مصطفى محمد يكتب: موجة الواقعية.. ( تسونامي ) كرة القدم العالمية
على المستوى الشخصي أعشق كل ما هو إيطالي، بداية من شعبها المرح الودود وانتهاء بـ مايكل انجلو وحتى سيلفيو برلسكوني
ولا أكره في هذ البلد الذي يحتضن دولتين داخل حدوده ( الفاتيكان وسان مارينو )، سوى شيئين فقط وهما الباباراتزى، بجانب كونها انجبت لنا هذا الشخص المدعو نيكولو دي ماكيافيلّي! صاحب مبدأ " الغاية تبرر الوسيلة ".
وبعيدا عن الجدل حول مدى أخلاقية هذا المبدأ، فإنه بلا شك أثر كثيرا على شخصية الطليان، عندما دشنوا مدرستهم في كرة القدم، والتي تعد الأعرق عالميا بعد الكرة الإنجليزية، التي انعكس على طرق لعبها هي الأخرى رتابة وملل وبرود الإنجليز!
وإذا كانت الكرة الإنجليزية التقليدية قد انقرضت من على وجه البسيطة تقريبا ولله الحمد، إلا إن الكاتيناتشو الإيطالية.. أعادة انتاج نفسها وكأنها خلايا جذعية.. لا يمكن الاستغناء عنها كوصفة سحرية.. مضمونة وأقل تكلفة للمدربين من أجل إحياء وتجديد آمالهم بتحقيق الألقاب.
والأمر اللافت حول الكاتيناتشو، التي كانت ولا زالت ماركة مسجلة حصريا" باسم الآزوري، وأحيانا تستعيرها بعض المنتخبات الفقيرة فنيا" في العالم، فإذ هي تتحول إلى منتج رائج بل مكتسح في سوق كرة القدم العالمية.
وهاهو فيلسوف الواقعية البرتغالي فرناندو سانتوس، يفتتح المزاد العالمي على المدرسة الواقعية ويغير جلد برازيل أوروبا ليحصد أول ألقاب البرتغال في تاريخها، اليورو 2016.
ورأينا في مونديال روسيا 2018 كيف وصل للنهائي فريقان يعتمدان بشكل أساسي على الأسلوب الدفاعي البحت.
فـ كرواتيا التي أبهرت العالم، قدمت من إجمالي 7 لقاءات مباراة واحدة ممتعة أمام الأرجنتين في دور المجموعات. وفازت في مباراتين بركلات الترجيح وباقي الانتصارات كانت من كرات ثابتة وألعاب الهواء، قبل أن تخسر اللقب أمام فرنسا، لتشرب من نفس الكأس وبنفس طريقة اللعب!
ولم يختلف مسار الديوك الفرنسية أبطال كأس العالم، الذين لم يمتعونا بكرتهم الجميلة إلا مرة، وللمفارقة كانت أمام الأرجنتين أيضا عندما ازاحوا راقصي التانجو من دور الـ 16. حيث تبنى الفرنسيين بقيادة ديشامب، استراتيجية الدفاع الضاغط المتحفظ وتضييق المساحات والاستغلال الأمثل للكرات العرضية والضربات الثابته والكرات الطولية ( البالونية) في الاختراق من العمق والأطراف!
ولا يمكننا أن ننسى ما فعلته تشيلي في ليونيل ميسي، بالدفاع وقتل المساحة والزمن في كوبا أمريكا مرتين متتاليتين 2015، 2016.
وبواقعية هيكتور كوبر، بلغ الفراعنة نهائي الكان 2017 ومونديال روسيا بعد غياب طويل.. وللمصادفة فإن كوبر هو من قاد أوزباكستان لثمن نهائي أمم آسيا الإمارات 2019.
وفي هذه النسخة من الإمارات 2019 وصل لربع نهائي البطولة 8 منتخبات ينتمي جميع مدربيها إلى المدرسة الإيطالية ويعتمدون على الأداء بواقعية وتحفظ.
وفي محاولة لإيقاف مد هذه الموجة العاتية التي تهدد بتدمير شغف جماهير الساحرة المستديرة اللعبة الأكثر شعبية في العالم، تحتاج أسرة كرة القدم العالمية لأفكار خارج الصندوق!
وربما يتأتى ذلك بإحداث تغييرات صادمة في قوانين اللعبة، والتي منها تقليل عدد اللاعبين إلى 10 فقط كما ينادي البعض، أو إلغاء التسلل أو تعديل شروطه كما يطرح آخرون.