منال لاشين تكتب: حياة كريمة لأصحاب المعاشات
معاش مدير عام 1290 جنيهًا فقط
إلغاء مكافأة نهاية الخدمة ورصيد الإجازات ضربة قاسية لـ19 مليون مواطن
صناديق المعاشات خسرت 25 مليارًا فى صفقة ساويرس
كنا مجموعة من السيدات نجلس فى بيت إحدى الصديقات. اقترحت صديقة أن نشاهد إعادة مسلسل أبو العروسة لأنها لم تشاهده فى الليلة الماضية. لم نكن نتابع الحلقة بشكل كامل، إلا أننى فوجئت بصرخة ثلاث صديقات تعليقاً أو بالأحرى غضبا على مشهد فى المسلسل. كان البطل عبدالحميد يقول لزوجته إنه حصل على مكافأة نهاية خدمة قدرها 90 ألف جنيه بعد خصم القرض الذى حصل عليه لتزويج ابنته. حاولت أن أفهم سبب الغضب. فاكتشفت من صديقاتى أن مكافأة نهاية الخدمة تم إلغاؤها. بعيدا عن جلسة الصديقات بحثت عن أوضاع أصحاب المعاشات. وكان البحث مؤلما وشاقا علىَّ. كنت أعرف أن أوضاع أصحاب المعاشات صعبة.وقد رفضت فى تعليق سابق المساس بالمعاشات واقتطاع نسبة لذوى الاحتياجات الخاصة. رغم هذا وذاك فإن البحث فى ملف أو بالأحرى أوجاع أصحاب المعاشات كشف لى الكثير والكثير من معاناة أهلنا الآن مع موجات الغلاء خاصة جنون أسعار الدواء. وهى أوضاع تتناقض عن حقوق ومليارات أصحاب المعاشات فى الصناديق من ناحية والواجب الوطنى الذى حرصوا على المشاركة فيه بقوة. فضلا عن هذا وذاك فإن هناك واجبًا أخلاقيًا تجاه أهالينا من أصحاب المعاشات.
1- الضربة القاضية
كانت الحسنة الوحيدة للموظفين فى الإحالة للمعاش هى مكافأة نهاية الخدمة. بحسب القانون كان المحال للمعاش يحصل على مكافأة سخية وتحسب بمجموع راتب شهرين عن كل عام عمل، وإمعانا فى دعم أصحاب المعاشات. كان يتم حساب المكافأة على أساس آخر مرتب يحصل عليه الموظف. وكان هناك أيضا مكافأة رصيد الإجازات والتى كانت تصل إلى ثلاثين شهرا.
ولكن كل ذلك تبخر فى سخونة الإصلاح الاقتصادى..تقلصت كل من مكافأة نهاية الخدمة ورصيد الإجازات إلى ثلاثة شهور فقط.
وهكذا فقد أصحاب المعاشات الجدد السند الوحيد الذى كان يهون شقاء الانخفاض الحاد فى دخل الموظف المحال للمعاش. الآن وكمجرد مثال فإن المهندس المحال للمعاش على درجة مدير عام يحصل على معاش قدره 1290 جنيهًا.بالإضافة إلى معاش نقابة المهندسين بنحو 600 جنيه.وعلى الرغم من ضآلة الرقم فإن حال المهندسين أفضل من خريجى التجارة حيث يبلغ معاش النقابة 50 جنيها.ومعاشات معظم النقابات المهنية خاصة العملية منها ضئيلة جدا.
والصورة الآن قاتمة ومؤلمة. الموظفون الذين أحيلوا للتقاعد حديثا لم يحصلوا على مكافأة نهاية الخدمة ولا رصيد إجازات محترمة، والمحالون للمعاش منذ سنوات تضاءلت أو بالأحرى انهارت قيمة أموالهم. وعجزت معاشات كل من الفريقين عن مواجهة أعباء المعيشة والقفزة الهائلة فى الأسعار بعد تعويم الجنيه وإجراءات رفع الدعم. وتساوى الجميع فى الأزمة فالأعباء تزيد والأمراض أيضا بالنسبة لفئة أعجزها المرض والشيخوخة عن القدرة على العمل لمواجهة الأعباء. كل هذه المعاناة وهم أصحاب ثروة من أقساط المعاشات التى تقتطع من 19 مليون مواطن. ثروة لو أحسن استغلالها لدرت مليارات من الجنيهات أصلحت أحوالهم.
2- صفقات مشبوهة
استغلال مليارات أصحاب المعاشات بدأ منذ سنوات عديدة خلال حكم مبارك. كانت الحكومة تستولى على أموال المعاشات وتعطيهم مقابل ذلك فائدة تعادل فائدة الودائع على البنوك. ولم تتح لصناديق أصحاب المعاشات الاستثمار فى المشروعات مضمونة الربحية. وحدث ذات مرة أن سمحت الحكومة لصناديق المعاشات بشراء نسبة كبيرة من أسهم شركة المحمول الأولى وأظن أنها كانت 80% إذا لم تخن الذاكرة. ثم أجبرت الصناديق على بيع كامل حصتها لرجل الأعمال نجيب ساويرس وبنفس سعر السهم الذى اشترت به الصندوقين. كان تلك الجريمة فى عهد رئيس الحكومة الدكتور كمال الجنزورى. وحين نعلم أن أرباح شركة موبنبيل (أورانج الآن) بلغت خلال سنوات عملها نحو 25 مليار جنيه، فلاشك أننا ندرك الخسارة الفادحة لأصحاب المعاشات من قرار بيع الأسهم لرجل أعمال. وذلك بدلا من أن تستفيد صناديق المعاشات التى كانت تملك الأموال لشراء إدارة محترفة وتطوير الشبكة، وهو ما فعله نجيب ساويرس.
