د. رشا سمير تكتب: معرض الكتاب بين المتوقع والواقع
كانت فكرة انتقال معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الخمسين من أرض المعارض بمدينة نصر إلى مركز المنارة بالتجمع فكرة جادة وواجبة، لكنها كانت فكرة شائكة وأصابت كل الناشرين معها بالقلق والتردد..
فهل تنجح القوات المسلحة فى إعادة الشكل الحضارى للمعرض على ما كان عليه قبل انحداره الشديد فى سنواته الأخيرة؟ وهل تستعيد مصر مكانتها الثقافية من خلال تلك النقلة؟ أم أن بُعد المسافة وعدم وجود مواصلات إلى تلك المنطقة سوف تقضى على الحُلم؟
وكلما اقترب المعرض.. زاد الترقب والتشكيك، وجلسنا جميعا فى مقاعد المشاهدين.
الحقيقة وبدون أى مجاملات.. أن القوات المسلحة تستحق كل التقدير والاحترام لهذه الخطوة التى طالما نادينا بها..
مع أول أيام المعرض أبهرنى المظهر الحضارى المُشرف والقاعات المجهزة المغلقة ودورات المياه النظيفة وأماكن الطعام المختلفة.. ومع ثانى أيام المعرض توالى الزائرون، شبابًا وشيوخًا وأطفالاً..كل الفئات العمرية احتشدت فى طوابير طويلة وزحام لم يكن متوقعا ليسجد كل الناشرين لله شكرا!.
الإقبال دون شك تاريخى، ساعدت فيه وزارتا النقل والدفاع بتوفيرهما أتوبيسات نقل مجانية من كل مكان للمعرض وهو بالقطع ما شجع الناس على الحضور..
ولكن.. ولأننا تعودنا فى مصر أن يكون لكل نجاح (لكن) ولكل حدث (ألف لكن)!..
لكن الحقيقة أن المعرض كان مصدر استياء من المثقفين والأدباء والضيوف العرب..
فلو أعطينا المظهر عشرة من عشرة لأعطينا الفعاليات الثقافية صفر دون تجني!.
حركة البيع والشراء كانت ضخمة جدا وهو ما دفع بعض المثقفين لوصف المعرض بأنه (سوق للكتاب) وليس معرضًا ثقافيًا..
الفعاليات الثقافية تمت بلا إعلان ورقى أو حتى إعلان مسموع فى الإذاعة وبالتالى فالقاعات كانت أغلب الوقت فارغة، بلا جمهور أو رواد سوى هؤلاء الذين استغلوا وجود طاولات وكراسى فاصطحبوا الساندويتشات ودخلوا ليأكلوا وهم جالسون!.
فى ندوة من أهم الندوات، تلك التى كان على رأسها رئيس المحكمة الدستورية بعنوان (خمسون عاما من القضاء الدستورى) كانت الندوة مصدرا للخجل والأسف، بلا جمهور وبلا أى مسئول فى استقبال رجال بهذه القامة..
مئوية إحسان عبد القدوس كانت فى قاعة بها ما يقرب من خمسة عشر كرسى ملتفين حول مائدة مستطيلة بلا إعلان ولا صورة واحدة للكاتب وأيضا بلا جمهور، حتى منسق الندوة نفسه لم يكن موجودا لدرجة جعلت نجله ينسحب قبل بدء الندوة مستاءً!..
هكذا توالت انسحابات المتحدثين وتوالى استياء الضيوف وأصبح الشكل الحضارى للمعرض فى مهب الريح بعد أن تحول المحتوى إلى لا شىء!..
اللافت للنظر أيضا أن حفلات التوقيع كانت مثل الرز.. ستمائة حفل توقيع لعناوين تافهة وفارغة ما أنزل الله بها من سلطان..مما جعل كل المثقفين يتساءلون: كيف اعتلت تلك العناوين أرفف المعرض؟..وكيف تم السماح لعناوين مُسفة ومتردية بالصدور؟ لقد أصبحت الشتائم هى عناوين الكُتب.. وانزوت الأقلام الجادة فاعتلت الساحة أقلامًا لم تعرف عن الأدب شيئًا سوى اسمه!.
وأتساءل ما كل تلك دور النشر التى انتشرت فى كافة أنحاء المعرض؟ كيف يتم السماح لكل من هب ودب أن يمتلك دار نشر؟ وما السبب الحقيقى وراء هذا الانحدار؟
لست مع الرقابة على الأقلام ولا الإصدارات ولكن لماذا لا تتم محاسبة أصحاب دور النشر الذين يتولون نشر تلك العناوين القبيحة السافرة؟
مصر العقاد ومحفوظ وطه حسين والشرقاوى لا يصح أن تنحدر إلى هذا المستوى الثقافى..
دور النشر مسئولة مسئولية كبيرة عن هذا التردى والهيئة العامة للكتاب مسئولة مسئولية كاملة عن فشلها فى تنظيم الندوات والفعاليات الثقافية..
الغريب أن وجود رئيس الهيئة ورؤساء اللجان فى كل معرض كتاب يقام بالدول العربية والأجنبية يجعلنا نتساءل: ألم يتعلموا أى شىء؟ ألم تضف إليهم تلك التجارب أى رؤية أو تمنحهم حصيلة من الأفكار تجعلهم قادرين على القيام بواجبهم الثقافى بشكل أكثر جدية..
إن محاسبة كل المتسببين فى هذا الهُراء واجبة..وإقصاء كل من لم يقدم شيئا من منصبه ضرورة.. والقضاء على فكرة المصالح والشللية وتولية كل من له صديق يجب أن تنتهى فورا..
مرة أخرى تحية للقوات المسلحة على هذا المظهر الجاد المحترم وأمنية من القلب أن نتفادى كل تلك الأخطاء فى العام المقبل..حتى يصبح لدينا مرة أخرى معرضا للكتاب شكله حضاريًا ومحتواه جاد ومحترم.. فمصر العظيمة تستحق الأفضل..