل حكام الدوحة يعودون إلى رشدهم، ويتأكدوا أن خيار التصعيد ضد الأشقاء لن ينفع سوى الاعداء خاصة ملالي ايران الذين صارت قطر في أحضانهم أكثر من ذي قبل، ونؤكد أن الدوحة تخندقت استراتيجيًا مع طهران قبل المقاطعة وليس بعدها كما يدعي بعضهم.
◄ ما هو الحل الأمثل لمواجهة الأطماع الإيرانية في المنطقة العربية؟
الحل يكمن في التخندق مع خيارات المملكة العربية السعودية التي بدأتها من قبل بكشف مخططات الملالي ومواجهتهم فكريا وثقافيا، وتطور الأمر إلى المواجهة الدبلوماسية في المحافل الدولية، ثم المواجهة العسكرية من خلال عاصفة الحزم التاريخية.
ولا يوجد بديل للدول العربية التي تريد حماية أمنها القومي، سوى التخندق مع السعودية في مشروع مضاد، أما دون ذلك فهو سيخدم المشروع الايراني الهدام فقط.
◄ هل يسقط النظام الإيراني بعد ظهور احتجاجات هُناك وخسائر مليشياتها في المنطقة؟
نظام الملالي مصيره السقوط حتمًا، وهذا سيحدث مع ثورة الجياع القادمة إن استمرت العقوبات الأمريكية وتشددت أكثر، ولم يفلح الملالي في إيجاد مخارج للالتفاف على العقوبات أو باتفاقيات مع الجانب الأوروبي.
السقوط قادم لا محالة وبضريبة كبيرة ستدفعها الدول التي يتواجد فيها النفوذ الإيراني، لكنها طبعا لن تكون أكبر من الضريبة التي سيدفعا العالم العربي والإسلامي، في ظل بقاء نظام الملالي قائمًا في طهران.