منال لاشين تكتب : «تمرد» تكشف ألاعيب تزوير الإخوان للانتخابات
فى علم الرياضيات يقولون إن أقصر مسافة بين نقطتيين هى الخط المستقيم، وفى السياسة فإن أقصر طريق لعقل المواطن هو رسالة صادقة وواضحة فى المعنى والهدف والعنوان وعنوان الحملة صريح ومعبر ومختصر، وصادق ورافض وكل ذلك فى بساطة أربع حروف «تمرد»، فكرة أن إنقاذ مصر يتطلب رحيل مرسى عن السلطة أو بالدقة رحيل الإخوان عن الحكم ليست جديدة، فالحديث عن انتخابات رئاسية مبكرة يملأ الفضاء السياسى ويدعو له سياسيون وخبراء، ولكن قيمة حملة تمرد أنها روح جديدة من ثورة 25 يناير دعوة سلمية بدأت بشباب وسرعان ما تفاعل معها الجميع، موجة احتجاجية جديدة تحمل كل مقومات الثورة تبدأ بفكرة بسيطة وبراقة، وبشباب مخلص لا يسعى إلى مصلحة شخصية ولا نجومية، من الجامعات إلى النقابات، من محافظات الصعيد إلى وجه بحرى تسرى التوقيعات بسرعة البرق، وحتى فى جلسات الناس الخاصة سرعان ما يتحول الحوار إلى حكاية تمرد وغالبا ما ينتهى إلى رحلة بحث عن استمارة تمرد ومركز تمرد والشباب اللى وراء تمرد، ثمة أسئلة إضافية تتخلل النقاش
البعض يسأل بأمل ممزوج بخوف ياترى هتنجح تمرد، وآخرون ثائرون ومتحمسون يتحدثون أو بالأحرى يستعجل الخطوة القادمة.
المثير أن الإخوان الذين صدعونا ليل نهار بالاعتراض السلمى والبعد عن العنف والحفاظ على سلمية الثورة.. وأبواقهم «شغلت» أغنية عبر عن رأيك بدون مظاهرات وقطع طريق، بعد كل هذا الصداع فزع الإخوان من حملة رأى سلمية لا تقطع طريقًا ولا تحاصر مبنى ولا تغلق حتى شارعًا، حملة تطلب من المواطن أن يشارك فى حملة لسحب الثقة من مرسى، البعض اعتبرها خروجا عن الشرعية تحريضا للمصريين على الرئيس، لكن هل كان المصريون فى حاجة إلى تحريض لمطلب أو حتى اقتراح سحب الثقة من الرئيس. فهناك عشرات وربما مئات الأسباب اليومية دفعت المصريين للتمرد على الأوضاع وعلى الأخونة، على السيطرة، على علاقة الإخوان الحميمة مع قطر، الأوضاع الاقتصادية التى تنهار يوما بعد آخر.الصدام الذى يتفنن فيه مرسى وإخوانه يومًا بعد آخر صدام من الإعلام والقضاء والعمال فضلا عن الصدام مع كل القوى السياسية.فبذرة الغضب والتمرد على تردى الأوضاع كانت موجودة، وراحت تنمو يومًا بعد يوم، وما تفعله حملة تمرد هو كشف راق وعلمى وسلمى لتردى شعبية الإخوان ورئيسهم.ولذلك سوف تظل تمرد تنمو بنفس معدل الغضب الشعبى أو بالأحرى الغليان فى الصدور والشوارع والميادين.على أن تمرد تفتح بابا آخر للنقاش والتحدى مع الإخوان.
