أهالي يبحثون عن ذويهم داخل ثلاجة الموتى.. مآسي ضحايا "رصيف 6" في المستشفى القبطي
بينما يهرول الجميع للاطمئنان على أسرهم من مصابي حريق قطار محطة السكك الحديدية برمسيس بعد نقلهم إلى المستشفيات القريبة من محيط الحادث، كان السكون يخيم على أرجاء المستشفى القبطي الأقرب إلى محطة القطار، فما أن تتجول داخل طرقاتها تقودك إلى حيث ثلاجات الموتى بالطابق السفلي، تلك البقعة التي تعتصر القلوب ألمًا عند الوقوف أمامها بين خياران، إما التعرف على هوية المتوفي أو عدم العثور عليه.
بالداخل أصبحت المشاعر معلقة بين فرحة عدم إيجاد الجثة وبين القلق حول مصيرها المجهول أمام ثلاجة الموتى بالمستشفى القبطي، فيقف الأب مكلومًا تجول عينيه محاولة تخطي ما بداخل تلك الثلاجة قبل أن يدخل إليها، فلا يفيقه سوى صوت إحدى العاملات وهي تردد عليه تساؤلًا لتسهل عملية العثور على نجلته التي أصيبت في حريق قطار محطة مصر أثناء انتظارها للقطار المتجه إلى الإسكندرية: "طب متعرفش هي كانت لابسة إيه؟"، فينظر الرجل الخمسيني إليها بانكسار، ليدرك أن عقله مشوشًا لا يتذكر الصورة الأخيرة لنجلته قبل وداعها أمام المحطة.
لم يكن الرجل الخمسيني هو الوحيد الذي يبحث عن جثة تعود إليه، فبجواره كان يقف رجل ستيني تشتت عقله بين سعادة غامرة بعدم وجود أهل بيته بالداخل وبين خنجر الحزن الذي اخترق ما بين ضلوعه بعدما تيقن أنه لم يسمع نبأ يطمئنه عن حالهم حتى تلك اللحظة، فما كان أمامه سوى تهوين الأمر بمحاولات بائسة على الأب المتخوف بجواره تارة، والانتظار أمام ثلاجة الموتى عله يحظى بفرصة أخيرة للتحقق من وجود أحدهم بالداخل تارة أخرى.
"ناج واحد فقط من ضحايا الحادث بالمستشفى".. بهذه العبارة استهلت إحدى المسؤولات العاملات بالمستشفى القبطي حديثها، لتروي أن عربات الإسعاف كانت محملة بـ 7 ضحايا دخلوا المستشفى ولكن شاء القدر أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة جراء الحادث، وكان من بينهم طفل لا يتجاوز عمره الأربعة عشر ربيعًا، فاهترأت أجسادهم جميعًا من شدة الحروق البالغة التي أصابتها.
وفي الوقت الذي يبحث فيه الجميع عن ذويهم داخل ثلاجات الموتى، كانت فاطمة تنتظر أمام غرفة زوجها المُصاب، فهو الناجي الوحيد بالمستشفى الذي تعرض لحروق طفيفة فوق الحاجب الأيمن وكسر في صفي الأسنان، لتنفرج أسارير السيدة الأربعينية بعدما كاد الأمل ينطفئ بداخلها بالعثور عليه خلال رحلة البحث بين المستشفيات الأربع التي نقلت إليها حالات ضحايا حادث محطة مصر.