تدوير القمامة.. "لوبي النباشين" يعرقل جهود الدولة في الاستفادة من المخلفات
توجهت عدد من دول العالم للاستفادة من المخلفات، وإعادة تدويرها لما لها من قيمة اقتصادية كبيرة، وهو ما تسعى نحوه الدولة المصرية حاليا، بحيث تستفيد من القيمة الاقتصادية لأطنان المخلفات الموجودة في الشوارع.
وتشير التقديرات الأولية إلى أن حجم المخلفات في مصر يصل إلى نحو 20 مليون طن سنويا، وما يتم تدويره من هذا الحجم لا يتجاوز نحو15%، ولهذا كان يجب تحديد الأسباب التي تعيق جهود الدولة للاستفادة من المخلفات.
مصانع تدوير المخلفات تحتاج إلى إعادة صيانة
قال الدكتور مجدي علام، أمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب، إن المشكلة الرئيسية التي تواجه تدوير المخلفات، أنه قطاع عشوائي، وليس منظم، بالإضافة إلى وجود ظاهرة "النباشين" وهمى ظاهرة غير موجودة في العالم.
وأوضح "علام"، خلال تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن دور الدولة في ملف المخلفات يقوم على إتاحة الأراضي، وإقامة مصانع الفرز التي ينشأها الإنتاج الحربي، حيث يوجد 28 مصنع فرز على مستوى الجمهورية، ولكنهم يحتاجون إلى صيانة وتطوير، خاصة بعد ضعف قدرة تلك المصانع على التعامل مع الملف.
ونوه بأن هناك خطة بين وزارة البيئة، والإنتاج الحربي، والهيئة العربية للتصنيع لتقديم نماذج لمعدات ومصانع تكون أحدث من الجيل السابق.
وأضاف "علام"، أن المشكلة في مصر ليست في تدوير القمامة فهى تعد مرحلة ثانية، فالأهم هو التعامل مع القمامة نفسها حتى نستخرج المواد التي يعاد تدويرها، معقبا: "الحكومة عقبال ما تصحى الصبح يكون النباشين أخدوا من الزبالة ما يمكن تدويره.. ونجد فقط بقايا المطبخ".
وأشار إلى أن كل المفروزات التي لها قيمة في التدوير، وعائد اقتصادي، تنتهي قبل أن تصل لها يد الحكومة، موضحا أن تحقيق الاستفادة من تدوير المخلفات يتطلب وجود مناطق صناعية مرخصة تحت اشراف الدولة حتى تكون صناعة منظمة وليست عشوائية، بالإضافة إلى إقامة مقالب عمومية منظمة، ومناطق فرز وسيطة.
تدوير المخلفات في مصر صناعة محدودة
وأوضح الدكتور صالح عزب، استشاري التنمية المستدامة بجامعة عين شمس، أن حل مشكلة القمامة ليس بحرقها للتخلص منها، وإنما بإعادة تدويرها والاستفادة من مخلفاتها، وهو ما يأتي متواكبا مع مفهوم التنمية المستدامة حيث يجب أن نحافظ على الموارد التي تنفذ ولا تتجدد بإعادة استخدامها مرة أخرى.
وشدد "عزب"، خلال تصريحات خاصة لـ "الفجر"، على ضرورة فصل مكونات القمامة من ورق وزجاج وبلاستيك وعظم، منوها بأن دول أوروبا بالكامل تستخرج ورق "التواليت" من إعادة تدوير القمامة، لافتا إلى أن الشيىء الوحيد الذي تجيد مصر إعادة تدويره هو البلاستيك، وتحويله لحبيبات، وتصدره إلى الصين الذي تحوله لمنتجات، وتقوم مصر باستيراد تلك المنتجات مرة أخرى من الصين.
وأشار إلى أن صناعة تدوير المخلفات مكلفة، وتحتاج لرأس مال كبير، وتكنولوجيا عالية، و80% من الصناعات في مصر صناعات صغيرة ومتوسطة، ولكن مصر تعمل في الصناعات التدويرية البسيطة مثل الخشب والبلاستيك لأنها لا تحتاج لرأس مال كبير نسبيا.
وأضاف أن صناعات التدوير في العالم متقدمة جدا، لدرجة أن هناك دول تستورد القمامة من دول أخرى لتدويرها، بينما في مصر فصناعة التدوير محدودة للغاية وفي إطار الصناعات الرخيصة، منوها بأن هناك "لوبي" يعرقل جهود الدولة في ملف تدوير المخلفات.
واقترح "عزب"، إنشاء شركة مصرية لتصدير القمامة، خاصة وأن مصر تعاني من وجود قمامة في الشوارع، فضلا على أن الأحياء لا تقوم بدورها في جمع القمامة، مضيفا أن هناك جماعات مصلحة قوية في ملف التدوير من مصلحتهم أن يستمر الوضع على ما هو عليه، وألا تجمع القمامة من الشوارع حتى يستطع "النباشين" الحصول على المواد القابلة للتدوير، كاشفا أن "مصاصة القصب" فقط تكفي مصر لإنتاج الورق ولا نحتاج للاستيراد من الخارج.
وتابع أن أساس مشكلة تدوير المخلفات في مصر، وعدم قدرة الدولة على الاستفادة من المخلفات اقتصاديا، تتمثل في "اللوبي" الموجود ويضغطون على الدولة ليبقى الوضع كما هو، فملف الاستفادة من المخلفات موجود منذ 25 عاما، وعندما تقدم الدولة على اتخاذ خطوة تصطدم بهذا اللوبي، حيث نحتاج إلى مسئولين أقوياء لا يخضعون للضغط، فلدينا ثروة نهدرها، قد تكون سببا لجعلنا دولة متقدمة.
الدولة تعثرت في ملف تدوير المخلفات
أكد الدكتور ماهر عزازي، استشاري الطاقة والبيئة وتغير المناخ، أن تدوير المخلفات له عائد اقتصادي ضخم، حيث أن فرز المخلفات وتصنيفها يسفر عن أكثر من 10 منتجات كالورق، والزجاج، والمعادن، والبلاستيك، والكهنة، وكل منتج منهم له مسار صناعي، ويشكل قيمة اقتصادية كبيرة.
وأضاف "عزازي"، خلال تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن الدولة تعثرت جدا في التعامل مع هذا الملف، والدليل القمامة الموجودة في الشوارع، كما أن القطاع الخاص لم يقم بدور جيد في هذا الملف لصعوبة التشريعات التي وضعتها الدولة، موضحا أنه على الدولة أن تضع نظام سليم للتعامل المخلفات ويكون جامعي القمامة جزء منه، خاصة وأنهم الطرف الوحيد المستفيد من القمامة الآن.
واعتبر أن تطبيق التجربة الألمانية في التعامل مع القمامة نوع من الوهم، نظرا لاختلاف طبيعة المجتمعين المصري والألماني عن بعضهما، حيث لابد من تطبيق منظومة تتوافق مع طبيعة المجتمع المصري.