"قصب وقلقاس وفانوس البرتقال" أصل مظاهر عيد الغطاس
مشهد معتاد للغاية، عدد من العربات الكارو، التي تحمل أعواد القصب، وتدور في شوارع المحروسة، ويوقفها الكبار والصغار، حيث يأخد كل منهم إلى بيته كل ما يستطيع حمله من قصب، وتتبارى السيدات في الأسواق لاختيار أفضل ثمار القلقاس، كما يهرع الجميع إلى بائع البرتقال لأخذ أكبر كمية منه.
عادات نشأ المصريين ومارسوها وألفوها سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، ولم نتساءل يومًا لماذا في هذا اليوم الذي تترنم في الكنائس وتدق له أجراسها، وتتردد كلمة الغطاس يجب أن نأكل القصب، وننزع قشرة القلقاس، ونوقد شمعة في وسط ثمرة البرتقال.
يقول الدكتور خالد غريب أستاذ الآثار بكلية الآثار جامعة القاهرة، إن الرمزية في الفن المسيحي تكاد تكون طاغية، حيث اعتاد أن يعبر الفنان عن جزئيات عقيدته بصورة "أيقونة"، والأيقونة هى صور تحكي أحداث الكتاب المُقدس ليسهل على العامة فهم ما ورد به من معجزات وعظات وأحداث، أو برمز يشير إلى ما يعتقد.
وأضاف غريب في تصريحات خاصة لبوابة الفجر الإلكترونية، إن الغطاس يرتبط اتباطًا وثيقًا بحدث تعميد السيد المسيح عليه السلام في نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان، وأكل ثمرة القلقاس ونبات القصب هو إشارات أو رمزيات للتطهر، فنزع قضرة القلقاس، وكذلك قشرة القصب فيها إشارة ورمزية ببتعميد، الذي هو التطهر في العقيدة المسيحية، وهي عادات تأتي جزءًا من العرف الديني الشعبي المرتبط بالرمزية المسيحية.
ومن ناحيتها قالت الدكتورة هايدى موسى مفتشة آثار في القاهرة التاريخية، إنه من خلال ما ورد في "الإنجيل" بدأ الفنان القبطي يصور حدث التعميد، أو العماد، بـ "أيقونات"، فمنذ القرن الثانى الميلادى حفظت لنا صور ورسومات جدارية "أيقونات" حدث التعميد، وإستخدمت لها رموز عديدة مثل السمك، والمرساة، والأنهار الأربعة.
وأشارت موسى إلى أن صور العماد أو التعميد بدأت تتخذ تصويرًا أوضح حيث تحتفظ كنيسة السيدة العذراء الدمشيرية بأيقونة تصور القديس يوحنا المعمدان أثناء تعميده للسيد المسيح عليه السلام فى نهر الأردن، وتعود الأيقونة إلى القرن الثامن عشر الميلادي، وهي من تصوير الفنان إبراهيم الناسخ، ويوجد أيقونة أخرى محفوظة بكنيسة السيدة العذراء في حارة زويلة تعود للقرن التاسع عشر الميلادي.
وعن مراسم الاحتفال في مصر قالت موسى، إنها كانت تتم على شاطئ النيل حتى أوقفها الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي، وكان من العادات الشعبية المتوارثة لدى المسيحيين، والتي لها رمزية فى العقيدة المسيحية، هو أن يأكلوا خلال عيد الغطاس ثمرة القلقاس.
واشارت موسى إلى أن القلقاس يحمل رمزية لحدث المعمودية، حيث يحوي مادة سامة، إلا أن هذه المادة لو اختلطت بالماء تحولت إلى مادة مغذية، إذًا فهو يشبه ماء المعمودية الذي يتطهر به الإنسان من الخطيئة كما يتطهر القلقاس من المادة السامة بواسطة ماء الطهي، كما أن القلقاس يدفن في الأرض ثم يصعد ليصير طعاماً، والمعمودية هي دفن أو موت وقيامة مع المسيح، كذلك القلقاس لا يؤكل إلا بعد خلع القشرة الخارجية، فبدون تعريته يصير عديم الفائدة، فلابد أولاً من خلع القشرة الصلدة قبل أكله، ونحن في المعمودية نخلع ثياب الخطية لكي نلبس بالمعمودية الثياب الجديدة الفاخرة، ثياب الطهارة والنقاوة، لنصير أبناء الله، حسب الاعتقاد المسيحي.
وأضافت موسى أن المسيحيين اعتادوا أيضًا تناول قصب السكر الذي يذكر بضرورة العلو في القامة الروحية وإفراز الحلاوة من قلوب بيضاء نقية تعتصر من أجل الأخرين.
كما اعتاد الأطفال –والكلام لهايدي موسى- أيضاً صناعة فانوس عيد الغطاس، وهو الأشبه بفانوس رمضان، والذى يُصنع من البرتقال، بعمل تجويف داخل ثمرة البرتقال ثم وضع شمعة داخلها وتعليقها بثلاث سلاسل تزين بحبات المكرونة أو الخيوط الملونة، لتصبح البرتقالة مصباح نور للعالم كله، فالبرتقالة تشير إلى الإنسان فى محتواه، والمياه هى الحياة، والسلاسل هى الخيط الذى يربط الإنسان بالحياة، والشمعة ترمز إلى النور داخل الإنسان.
وعن الاحتفال نفسه قالت موسى إن الكنيسة المصرية تحتفل بعيد الغطاس المجيد، لما فيه من أحداث هامة، فقد أطلق عليه عيد الأبيفانيا أي المعمودية بالتغطيس، كما تُطلق عليه الكنيسة أيضا اسم "عيد الظهور الإلهي"، فطبقًا للإنجيل ظهر خلال تعميد "تغطيس" المسيح في نهر الأردن الأقانيم الثلاثة الآب والابن والروح القدس، وهوعيد العماد حيث يحتفل فيه بعماد السيد المسيح عليه السلام بمياه نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان وذلك وفقًا للاعتقاد المسيحي،.
وأشارت موسى إلى أن الغطاس يُعد من الأعياد السيدية الكبرى، حيث يُرمز للغطاس بالمعمودية "التغطيس"، وهي شرط أساسي ليكون الإنسان مسيحيًا وفقا للعقيدة الأرثوذكسية، ويكون الاحتفال بالغطاس دائما في موعد ثابت، بعد 12 يومًا من الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، وتؤدى فيها الصلوات بالطقس الفرايحي.
ولم يكن نزول السيد المسيح، في المعمودية لكي يولد من الماء والروح لكنه كان نازلًا من أجل المسحة فى المعمودية لذلك سُمى بالمسيح.
أما يسوع فهو اسم الولادة، حيث يذكر الكتاب المقدس هذا الموضوع فى أكثر من موضع منها "وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ قَائِلًا: "تُوبُوا،لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ، فَإِنَّ هذَا هُوَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ,اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً.