مى سمير تكتب: حروب الولايات المتحدة لاستعادة هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمى

مقالات الرأي



جلوبال ريسرش: نقترب من نهاية النظام المالى لأمريكا

صدام حسين خطط لبيع النفط باليورو والقذافى دعا لبيعه بعملة إفريقية

سوريا تتفق مع روسيا على استخدام العملات الوطنية فى عمليات إعادة الإعمار

تستعد الولايات المتحدة وحلفاؤها لخوض حرب كبرى بغرض استعادة السيطرة على العالم، والعمل بشكل أساسى على استعادة الدولار الأمريكى لهيمنته.

بالنسبة لواشنطن، فإن الدولار سلاح للسيطرة على الاقتصاد العالمى، وفرض أجندة الولايات المتحدة على السياسة الخارجية لدول العالم.

فى أعقاب الحرب العالمية الثانية فقدت عملات الدول الكبرى قيمتها باستثناء الدولار، الأمر الذى دفع الولايات المتحدة إلى الضغط من أجل تأسيس نظام اقتصاد عالمى قائم على العملة الأمريكية، وبالفعل بعد موافقة الدول الأوروبية تم اعتماد الدولار كعملة عالمية لتقييم السلع وتداولها.

لكن الاتفاق العالمى يلزم أمريكا بتعويض الدولار بالذهب، حسب سعر ثابت (35 دولاراً مقابل أونصة الذهب 28 جراما)، لكن الولايات المتحدة طبعت كميات هائلة من الدولارات أغرقت بها أسواق العالم بلا غطاء ذهبى، وفى عام 1971 أدركت الدول الأوروبية الفخ الذى وقعت فيه، وارتفعت المطالبات باستبدال الدولار الذى انهارت قيمته بالذهب، ولجأ الرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون إلى حيلة استبدال الذهب الأصفر بالذهب الأسود، وطلب من ملك السعودية الراحل الملك فيصل فى عام 1973، أن يشترط بيع النفط بالدولار فقط، فى مقابل الحماية والدعم العسكرى، ورفض الملك فيصل لكن بعد اغتياله وافقت كل دول أوبك على جعل الدولار عملة وحيدة لبيع النفط، وهكذا أصبحت الدخول الوطنية تعتمد على قيمة الدولار، ولذلك عندما ينخفض الدولار ينخفض اقتصاد تلك الدول، وعلى مر الزمن تحول إلى أداة دين تم إصدارها للجمهور بدون مقياس موضوعى حقيقى لقيمته الحقيقية، ومنذ تأسيس بنك الاحتياطى الفيدرالى فى عام 1913 فقد الدولار أكثر من 97 ٪ من قيمته.

فى العقد الأخير أو ما يقرب من ذلك، فقدت سمعة الدولار الأمريكى مصداقيتها على نطاق واسع، لأن العديد من الحكومات فى جميع أنحاء العالم فقدت ثقتها فى الاقتصاد الأمريكى الذى يحمل أكثر من 21 تريليون دولار من الديون، وإذا قمت بإضافة المطلوبات غير الممولة فى شكل الوعود لضمان دفع المبالغ للمتقاعدين المرتبطين بالمعاشات الحكومية وبرامج الاستحقاق والضمان الاجتماعى، فإن هذا الرقم يرتفع إلى أكثر من 200 تريليون دولار.

حسب بيتر شيف، من يورو باسيفيك كابيتال ريك سانشيز، لن تتمكن الولايات المتحدة أبداً من تمويل ديونها حتى لو أعادتها إلى قاعدتها الصناعية، ولجأت إلى خفض الإنفاق الحكومى، وإنهاء جميع حروبها بما فى ذلك الحروب فى العراق وأفغانستان.

وقال: سوق الأسهم تتراجع، انظر إلى الشركات المحلية وسوق العقارات والقطاع المالى وتجار التجزئة، كل هذه الأشياء هى نفسها التى حدثت عام 2007 وأدى إلى الأزمة. وأضاف: «إذن ما عليك القيام به هو التخلص من الأصول بالدولار الأمريكى، الذى سيكون أكبر ضحية مع مستوى المعيشة الأمريكى».

