بطرس دانيال يكتب: الصلاة…حوار القلب مع الله
يعلمنا السيد المسيح قائلا:وإذا صليتم فلا تكرروا الكلام عبثا مثل الوثنين,فهم يظنون أنهم إذا أكثروا الكلام يستجاب لهم.فلا تتشبهوا بهم,لأن أباكم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه(متي6:7-8).كم من المرات التي نردد فيها هذه العبارة:ليس لدي وقت للصلاة,والمبرر هو أن نعفي أنفسنا من التفرغ لله,ونعطيه قليلا من وقتنا كل يوم,وننسي أنه يجود علينا بالحياة كلها لحظة بلحظة,في حين أننا نهدر الساعات في أشياء أخري لا طائل منها.يتخيل البعض أن الله يعاقبنا لتركنا الصلاة,ولكن الواقع أننا نعاقب أنفسنا إن لم نصلي,لأننا بدون الصلاة ندمر ذاتنا ونقودها للفراغ والفشل واللا حياة.فالصلاة هي أداة لخيرنا الأعظم,لأنها حديث وحوار الإنسان مع الله أبيه.أي شرف نناله من حديثنا مع الله أبينا!
وأي نعم وبركات تمطرها الصلاة علي حياتنا!فالله ليس بحاجة إلي صلاتنا المحدودة التي نقدمها له كل يوم,ولكننا بحاجة إليها,ولن نستطيع أن نحيا بدونها إذا رغبنا في توطيد العلاقة مع الله.إن العالم النابغة أمبير الذي قدم للإنسانية أعظم خدمة باكتشافه التيار الكهربائي والتلغراف,لخص نجاحه في خطاب كتبه لابنه الطالب في جامعة باريس قائلا له:بني الحبيب!
أعكف علي الدرس بعين واحدة,ولتكن الأخري محدقة دوما في الله الحاضر أمامك,فهو وحده يوليك الذكاء الحقيقي وأنصت إلي أساتذتك العلماء بأذن واحدة لتكون الأخري علي استعداد دائم لسماع صوت الله الذي يتكلم في داخلك,وإن كتبت,لاتكتب إلا بيد لتمسك بالأخري يد الله علي نحو مايفعل الطفل الذي يتبث بيد والده,فإن لم تفعل ما أوصيك به عثرت وتحطمت.
يالها من نصيحة بسيطة وواضحة حتي نعطي وقتا كافيا للتقرب من الله بالحديث معه والاستماع إليه والثقة فيه,وكل هذا سيكون مصدر نجاحنا وسعادتنا.
مما لاشك فيه أن حضور الله في حياتنا هو نعمة عظيمة,كما أن العمل والدراسة تحت أنظاره لن يصيبهما أي عائق,لأن الله هو الذي يساعدنا علي تجنب المخاطر عندما نقترب منه بالصلاة والعبادة.ويقول الفيلسوف أفلاطون:إن أفضل ما نعمله لجعل حياتنا مشرقة وعظيمة,هي أن نحياها تحت أنظار الله.
فمن لايصلي يخطئ في حق ذاته لأنه يرفض كل ما هو ضروري وأساسي لحياته حتي أنها تصبح بلا معني,كما أنه يخطئ في حق الآخرين,لأنه سيصبح مقصرا في علاقته بهم,فالصلاة هي السر العظيم لنتحلي بوجه مشرق أمام الآخرين.وإذا تركنا الله يعمل فينا بنعمته عندما نصلي له,يتألق نور الصلاة علي وجوهنا,ولكن إذا تركنا الصلاة أو تلاشت من حياتنا,تنقبض النفس ويظلم نورها.كم من الأعداد الغفيرة لهؤلاء الذين لايصلون إلا إذا كانوا بحاجة من الله؟فإذا ذهبت الحاجة,ماتت الصلاة في داخلهم وحياتهم,ولم يدركوا أن الصلاة هي بمثابة حديث ودي بين الله وأبنائه.من منا يتخيل أبنا لايتحدث مع أبيه الذي يضحي من أجله ويوفر له كل شئ بحاجة إليه؟أو أننا نقبل من الابن أن يتناول الحديث مع والده عندما يكون بحاجة إليه فقط؟مما لا شك فيه سيرفض الجميع عذا التصرف المشين,لأنه يعبر عن علاقة مصالح شخصية فقط يجب أن نمحو من مخيلتنا أن الله جامع للضرائب,وخاصة ضريبة الصلاة,فالله ليس محاسبا,بل معطي بسخاء,وليس محصلا,ولكن مانح الهبات.
إذا علاقتنا به مبنية علي المجانية وليست علي الحسابات الصارمة,فالله ينتظر منا أن نكتشف نعم الصلاة في حياتنا.
وما أجمل كلمات السياسي الأسباني Donoso Cortes:الذين يصلون يعملون في سبيل العالم أكثر من الذين بحاربون وإذا كان العالم يتحول من سئ إلي أسوأ,فالسبب أنه يوجد معارك أكثر مما توجد صلوات.
نحن لانفرح قلب الله عندما نؤدي صلواتنا كأنها واجب مفروض علينا,حتي أننا نرفعها له دون رو ولا حياة ولا طعم,ويصل الحال بنا أننا نصلي وعلي وجوهنا الكآبة والحزن والغضب منتظرين اللحظة التي فيها ننتهي من هذا الواجب وكأنه دين,ولكن الله يسر بهؤلاء الذين يعتبرون الصلاة كالهواء والماء في حياتهم,كأنها حوار بين الوالدين وأبنائهما.ونختم بالعبارة الرائعة:هنا فرق شاسع بين من يصلي ليستريح بها,ومن يصلي ليستريح منها.