مرة أخرى حاولت الدولة خلال حكومة الدكتور عاطف عبيد رحمه الله استبدال ديون المعاشات لدى الحكومة بمشروعات اقتصادية خاسرة، ورفض منح أصحاب المعاشات استثمارات مربحة مثل شركات ومصانع الأسمدة والأسمنت التى بيعت لرجال أعمال. وبالمثل رفض عاطف عبيد أن يمنح صناديق المعاشات أراضى فضاء من ملكيات شركات قطاع الأعمال حيث يسهل بيعها. حتى استثمار جزء من أموال المعاشات فى البورصة جاء لدعم البورصة وليس دعم أموال المعاشات وتوقف تحت رغبة الحكومة فى الاستيلاء على أموال المعاشات ودفع فائدة لا تسمن ولا تغنى من جوع.
ولذلك فإن نسبة علاوة 10% التى ترميها الحكومة لأصحاب المعاشات تمثل نسبة ضئيلة جدا من حقهم المسلوب بعدم استثمار أموال المعاشات استثمارًا جيدًا. وكون هذه التجاوزات والجرائم قد حدثت فى عهود سابقة على الحكومة الحالية أو النظام الحالى، فإن ذلك لا يسلب أصحاب المعاشات حقوقهم.
خاصة أن الحكومات المتعاقبة استغلت أموال ومليارات المعاشات فى إقامة مشروعات البنية التحتية فقط، وحرمت على صناديق المعاشات الاستثمار المربح فى أى مشروعات أخرى. وفى الوقت التى أصبح نجيب ساويرس واحدًا من أغنى أغنياء العالم، وفى الوقت الذى أتيح للكثيرين فرصا للاستثمار وتكوين مليارات، فى نفس الوقت حرمت صندوقى الاستثمار من هذه الفرص والمليارات.
3- حلول عاجلة
لعب أصحاب المعاشات وشيوخ مصر دورا لا يمكن إنكاره أو التقليل منه فى تثبيت أركان ثورة 30 يونيو أو بالأدق دولة 30 يونيو. لم يتخاذلوا عن المشاركة الفعالة المكثفة فى كل استفتاء أو انتخابات برلمانية أو رئاسية، ولذلك أشرت فى بداية مقالى إلى الدور الوطنى الذى لعبه شيوخ مصر متحدين الحر والبرد والمرض ليساندوا الدولة المصرية. وآن الأوان أن نرد لهم بعضا من حقوقهم الوطنية والاقتصادية والأخلاقية. يجب أن تبحث الحكومة والمجتمع كله عن حلول عاجلة لمساندة أصحاب المعاشات الآن وليس غدا. حلول تبدأ بصرف العلاج لهم مجانا أو بتخفيض كبير بديلا عن بهدلة التأمين الصحى الذى اعترفنا بفشله ونبنيه من جديد. لأن أصحاب المعاشات يفقدون العلاج المجانى والمخفض الذى كانوا يحصلون عليه فى وزاراتهم ومؤسساتهم. ولذلك فإن منحهم علاجا ودواء مجانا أو بتخفيض كبير يسهل عليهم الحياة الصعبة.
بالطبع زيادة العلاوة السنوية لأصحاب المعاشات بنسبة 25% على سبيل المثال يساهم فى رفع المعاناة عنهم.
من الممكن تقديم خدمات بتسهيلات لأصحاب المعاشات يشارك فيها المجتمع بأكمله مثل خدمات ترفيهية. هناك أفكار كثيرة لتخفيف العبء عن أصحاب المعاشات لو صدقت النوايا. فأسهل حل هو إضافة العلاوات لأصحاب المعاشات بدلا من جرجرة أهالينا فى المحاكم الإدارية والدستورية..يمكننا أن نساوى بين الموظف وأصحاب المعاشات فى الدخل الأدنى للدخل تنفيذا واحتراما للدستور، وذلك قبل أن يكون تنفيذا لقواعد الرحمة والأخلاق والحقوق.
قضية أو بالأحرى معاناة أصحاب المعاشات لا تتحمل التأجيل أو التأويل أو المناورة أو المجادلة نحتاج أن نفتح قلوبنا وعقولنا لابتكار أفكار ترفع عن أصحاب المعاشات عبء المعاناة فى شيخوختهم. وإذا تحجج أحد بضيق اليد والأزمة الاقتصادية الحكومية، فرد عليه بأن الدين المحلى لمصر وصل إلى 3.6 تريليون جنيه. فإذا تكلف إصلاح أحوال أصحاب المعاشات 10 ولا 20 مليار جنيه فلن تؤثر كثيرا أو قليلا فى حجم الدين المحلى لمصر.
أرجوكم أنقذوا أصحاب المعاشات وارفعوا عنهم الأعباء.