حسب جلوبال ريسرش، تستعد الولايات المتحدة وحلفاؤها، بما فى ذلك إسرائيل وحلف شمال الأطلسى (الناتو) وكولومبيا، ومؤخرا البرازيل تحت الرئاسة الجديدة الفاشية اليمينية المتطرفة ليائير بالسونارو، لخوض حرب كبرى مع روسيا والصين وإيران وسوريا ولبنان وفنزويلا ونيكاراجوا وكوبا لاستعادة السيطرة على العالم، والعمل بشكل أساسى على استعادة الدولار الأمريكى لهيمنته العالمية التى كان يتمتع بها فى السابق.

وعلى الرغم من دعوة ترامب لانسحاب القوات الأمريكية من سوريا وأفغانستان، فإن هذا الأمر لا يغير من حقيقة أن المجمع العسكرى الصناعى يخطط للحرب الكبرى القادمة لحماية الدولار الذى يفقد وضعه العالمى، وربما يمكننا أن نسميها حرب الدولار، وكان صدام حسين قد قرر بيع النفط باليورو، وكان الليبى معمر القذافى يخطط لأن تستخدم إفريقيا عملة دينار مدعومة بالذهب، وبعد فترة وجيزة تم فرض منطقة حظر جوى فى كل من العراق وليبيا، ما أدى إلى حرب دمرت كلا البلدين.

كما دعا معمر القذافى الدول الإفريقية إلى التخلص من الدولار فى وقت أصبحت فيه العلاقات الاقتصادية المتنامية للصين مع العديد من الدول الإفريقية تشكل تهديدا لواشنطن، وألقى القبض على صدام حسين ومعمر القذافى فى نهاية المطاف، وتم إعدامهما.

اليوم تتحرك الكثير من الدول بعيداً عن الدولار، وتسعى للتخلص من هيمنة العملة الأمريكية على الاقتصاد العالمى، وتعكس 2017-2018 تراجع أهمية الدولار فى مختلف أنحاء العالم، والسعى الدولى للتحرر من سيطرته.

أولا: خفض الصين واليابان من احتياطات سندات الخزانة الأمريكية اعتباراً من أغسطس الماضى، ووفقا لتقرير صدر فى أكتوبر 2018 انخفضت قيمة حيازات الصين من الديون السيادية الأمريكية إلى 1.165 تريليون دولار فى أغسطس بدلا من 1.171 تريليون دولار فى يوليو، وفى الشهر الثالث على التوالى من التراجع، حيث يعزز ثانى أكبر اقتصاد فى العالم عملته الوطنية وسط توترات تجارية مع الولايات المتحدة.

وتتبع اليابان نفس الخطى وخفضت طوكيو حصصها من الأوراق المالية الأمريكية إلى 1.029 تريليون دولار فى أغسطس، وهو أدنى مستوى لها منذ أكتوبر 2011، وفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن وزارة المالية، واختار المستثمرون اليابانيون شراء السندات البريطانية، وبيع السندات الأمريكية والألمانية، وتفيد التقارير أن اليابان قامت بتصفية سندات بقيمة 5.6 مليار دولار. وقامت روسيا بتصفية 84% من سنداتها هذا العام، مع ما تبقى من سندات حتى يونيو بما مجموعه 14.9 مليار دولار فقط، وحذت تركيا والهند حذوها، وعلى سبيل المثال خفضت الهند ممتلكاتها من سندات الخزانة الأمريكية للشهر الخامس على التوالى، من 157 مليار دولار فى مارس إلى 140 مليار دولار فى أغسطس.

ثانيا: استخدام روسيا وسوريا العملات الوطنية لعمليات إعادة الإعمار واستكشاف الطاقة، بمعنى اقتصادى استراتيجى وافقت روسيا وسوريا على تجاوز الدولار عندما يتعلق الأمر «بإعادة الإعمار واستكشاف الطاقة فى سوريا»، وهو تطور مهم يجب مراعاته، وقد وقع الاختيار على 200 شركة روسية وسورية للمشاركة فى مشاريع مشتركة لإعادة إعمار البلد الذى مزقته الحرب.