1 - ألاعيب الصندوق
كانت الرسالة الإلكترونية قادمة من تونس من أول بلد من بلدان الثورات العربية.لأن تونس سبقتنا فى الثورة فقد جرت الانتخابات عندهم قبل انتخابات أول برلمان بعد الثورة.الرسالة كانت توصيات للمواطنين الليبراليين والمدنيين للوصول للصندوق، فى البداية وربما مع الأحلام الثورية الرومانسية بدت هذه النصائح أو بالأحرى عنوانها مثيرًا للدهشة والتساؤل لماذا يصبح الوصول للصندوق مستحيلا أو صعبا.فقد ذهب مبارك والعادلى، ولم يمنع مواطن من الإدلاء بصوته.لقد استيقظت مصر ولم تعد بحاجة إلى تصويت الموتى.وكان أهل تونس يحذرون مما حدث لديهم. فقد وضع الإسلاميون حواجز وأسواراً أمام التونسيين حتى لا يصلوا للصندوق.، وكان من أشهر هذه الحواجز الطابور الدوار.فالناخب الإسلامى يعود إلى الطابور بعد الإدلاء بصوته ويظل منتظراً ساعات.لأنهم يريدون أن يصاب الطابور بالشلل، وألا يتحرك عسى أن يمل أو يتعب الناخبون العاديون أو الكفار بلغة الإسلاميين.كانت التعليمات للناخبين الإسلاميين واضحة «صلى الفجر وانزل للجان الانتخابية حتى تحتلوا الصفوف الأمامية فى الطابور»، وفى تجربة تونس كان هناك تحرش سياسى فى بعض اللجان بالناخبات اللاتى لا ينتمين لتيار الإسلام السياسى، ولذلك كانت نصائح التوانسة تحذر من الاحتكاكات فى الطوابير، ومن الطابور الدوار ومن لبس كعب عال لأن الخطة أن ننتظر طويلا حتى الزهق أو المرض أيهما أقرب.
وكانت من ضمن النصائح المفيدة رغم بساطتها حمل الأدوية وزجاجة مياه و«شمسية» للوقاية من الحر أو المطر بحسب الأحوال الجوية، لبس ملابس مريحة.باختصار كانت النصائح تشير إلى أن عملية التصويت هى مواجهة شرسة، ومسابقة فى قفز حواجز وضعها الإسلاميون لمنع الناس من الوصول للصندوق، وبالطبع يمكن تصور مدى صعوبة الأمر فى مصر بمجرد معرفة أن عدد الناخبين فى تونس لا يزيد علي 20% من عدد الناخبين فى مصر، فحتى لو لم تكن نية فصيل بعينه مبيتة لعرقلة الناخبين، فإن حجم الناخبين فى مصر الذى يتجاوز 40 مليونا يمثل فى حد ذاته أزمة حادة فى التصويت.ولذلك كان التصويت الإلكترونى من ضمن المطالب المهمة فى أول انتخابات لمجلس الشعب بعد الثورة.
فلا يمكن ضمان سيولة فى انتخابات تضم 40 مليون ناخب بالاكتفاء بالأسلوب التقليدى والتصويت اليدوى.واستمرار رحلة التعذيب أو التطفيش الانتخابى فى ظل ثورة شعبية.
2 - بعبع التصويت الإلكترونى
شهدت الفترة الانتقالية محاولات وحوارات وتجارب عن تشغيل التصويت الإلكترونى، وقدمت شركات وعقول مصرية دراسات فنية واقتصادية عن عملية التصويت الإلكترونى، وليس سرا أن المجلس العسكرى كان طرفا فى بعض اللقاءات، وأن بعض أعضاء المجلس العسكرى فى تلك الفترة شهد عروضا تفصيلية لهذه العملية، وقد كان بعض الخبراء والشخصيات العامة متحمسين بقوة إلى تشغيل التصويت الإلكترونى، وقد عرض بعضهم على المشير طنطاوى مباشرة فكرة التصويت الإلكترونى، ومع انبهار العالم كله بثورة 25 يناير أعربت 4 مؤسسات دولية عن استعدادها لدعم التصويت الالكترونى، وكان العرض يتضمن تحمل كامل التكلفة المالية لتشغيل نظام التصويت الإلكترونى فى مصر، فبعض المؤسسات الداعمة للتحول الديمقراطى تعتبر التصويت الالكترونى شرطا أساسيا للديمقراطية الحقيقية، ولكن فى ظل هذا الزخم أصيب مشروع التصويت الإلكترونى بسكتة قلبية مفاجئة ومريبة، وتم رفض الفكرة، وكان على الرافضين إيجاد سبب يتمشى مع اهداف ثورة 25 يناير، فقيل أن التصويت الإلكترونى يعرض نزاهة الانتخابات لخطر التزوير.وزيادة فى الحبكة الثورية قيل إنه لايمكن حماية الأصوات بحجة اختراق شبكة التصويت الالكترونى، وشم بعض الخبراء فى هذا التراجع نية لاستمرار آليات مبارك.فمصر بها انظمة الكترونية لحماية شبكة للبورصة منذ سنوات، وهى أنظمة مصرية خالصة، ولكن رفض تشغيل التصويت الإلكترونى يرجع لأسباب أخرى، وهى نفس أسباب مبارك، فالتصويت الإلكترونى يمنح الفرصة لملايين المواطنين بالوصول للصندوق بضغطة زر، ولذلك لم يقبل نظام مبارك بمجرد مناقشة التصويت الإلكترونى لا داخل قاعة مجلس الشعب، ولا فى التصويت لانتخابات مجلس الشعب أو الانتخابات الرئاسية.فكل نظام استبدادى ديكتاتورى يسعى دوما لمنع وصول الناس من صناديق الانتخابات.لانه يدرك أن أصواتهم عليه وليست معه.وأنهم لو وصلوا للصناديق نزل هو من على كرسيه وخسر منصبه.
