الدكتور أحمد أبو رحيل يكتب: سياسة العين المقفلة

ركن القراء

الدكتور أحمد أبو
الدكتور أحمد أبو رحيل


ليس هناك ثمة شك إننا كمجتمع نامى نعانى من الفساد، سواء زادت نسبته أو قلت إلى الحد المسموح به أو المتعارف عليه فى الدول المتقدمة أو دول العالم الأول، ولايختلف أحد المنظرين أو الاكاديمين والتنفيذيين ،على إنه تعددت وتنوعت صور الفساد وإنتشرت حتى وصل الحال إلى مانحن بصدده الآن من فساد أخلاقى وفساد مالى وفساد سياسى وفساد ادارى،وغيره من الصور الأخرى للفساد.

ولايغيب عن نظر المفكرين أن الفساد دائما يتعلق ويرتبط  بوجد العامل البشرى فى العمل ،فهو دائما معرضاً للضغوط الابتزاز، ويجب علينا أن نعترف  إننا بشر ومن سمات البشر الخطأ والذلل والنسيان ،وخاصة عندما نكون فى أشد أنواع الاحتياج، وعندما يكون الاحتياج يتعلق بأحد أبناء الأ سرة التى نعولها ،وقد يكون الأفراد لديهم القدرة على تحمل أعباء أنفسهم ،ولكن هل لديهم القدرة على تحمل أعباء أولادهم،فكيف يتصرف الأب وإبنه فى أشد أنواع الاحتياج الى العلاج ؟ هل سيقف صامداً أمام تحمله لضغوط الرشوة ؟ أشك!

ففيما مضى كانت هناك  سياسة يتبعها رجال الدول وواضعى سياسات الحزب الوطنى المنحل تسمى "سياسة إفساد المجتمع" بدءً من الموظف الصغير حتى الوزير ورئيس الوزراء  هذا خاص بالجهاز التنفيذى للدولة ،وبدءاًمن العضو المنتسب الى أعضاء المكتب السياسى للحزب ،وهذا خاص بأعضاء الحزب الوطنى ،ومن صورة سياسة إفساد المجتمع ،هو ضعف المرتبات حتى يتم التعرض للرشوة والسكوت عنها،وتقديم فروض الولاء والطاعة للمسئولين الذين كانوا يقومون بنشر هذه السياسة ،فكانت الدولة تدار من خلال "الشللية"، ومن ضمن شروط الدخول فى هذه الشللية هو أن تكون فاسدا الا من رحم ربى ،ولكن الشاهد لنا من خلال سياستهم هو ذلك ،فقد يكون بينهم ليس من هو فاسد ولكن كان ليس له رأى.

وكان من أهم صور سياسة إفساد المجتمع هى سياسة "العين المقفلة"
وسياسة "العين المقفلة" هى غض البصر عن تصرفات بعض الاشخاص وسلوكياتهم ،سواء بدافع القرابة أو الصداقة أو الرشوة أو غيرها من الوسائل ،ولكن عندما يتعلق الأمر بأمور المواطنين ،يجب أن ننحى كل هذه العوامل جانبا لتطبيق دولة القانون الذى قد نكون بمقتضاه حققنا المساواة بين الجميع ،فالمناصب تكليف وليست تشريف للأصحابها.

والحقيقة أن سياسة العين المقفلة لها نتائجها الخطيرة على المجتمع المحلى و الخارجى ،فثقافة العين المقفلة ولدت بداخلنا ثقافة الخضوع والخوف ،وثقافة اللامبالاة والتهاون حتى وصل بنا الحد الى التهاون القيمى فى مجتمعاتنا ،وأصبح المواطنين خاضعين لكل عوامل الخضوع الا القليل منهم الذى يضطر الى الدخول فى طريق اخروهو طريق الارهاب ،فقد ولدت لديهم سياسة العين المقفلة ثقافة الثأر من الدولة.

ويعلم الباحثين فى مجال التنمية وفى مجال الحقوق والحريات أن من أهم أسباب الإرهاب هو الفساد ،وخاصة الفساد عن طريق العين المقفلة ،ففيها ضياع للحقوق ،والإرهاب من وجهة نظر مرتكبيه هو وسيلة للحصول على هذه الحقوق،والغاية تبرر الوسيلة ،ويحول المجتمع الى  بحر يأكل فيه السمك الكبير السمك الصغير.

ومادمنا فى الوقت الراهن نتحدث عن الارهاب ومكافحته وأن وسائل مواجهته ليست أمنية فقط ،فيجب علينا أن نلم بجميع أسباب وعوامله ،ونعمل على القضاء عليها حتى يتم تجفيف منابعها ،فدائما تكاليف الوقاية أقل من العلاج.