ثالثا: العراق وإيران حذفا الدولار الأمريكى من التجارة المتبادلة، وحسب تقرير إيرانى لبرس تى فى بتاريخ 10 سبتمبر 2018، جرى اتفاق بين العراق وإيران على تجاوز الدولار واستخدام اليورو والعملات المحلية، وحتى استخدام نظام المقايضة للتداول، وتصل حجم التجارة المتبادلة بحد أدنى 8 مليارات دولار سنوياً.

رابعا: الهند وإيران يتخليان عن الدولار فى مبيعات النفط، عن طريق دفع ثمن واردات النفط الإيرانية بالروبية لتجنب العقوبات الأمريكية، وبموجب الصفقة سيتم سداد مدفوعات النفط من خلال بنك UCO الذى تديره الدولة، وتناقش الدول أيضا النظام الشبيه بالمقايضة لتجنب العقوبات الأمريكية، واشترت الهند 27.2 مليون طن من النفط الإيرانى العام الماضى.

خامسا: فى ديسمبر الماضى، أجرت صحيفة واشنطن بوست مقابلة مع رئيس الوزراء الباكستانى الجديد، عمران خان، تناولت علاقة بلاده مع الولايات المتحدة، وصرح خان قائلاً: «لسنا مسدسك المستأجر بعد الآن»، وكان ترامب قد هاجم باكستان عبر موقع تويتر، وكتب أن الولايات المتحدة أعطت باكستان بحماقة أكثر من 33 مليار دولار مساعدات على مدى السنوات الـ15 الماضية، وفى المقابل لم تمنح باكستان أمريكا سوى الأكاذيب والخداع، ووفرت الملاذ الآمن للإرهابيين. وتبحث باكستان اقتراحات باستبدال الدولار الأمريكى بعملة اليوان الصينى للتجارة الثنائية بين باكستان والصين، وبلغ إجمالى التجارة الثنائية بين البلدين 13.8 مليار دولار عام 2015 حتى عام 2016، واستثمرت الصين 57 مليار دولار فى باكستان كجزء من مبادرة «الحزام والطريق».

فى نفس السياق هناك بعض دول الاتحاد الأوروبى أكثر استعدادا للابتعاد عن الدولار على الأقل وفقا لمؤلف كتاب «حروب العملة»، جيم ريكاردز، الذى كتب مقالة مثيرة حول الإجراءات التى يفكر الاتحاد الأوروبى فى تأسيسها للهرب من نظام المدفوعات القائم على نظام SWIFT أو سويفت (مجتمع الاتصالات السلكية واللاسلكية بين البنوك فى جميع أنحاء العالم) الذى تهيمن عليه الولايات المتحدة، وذلك فى صحيفة «ديلى ريكونينج» بعنوان «إن العالم يصمد أمام الدولار»، وقال إن الولايات المتحدة كانت ناجحة للغاية فى متابعة الحرب المالية، بما فى ذلك العقوبات، لكن لكل فعل، هناك رد فعل مساو له فى القوة ومعاكس فى الاتجاه. وقد حذر ريكاردز قائلا: «بما أن الولايات المتحدة تستخدم سلاح الدولار بشكل أكثر تكراراً، فإن بقية العالم تعمل بجد أكبر لتجنب الدولار تماما».

وذكر وزير الخارجية الألمانى، هايكو ماس، نظاما ماليا جديدا، حيث دعا مؤخرا إلى نظام دفع جديد، يستند إلى الاتحاد الأوروبى، مستقل عن الولايات المتحدة ونظام سويفت لتجاوز العقوبات الإيرانية بوضوح.

وفى ظل هذه التغيرات الاقتصادية، يطرح تقرير جلوبال ريسرش سؤالا فى نهايته: فهل ستطلق واشنطن الحرب الرئيسية التالية لإنقاذ الدولار الأمريكى؟.

وحسب التقرير تستند الحرب العالمية الثالثة إلى الحفاظ على قوة الدولار الأمريكى، كونه العمود الفقرى والأداة التى تسمح لواشنطن بمواصلة هيمنتها الجيوسياسية مدعومة بقوتها العسكرية على اقتصاد العالم، وموارده الطبيعية.