أحمد فايق يكتب : نجوم السجادة الحمراء فى مهرجان «كان»
تتوجه أنظار عشاق السينما فى العالم إلى مدينة «كان» الفرنسية اليوم لمتابعة حفل افتتاح أكبر مهرجان سينما فى العالم، حيث يتلاقى صناع السينما فى تلك المدينة الصغيرة التى تقع فى الجنوب الفرنسى لتقديم أجمل ما عندهم من أفلام تناقش مشاعر البشر حول العالم، يصنعون الجدل ويطرحون أفكارا تصنع الخيال الذى يتقدم بمستوى الإنسانية.
فى هذه المدينة الصغيرة التى تقع فى غرامها بمجرد أن تطأ قدمك أرضها، ليس لمبانيها أو لرقى المرور فيها إنما لمستوى البشر الذين يزورونها هذه الأيام، عدد سكان المدينة لا يتجاوز 35 ألفا، وعدد ضيوف المهرجان يصل إلى 72 ألفا، يصرفون مليارات الدولارات من أجل أن يشاهدوا أو يسيروا على السجادة الحمراء الشهيرة، لذا يتحول سكان المدينة إلى خدم للضيوف، وهم يعرفون أن اقتصادهم مرتبط بهذه الفاعلية السينمائية الكبيرة، وبقدر الحيوية التى تشاهدها صباحا حينما يهرول الآلاف إلى قاعات السينما المختلفة ليحجزوا مقعدا كى يشاهدوا فيلما جديدا، تجد حيوية أخرى فى الليل تستمر حتى الصباح، ومباريات بين سينمائيين فى إبراز إبداعهم، تجد أيضا مباريات أخرى بين أثرياء الكرة الأرضية فى نوادى القمار، وأبنائهم الذين يتفاخرون بأحدث موديلات السيارات على مستوى العالم، سيارات لا تجدها إلا فى أفلام الكارتون صنعت خصيصا لمرة واحدة من أجل ملياردير خليجى أو روسى أو أوروبى.
تتباهى النساء بارتداء أجمل وأحدث خطوط الموضة وسواريهات تبرز مفاتنهن وتزيد سخونتها على سخونة المايوهات البكينى التى تراها تضيء شاطئ الريفيرا فى الصباح.
يلتقى فى هذا المهرجان المتناقضات، أثرياء يمتلكون أفخر القصور فى «كان» ويسيطرون على الشركات متعددة الجنسيات، وآخرون ينتمون لمافيا غسيل الأموال، فى الوقت نفسه الذى يعرض المخرجون اليساريون أفلاما تنتقدهم، ورغم ذلك يعيش كل فى عالمه داخل «كان»، المخرجون يعيشون اليل والنهار داخل قاعات السينما، والأثرياء يتباهون بنسائهم الجميلات وشراء أغلى أنواع الحلى، ولعب القمار، والسهر والرقص حتى الصباح.
هذا التناقض تجده أيضا داخل المدينة من محلات تجارية أمام قصر المهرجان يصل فيها سعر البدلة «الإسموكن» إلى 10 آلاف يورو، ومجموعات من الماس والمجوهرات النفيسة تصل إلى مئات الآلاف من اليوروهات، تبحث عن ثرى خليجى، أو عضو فى المافيا كى يشتريها هدية لصديقة جديدة، فى الوقت نفسه على بعد 100 متر من المهرجان هناك سوق صينى يبيع الملابس والهدايا بأسعار زهيدة، هناك مطاعم لا يقل فيها ثمن وجبة الغداء عن 200 يورو، ومطاعم أخرى يصل فيها سعر وجبة الشاويرما التركى إلى 15 يورو.
وللتسول أصول فى عاصمة السينما العالمية، فالمتسولون يعزفون الموسيقى فى الشارع ويضعون طبقاً صغيراً أمامهم كى تضع فيه بضعة سنتات دون أن يطاردك أو يلح عليك، موسيقاه تجبرك أن تترك كل شيء وتذهب له وتعطيه «حسنة».
التناقضات تبدأ من داخل مطار نيس الدولى وهى أقرب مدينة لـ«كان» لديها مطار كبير، حيث تجد عشرات من الطائرات الخاصة تصطف أمامك وطائرات أخرى بها آلاف من الزوار ممن يبحثون عن تذكرة اقتصادية قاموا بحجزها منذ شهور كى يحصلوا على سعر أرخص، وعلى باب المطار تجد سيارات فخمة يتجاوز طولها 4 أمتار فى انتظار أصحاب الطائرات الخاصة، وآخرون يسيرون حتى موقف الأتوبيس العام ليستقلونه من نيس إلى كان مقابل 12 يورو.