وفى واقع الأمر إذا قمنا بإزاحة تفكيرنا إلى مساحة أوسع، سنجد أن السبب فى تنغيص العالم اليوم من خلال مشكلة الارهاب العالمى الذى يئن منه الجميع المتقدم قبل النامى،سنجد إنه إتباع الدول ولاسيما الكبرى منها إلى سياسة "العين المقفلة"، حيث أن تواطؤالدول الكبرى وتحيزها عمدا تجاه بعض الدول،واتباع سياسة العين المقفلة تجاه بعض تصرفاتها ،ممايؤدى الى ‏فشل المنظمة الدولية فى تحقيق التعاون الدولى وحل المشاكل ‏،والأوضاع الدولية غير العادلة من خلال ما يقع بين الحكومات والدول من ضغط القوي منها على الضعيف؛ ‏لتمرير ‏سياسة الدولة القوية وفق مصالحها حتى ولو كانت تلك المصالح تمر على طريق الإضرار بمصالح الدول ‏الضعيفة، ‏دون مبالاة من الدول القوية بمصالح الدول الضعيفة أو حتى التوازن المعقول، والتسديد والمقاربة، وينشأ ‏عن ذلك ‏معارضة من داخل البلدان الضعيفة غير القادرة على مواجهة الدول القوية وتكون هذه المعارضة إما أفراد، ‏وإما ‏جماعات تكون منتظمة داخل كيان منظمات ترتب تحركاتها وأسلوب مواجهتها لذلك العدو فينشأ عن ذلك ‏مواجهات ‏تنتهي بالعنف ووصفه من قبل ذلك العدو بالإرهاب حتى ولو كان ذلك العمل مبررًا عند العقلاء، والمنصفين ‏بل إنه ‏يوصف بالإرهاب لا لشيء إلا أنه يعترض ويكون عقبة في مواجهة مخططات الأعداء،كما أن ممارسة حق  النقض "الفيتو" فى مجلس الامن الدولى وتهاون الدول الكبرى فى القيام بواجباتها التى ينص عليها ‏ميثاق الامم المتحدة ،‏نوع اخر من سياسة "العين المقفلة".

مقابل ذلك، فإن القوى التكفيرية المتطرفة والإرهابية وجدت في اختلال نظام العلاقات الدولية مبررًا لشنِّ حملاتها الإرهابية بزعم أن كل ما في الغرب إنما شر مُطلق، رافعة من شعار العداء للغرب أساسًا نظريًّا لفكرها المتطرف، ومحوِّلة بالتفسير والتأويل بعض تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ومُثلُه وقيمه السمحاء إلى نوع من الإسلاموفبيا، أي استخدام التعاليم الإسلامية ضدّ الإسلام وبما يتعارض معه، خصوصًا بتكفير الآخر، ولعل "الغربفوبيا" هو الوجه الآخر للإسلامفوبيا. وإذا كانت الظاهرة الأولى منتشرة في الغرب، فإن الظاهرة الثانية لا تزال قوية التأثير في مجتمعاتنا، وتستند إليها القوى الإرهابية في مشروعها الفكري التكفيري.

فنحن دائما نغض الطرف عن بعض الأمور حتى يصل الأمر الى مالايحمد عقباه ،ونضطر الى معالجته بعد ما يكون المرض قد استأثر بالجسم وانتشر فيه ،فالجميع من صنع أيدينا ،أقصد أيدى الحكام أصحاب السلطة والنفوذ.

والحقيقة المبكية بل المضحكة فشر البلية مايضحك ،إننا جميع نمارس سياسة العين المقفلة فى كثير من أمو حياتنا ،فى العمل ،فى السوق،فى الشارع ،فى المنزل ،حتى نفيق على فازعة ،ثم نعود ونقول إنه بسبب النصيب ،والحقيقة أن الساكت عن الحق شيطاناً أخرس.

وفى النهاية قد يعود كل مايشوه المجتمع من اخلاقيات وسلوكيات وادبيات فى نظرى إلى سياسة "العين المقفلة" التى تمارسها بدون علم ،ومن هنا يجب علينا أن نربى أولادنا على الحق وقول الحق ومواجهة الباطل ،ولكن بالطريقة اللائقة الاخلاقية والتى نتبع فيها أساليب الحوار وادبياته الذى فقدناها فى مجتمعنا الان ،فكل راع مسئول عن رعيته ،فعليكم أن تصلحوا من الرعية كلًا في موقعه حفظ الله مصر، حفظ الله الشرفاء.