السر في الثلاجة.. فاعلو الخير يوفرون حياة كريمة للمحتاجين بحلوان
من السهل أن تلفت الأنظار على بعد أمتار ولكن من الصعب أن يفهم الجميع السر الحقيقي وراءها، تلك اللافتة الصفراء الكبيرة التي تظهر ملامح الكلمات المدونة عليها بوضوح مع الاقتراب منها لتثير الجدل بين الناس حينما يقرأون عبارة "هنا ثلاجة الخير"، ومع التوجه تمامًا إلى جوارها يجد أهالي حلوان أنفسهم أمام ثلاجة كبيرة وسط الشارع محملة بخيرات الطعام والشراب، متاحة لكل من امتدت يداه بحثًا عما يسد الرمق وسط قسوة ظروف المعيشة.
فأمام محل زهور حلوان بشارع مصطفى المراغي، وُضعت ثلاجات ملأها أصحاب الخير - ممن رفضوا الإفصاح عن هويتهم- بما لذ وطاب من الطعام: "بنحط فيها سندويتشات وحليب وعصائر وفاكهة وخضار"، فيتبرع أهل الخير وسكان المنطقة بهذه الأطعمة إلى الثلاجة، بينما يقوم البعض من بينهم بتحضير وجبات ساخنة وباردة ليتناول المحتاجون منها دون حاجة إلى السؤال.
"المال مال الله".. بهذه العبارة اتخذ أصحاب الفكرة شعارهم الذي يسيرون على خطاه نحو نشر ثقافة فعل الخير بين الناس، فلا يبالون بحقيقة احتياج من يتناول الطعام من الثلاجة بقدر اهتمامهم بملئ البطون العاجزة وإدخال السعادة على نفوسهم، بل يرون أن هذه الثلاجة بمثابة هبة من الله يضعها القدر أمام من يستحقها ويحتاج إليها من الناس.
وفي الوقت الذي تسعى الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين عبر مبادرة "حياة كريمة" لإنقاذ الفئات الأكثر احتياجًا من المشردين والعاجزين، كان أصحاب تلك الثلاجات يبذلون جهدهم لتوفير نفس تلك الحياة الكريمة والمستقرة بين الناس بطريقتهم الخاصة عبر "ثلاجات الخير" كمبادرة فردية تحث على أن يكون الإنسان هو منبع الخير لأخيه دون تفكير.
وبالرغم من أن الفكرة بدأت لدى فاعلي الخير منذ قرابة شهرين، إلا أنهم تمكنوا من تنفيذها في فترة زمنية قصيرة بعدما نشروا اقتراحهم بوضع الثلاجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليساهم القادرون في توفيرها داخل المنطقة، وبالفعل نجحوا في تطبيق الفكرة التي تشهد يومها الأول كعيد دائم يستمر طوال العام للفقراء.
وعن طريق محل زهور حلوان، الذي يشارك صاحبه في تنفيذ الفكرة، يتم توصيل الكهرباء إلى الثلاجات لتستمر في تأدية مهمتها بتوفير الطعام إلى المحتاجين كما يتناوله الجميع طازجًا في منازلهم حتى لا ينتابهم شعور بالتفرقة، خاصة مع برودة الطقس الحالية، كما يسعى أصحاب الخير إلى وضع مظلات كبيرة كسقف للثلاجات يحميها من عوامل الجو.
ولحداثة تنفيذ الفكرة لم يواجه أصحابها مشاكل حتى الآن في وضع الثلاجة بالشارع، ولكنهم يهدفون إلى نشرها على نطاق أوسع بين الناس لتعم الفائدة منها في مختلف محافظات مصر باتخاذ ثلاجتهم نموذجًا يستحق التقليد كنوع من المنافسة على استشعار لذة الخير، ولكي يتوجه المحتاجون والمشردون صوب ثلاجهم من كل أنحاء المحافظة حتى لا يقتصر الخير على المترددين من الشوارع المجاورة بالمنطقة فقط: "الخير كتير ومبيخلصش فيها عشان ولاد الحلال كتير".