الجنة دار النعيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن الحديث عن الجنة من أعظم أسباب الاستقامة وصلاح القلوب ، والحديث عن الجنة لا يُمل ، وكيف يمل الحديث عن دار بناها الله بيده ، وجعلها مقرا لأحبابه ، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه ، ووصف نعيمها بالفوز العظيم ، ومُلكها بالملك الكبير ، وأودعها جميع الخير بحذافيره ، أهلها يحيون فلا يموتون ، وينعمون فلا يبأسون ، ويشبون فلا يهرمون ، ويصحون فلا يمرضون؟.
وهل أقض مضاجع العابدين ، وأسهر ليل المتقين ، وأرَّق الصالحين إلا خوفهم أن يُحرموا دخولها؟ وهل عاش الأنبياء والمرسلون وأتباعهم من المؤمنين إلا وهم يسألون الله الجنة؟.
ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لرجل " كيف تقول في الصلاة؟ " قال: أتشهد ، وأقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ. فقال صلى الله عليه وسلم: " حولها ندندن ".
إنها الجنة عظيمة في اتساعها أنيقة في بنائها عجيبة في منازلها ودرجاته.
أما اتساعها فيدل على عظمته قول الله تعالى: { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) } ( الحديد ).
وقوله تعالى: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) } (آل عمران ).
وإليك هذه الأحاديث التي تبين لك سعة الجنة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ في الجنَّةِ مائةَ درجةٍ ، أعدَّها اللهُ للمجاهدين في سبيلِ اللهِ ، ما بين الدَّرجتَيْن كما بين السَّماءِ والأرضِ...".
وأعجب من ذلك ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن نصيب آخر رجل يدخل الجنة فقال: " آخرُ مَن يدخلُ الجنَّةَ ، رجلٌ يمشي على الصِّراطِ ، فهوَ يمشي مرَّةً ، ويكبو مرَّةً ، وتسفعُهُ النَّارُ مرَّةً ، فإذا جاوزَها التفتَ إليها ، فقال : تباركَ الَّذي نجَّاني منكَ ، لقد أعطاني اللهُ شيئًا ما أعطاهُ أحدًا مِن الأوَّلينَ والآخرينَ ، فتُرْفَعُ لهُ شجرةٌ ، فيقولُ : أيْ ربِّ أدْنِنِي مِن هذهِ الشَّجرةِ فلأستَظِلَّ بظِلِّها ، وأشربَ مِن مائِها ، فيقولُ اللهُ : يا ابنَ آدمَ لعلِّي إن أعطيتُكَها سألْتَنِي غيرَها ؟ فيقولُ : لا يا ربِّ ، ويُعاهدُهُ أن لا يسألَهُ غيرَها ، وربُّهُ يعذرُهُ ، لأنَّهُ يرَى ما لا صبرَ لهُ عليهِ ، فيُدنيهِ منها ، فيستَظِلَّ بظلِّها ، ويشربَ من مائِها ، ثمَّ تُرْفَعُ لهُ شجرةٌ أُخرَى ، هيَ أحسنُ مِن الأُولَى ، فيقولُ : أيْ ربِّ أدْنِنِي من هذهِ ، لأشربَ من مائِها ، وأستَظِلَّ بظلِّها ، لا أسألُكَ غيرَها ! فيقولُ : يا ابنَ آدمَ ألَم تُعاهِدْني أن لا تسألَني غيرَها ؟ فيقولُ لعلِّي إن أدنَيتُكَ منها تسألْني غيرَها ؟ فيُعاهدُهُ أن لا يسألَهُ غيرَها ، وربُّهُ يعذرُهُ ، لأنَّهُ يرَى ما لا صبرَ لهُ عليهِ ، فيُدنيهِ منها ، فيستَظِلَّ بظلِّها ، ويشربَ من مائِها ، ثمَّ تُرْفَعُ لهُ شجرةٌ عندَ بابِ الجنَّةِ ، هيَ أحسنُ من الأُوليَيْنِ ، فيقولُ : أيْ ربِّ ! أَدْنِنِي مِن هذهِ ، فلأستَظِلَّ بظلِّها ، وأشربَ من مائِها ، لا أسألُكَ غيرَها ! فيقولُ : يا ابنَ آدمَ ألَم تُعاهدْني أن لا تسألَني غيرَها ؟ قال : بلَى يا ربِّ ، أدْنِنِي مِن هذهِ لا أسألُكَ غيرَها ، وربُّهُ يعذرُهُ ، لأنَّهُ يرَى ما لا صبرَ لهُ عليهِ ، فيُدنيهِ منها ، فإذا أدناهُ منها سمِعَ أصواتَ أهلِ الجنَّةِ ، فيقولُ : أيْ ربِّ أدخِلْنِيها ، فيقولُ : يا ابنَ آدمَ ما يَصريني منكَ ؟(أي يقطع المسألة بيني وبينك) أيُرضيكَ أن أُعطيَكَ الدُّنيا ومثلَها معها ؟ فيقولُ : أيْ ربِّ أتستَهزئُ منِّي وأنتَ ربُّ العالمينَ ؟ فيقولُ : إنِّي لا أستَهزئُ منكَ ولكنِّي على ما أشاءُ قادرٌ".
و حين تقرأ هذا الحديث أو تسمعه قد يرد على ذهنك سؤال مهم:
إذا كان هذا نصيب آخر رجل يدخل الجنة، فكيف يكون نصيب أعلاهم منزلة؟
هذا السؤال سأله نبي الله موسى عليه السلام وكان الجواب من الله تعالى: " أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها . فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر" . قال:"ومصداقه في كتاب الله عز وجل : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } (السجدة / من الآية - 17 ).
نعم إن الجنة لواسعة جدا حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " في الجنَّةِ خَيمةٌ من لؤلؤةٍ مجوَّفةٍ . عرضُها ستُّونَ ميلًا . في كلِّ زاويةٍ منها أَهلٌ . ما يرونَ الآخرينَ . يطوفُ عليهِمُ المؤمنُ".
هذه الخيمة فما بالك بالقصر؟
وقال صلى الله عليه وسلم: " إنَّ في الجنَّةِ لشجرةً ، يسيرُ الرَّاكبُ في ظلِّها مائةَ عامٍ لا يقطعُها".
وأبواب الجنة عظيمة تدل على مدى سعة الجنة ، فقد خطب عتبة بن غزوان رضي الله عنه فقال: " ولقد ذُكر لنا أنَّ ما بين مِصراعَين من مصاريعِ الجنةِ مسيرةُ أربعين سنةً . وليأتينَّ عليها يومٌ وهو كظيظٌ من الزحامِ".
فإذا عرفت أن مسيرة اليوم والليلة تعادل 75 كيلو متر تقريبا فإن عرض باب من أبواب الجنة يزيد على مليون كيلو متر ، وللجنة ثمانية أبواب.
أما بناؤها فإنه لا يخطر على بال فقد سأل بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن بناء الجنة فقال: " لبِنةٌ من فضَّةٍ ولبنةٌ من ذَهَبٍ ، وملاطُها المسكُ الأذفرُ ، وحصباؤُها اللُّؤلؤُ والياقوتُ ، وتُربتُها الزَّعفرانُ مَن دخلَها ينعَمُ ولا يبأسُ ، ويخلدُ ولا يموتُ ، لا تبلَى ثيابُهُم ، ولا يفنى شَبابُهُم...".
سبحان الله ما أعجب هذا البناء وأحسنه ، لبنة من فضة ولبنة من ذهب والطين الذي يوضع بينهما من المسك الخالص ، والحصى على الأرض الياقوت واللؤلؤ ، لكن لم العجب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فاقرءوا إن شئتم: { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}".
لحديثنا بقية إن شاء الله ، نسأل الله أن يدخلنا الجنة بغير حساب ولا عذاب.
والحمد لله رب العالمين.