تتحول المدينة فى فترة المهرجان إلى فندق كبير، يؤجر سكانها بيوتهم الخاصة حجرة، حجرة، ولا يقل سعر الحجرة عن ألف يورو طوال فترة المهرجان، وهناك آخرون يؤجرون يخوتاً خاصة وشققاً أمام قصر المهرجان حيث لا يقل ثمن ايجار اليخت فى 12 يوماً عن 6 آلاف يورو، وتصل بعض اليخوت إلى 20 ألف يورو.
الفروق الطبقية بين البشر تستطيع أن تراها فى هذا المهرجان، وتراها بوضوح أكثر داخل قاعات السينما التى تعرض أفلاما تتناول هموم الجميع من أمريكا اللاتينية حتى إفريقيا.
داخل فاعليات الدورة 66 للمهرجان نرى 21 فيلما من فرنسا وأمريكا واليابان والصين وتونس وتشاد وإيران والمانيا وانجلترا والدنمارك وايطاليا وبلجيكا وإسبانيا والمكسيك وهولندا، تتنافس داخل المسابقة الرسمية، حيث تشارك أمريكا بأربعة أفلام من بينها فيلم إنتاج مشترك مع فرنسا، وتستحوذ فرنسا على نصيب الأسد فى المسابقة الرسمية من خلال 11 فيلما ما بين إنتاج كامل أو مشاركة مع دول أخرى، وتبدو العلاقة بين مهرجان «كان» والسينما الأمريكية شديدة الغموض، فالمهرجان لا يستطيع أن يستغنى عن نجوم السجادة الحمراء الأمريكان أو الأفلام الهوليودية لأنها مازالت الأكثر إقبالا، والدورات التى يحاول فيها المهرجان تقليل المشاركة الأمريكية يخسر كثيرا، وفى المقابل يسعى المهرجان لعرض سينما مختلفة عن النمط السائد والتأكيد أن السينما الأمريكية ليست هى البديل الوحيد المتاح أمام الجميع، لذا يحتفى كثيراً بمخرجين تمردوا على قواعد هوليود ويميلون أكثر إلى اليسار، ومنهم مايكل مور وشون بن وغيرهما.
هذا العام يستضيف المهرجان السينما الهندية كضيف شرف بعدما بدأ فى ممارسة هذا التقليد منذ عامين، كانت أول دولة استضيفت كضيف شرف هى مصر تكريما لثورة 25 يناير، وللأسف الشديد لم تكن الأفلام المصرية المشاركة على مستوى الحدث، رغم أن مصر عادت إلى المسابقة الرسمية فى الدورة الماضية لمهرجان «كان» بعد غياب سنوات بفيلم «بعد الموقعة» إلا أنها هذا العام خالية الوفاض ولم يشارك لها فيلم فى أى من الفاعليات الرسمية للمهرجان، وهناك مشاركة عربية متواضعة من خلال فيلم «حياة ميلادى» للمخرج التونسى عبداللطيف كشيش فى المسابقة الرسمية الذى أعتبرته إدارة المهرجان فى المطبوعات الرسمية فيلماً فرنسياً فقط، لأن جهة الإنتاج فرنسية، ولم يلتفتوا إلى أن مخرج الفيلم تونسى الأصل. وفى مسابقة الأفلام القصيرة يشارك الفيلم الفلسطينى «واقى ضد الرصاص» إخراج الأخوين محمد وأحمد أبوناصر، ويشارك المخرج الفلسطينى هانى أبو أسعد بالفيلم الروائى الطويل «عمر» فى مسابقة «نظرة خاصة» ويروى قصة أصدقاء الطفولة ثلاثة رجال وامرأة شابة يفرقهم نضالهم من أجل الحرية، كما يشارك الفيلم السورى «الكلب» لفارس خاشوق للعرض فى زاوية الأفلام القصيرة فى مهرجان «كان» السينمائى.
طوال السنوات الماضية كان لمصر جناح كبير على شاطئ الريفيرا فى سوق المهرجان وكان يتحمل تكلفته المنتجون والموزعون ووزارة الصناعة، لكن هذا العام اختفى الجناح المصرى لعدم وجود امكانيات مادية والأزمة الاقتصادية التى تواجهها صناعة السينما فى مصر، وبجهود شخصية من سهير عبدالقادر نائب رئيس مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، نجحت فى الحصول على جناح صغير داخل قصر المهرجان، أقل فى الفخامة والمستوى من السنوات الماضية، ودعم تكلفة هذا الجناح وزارة السياحة ومهرجان القاهرة السينمائى وشركة نيو سينشرى للإنتاج.
فيلم الافتتاح أمريكى يحمل اسم «جاسبى العظيم» ثلاثى الأبعاد ويشارك فيه عدد كبير من نجوم هوليود منهم ليوناردو دى كابريو وكارى موليجان.
الطابع الهوليودى فى حفل الإفتتاح يطغى أيضا على لجنة التحكيم التى يرأسها المخرج الكبير ستيفن سبيلبرج ومعه أيضا نيكول كيدمان.