3 - تحدى تمرد
3ففى الظروف الطبيعية يسهل على المصريين التعبير عن رأيهم أو بالاحرى غضبهم.ولاشك أن الانتشار الهائل لتمرد يعكس حجم الغضب من الإخوان ورئيسهم، ولكنه فى الوقت نفسه يفجر قضية أخرى، فإذا كانت طريقة التعبير عن الرأى فى تمرد سهلة وبسيطة، فمن الاولى أن نجعل الوصول للصناديق فى الانتخابات بنفس درجة السهولة.فقد واجهت المصريين صعوبات مختلفة ومتنوعة فى كل من الانتخابات الرئاسية واستفتاء الدستور، وسجلت منظمات حقوق الانسان منعا للاقباط فى محافظات ولجان، وانتهاكات لقواعد وحقوق التصويت بصورة منهجية.وكانت معاناة المصريين مع طوابير الانتخابات ملء التقاريرالمحلية ومجال شكاوى رئيسية لملايين المواطنين.واذا كان الإخوان يواجهون تمرد بحجة الصندوق، وإذا كان الإخوان لديهم ذرة ثقة فى رئيسهم وشعبيتهم، فلماذا لا يسارع مرسى بتشغيل نظام التصويت الالكترونى ليسهل على المواطنين، كل المواطنين الوصول السلس للصندوق.فالديمقراطية ليست صندوقًا لا يستطيع المواطن الوصول إليه، أو تتحول عملية التصويت لتعذيب وتهذيب وإصلاح على غرار سجون كل من مبارك ومرسى. ولكن الإخوان يدركون جيدا أن شعبيتهم فى انهيار، وأن تسهيل وتسيير عملية التصويت للمواطنين سيدفع بهم إلى خارج السلطة، وربما إلى داخل السجون.خاصة أن معظم الشباب من مستخدمى الانترنت ضد الإخوان والأخونة، فقد ولدت الثورة على صفحات فيس بوك وتوتير وعندما نعلم أن مستخدمى الإنترنت فى مصر قد وصل عددهم إلى 30 مليون مواطن، فنحن أمام كتلة تصوية هائلة ومؤثرة وقادرة على قلب نتائج أى انتخابات رئاسية أو برلمانية
ولذلك فإن التحدى الحقيقى الذى يفرضه نجاح تمرد على الإخوان، هو تحد جعل الصندوق الانتخابى متاحا بنفس سهولة اتاحة «تمرد» أمام المواطنين، وتشغيل نظام التصويت الالكترونى هو الطريق لهذا الهدف، فالتصويت الإلكترونى سيمنع الانتهاكات بمنع المواطنين من التصويت وهى انتهاكات تحمل فى بعض الحالات طابعًا طائفيًا مخيفًا، وفى أغلب الحالات تستهدف المواطنين من غير ناخبى تيار الإسلام السياسى والإخوان، ولذلك اقترح على الإخوان إثبات شعبيتهم بهذا الشكل العملى، وأن يكون تحدى تمرد بتشغيل التصويت الالكترونى فى الانتخابات البرلمانية القادمة، والبدء فى اجراءات التشغيل فورا، أما أن ترد الإخوان على حملة تمرد بحملة أخرى اسمها تجرد فنحن أمام تجسيد لسياسة الإخوان، فقد تجرد الإخوان بأفعالهم من الكثير من الملابس ولم يبق لديهم سوى ورقة توت تستر لا تكفى لستر خطاياهم السياسية الاجتماعية والاقتصادية وحقيقى مش عارفة هيتجردوا من ايه تانى.