لندن رفضت خطة أمريكية لمنع انتصار إيران في الحرب مع العراق
كشفت شبكة "بي بي سي" وفقا لوثائق
بريطانية سرية حصلت عليها، أن لندن رفضت خطة عسكرية أمريكية لمنع إيران من الانتصار
في الحرب مع العراق.
وتشير الوثائق إلى أن تباين في الرؤيتين
البريطانية والأمريكية تجاه إيران يعود إلى حرب الأعوام الثمانية، من 1980 وحتى
1988، بين إيران والعراق.
وتكشف الوثائق أنه كان لدى الولايات المتحدة
هاجس منع إيران من الانتصار في الحرب، وعملت جاهدة عسكريا واقتصاديا لتحقيق هذا الهدف.
وكان أهم مؤشر أقلق الأمريكيين استيلاء
إيران على شبه جزيرة الفاو العراقية في مارس عام 1986، إذ رؤوا أن هذا التطور أعطى
إيران "قوة دفع معنوية جعلتها لا تبدي أي إشارة إلى الاستعداد لعدم المضي في الحرب".
واستمر هذا الوضع حتى استعاد الجيش العراقي
الجزيرة في أبريل 1988، أي قبل شهور من وقف الحرب بقرار أممي.
وفي 19 و20 مارس 1986، جرت في واشنطن مباحثات
أمريكية بريطانية بشأن الحرب، بدا خلالها واضحا للبريطانيين أن الأمريكيين يخططون للتدخل
بطرق منها القوة العسكرية لمنع انتصار إيران.
موقف وزارة الدفاع البريطانية كان واضحا
وهو حسب الوثائق، رفض الاتجاه الأمريكي والإصرار على عدم المشاركة.
وكتب جي إتش بويس، رئيس إدارة الشرق الأوسط
في خارجية بريطانيا، أن الأمريكيين "يتجهون بشكل متزايد للاعتقاد بأن إيران ستنتصر
في الحرب كلما طالت، لذلك اتجهوا لبذل كل ما هو ممكن لدعم العراق على الأقل حتى ظهور
مؤشرات على تليين الموقف الإيراني.
وأضاف أن الأمريكيين "اعترفوا بأنه
في ضوء القصور في القيادة السياسية والعسكرية العراقية، لا يمكن للولايات المتحدة فعل
الكثير".
كيف رأى الأمريكيون سبل تحقيق الهدف؟
لقد سعوا أولا إلى وقف تسليح إيران، ورغم
أنهم حققوا بعض النجاح في إبطاء تدفق الأسلحة من السوق السوداء، إلا أن الأسلحة وصلت
إلى إيران من أوروبا الشرقية وكوريا الشمالية وسوريا وليبيا والصين.
وتكشف الوثيقة أن الأمريكيين فكروا في ضربات
عسكرية تشل إيران، غير أن افتقاد العراق للعزم والتصميم العسكري، إضافة إلى العناد
السياسي الإيراني جعل هذا الخيار غير ملائم.
وخلال المباحثات بين الجانب الأمريكي والبريطاني،
ادعى الأمريكيون "أنهم لا يرون أي تعارض بين سياستهم قصيرة المدى الرامية إلى
بدء ممارسة ضغوط على إيران لتجنب السيناريو سالف الذكر، وبين اعتقادهم المفترض بأنه
ليس من مصلحة الغرب، على المدى البعيد، ألا تكون له علاقات طبيعية مع إيران".
غير أن البريطانيين أصروا، خلال المباحثات،
على "توضيح أن المملكة المتحدة مستمرة في اتخاذ موقف محايد في النزاع، وتؤمن بضرورة
أن يكون لها علاقات طبيعية قدر الإمكان مع كل جانب".
ولم تكن القوة العسكرية هي الوسيلة الأمريكية
الوحيدة المقترحة لقطع الطريق على أي انتصار محتمل لإيران وانهيار العراق.
تقول الوثائق إن الاستراتيجية الأمريكية
سعت إلى "زيادة التكلفة الاقتصادية التي يتكبدها الإيرانيون من شن هذه الحرب".
ويقول وزير الخارجية البريطاني جيفري هاو
في تقرير آخر، إنه "بعد مساعيهم (المتعثرة) لوقف تدفق الأسلحة إلى إيران، تركز
الولايات المتحدة الآن (1986) على الحد من توسيع نطاق التسهيلات الائتمانية لإيران"،
والتي تساعد الإيرانيين على الاستيراد من الخارج.
وأجرى الأمريكيون، كما تكشف وثيقة هاو،
اتصالات مع كل الحكومات الأوروبية الغربية تقريبا واليابان وسنغافورة وتركيا بهذا الشأن.
وحين أُثير موضوع الضغط الاقتصادي على إيران،
أوصت الخارجية البريطانية بأن تحاجج لندن بالقول إن "الضغط على الإيرانيين لوضعهم
في موقف صعب اقتصاديا لن يدفعهم إلى التفاوض وسوف يضر بموقف الغرب بعيد المدى".
وأشار هاو إلى مبررات أخرى للموقف البريطاني
قائلا إن السياسة الأمريكية "تقوي عزيمة الإيرانيين على شد الأحزمة والاستمرار
(في الحرب)". وأضاف "إيران مرنة (أي قادرة على النهوض بعد أي تعثر) سياسيا
واقتصاديا ومعتادة على التقشف".