سامى جعفر يكتب: بأى حال عدت يا ذكرى ناصر

ركن القراء

الرئيس جمال عبد الناصر
الرئيس جمال عبد الناصر


مر 100 عام على مولد الرئيس جمال عبد الناصر، لكنه لم يتحول لجزء من التاريخ المصرى، وظل متورطاً فى الأحداث التى مرت بالوطن، بدرجة أكبر بكثير مما هو مطلوب، لاستدعاء سياساته، ومواقفه، ما جعله موجوداً فى مساحة تخضع للجدل السياسى، بدرجة أكبر بكثير من الدراسة الجادة والعميقة لتاريخه، سواء من محبيه الذين اقتصر جهدهم على تبرير سياساته، أو كارهيه الذين لم يروا فيه سوى شيطان.

أسوء ما فى الاستقطاب حول سياسات ناصر، أن هذه الحالة تمنع إصلاح السياسات العامة التى لاتزال باقية من فترة حكمه، أو تطويرها فى بلد مثل مصر، عاش طيلة السنوات الـ56 التى أعقبت ثورة 23 يوليو، مروراً بانتفاضتى 25 يناير و30 يونيو، فى ظل نظام واحد تعاقب عليه رؤساء مختلفون، محمد أنور السادات وحسنى مبارك، ثم عبد الفتاح السيسى، وهم جميعاً رؤوس فى نظام «ناصرى» التوجهات، لا يمكن اعتباره حكماً مدنياً خالصاً، حيث تحكمت فيه عقلية عسكرية ودينية.

مهمة التاريخ أن يكون وسيلة للكشف عن الأخطاء لعدم تكرارها، وتعظيم الإيجابيات بتطويرها، وما حدث مع عبد الناصر، ليس أمراً فريداً من نوعه، إذ أن التمجيد والتحقير من سيرة قائد بحجم ناصر، أمر تكرر مع غيره حتى لو مر على وفاة صاحب السيرة مئات السنوات، كما أن المديح العالى للرجل من جانب الناصريين، ليس بدعاً إذ أنه يتضاءل أمامه ما فعلته جماعة الإخوان بمؤسسها حسن البنا، ومنظرها الأهم سيد قطب، نهاية بتحويل إرهابى مثل محمد مهدى عاكف، مرشد الجماعة الراحل إلى شهيد وشيخ للمجاهدين، فى اجتراء على هذه المنزلة وجرأة على الواقع.

يضر هذا الأسلوب « تمجيد وتحقير سير الرجال»، والذى ينتمى للجدل السياسى، أنصار صاحب السيرة بالدرجة الأولى، إذ أن الجهد الذى يبذلونه فى الدفاع عن «أبطالهم»، وتحوليهم إلى أشخاص معصومين من الخطأ، يضعف من التطور الفكرى والسياسى لهذه المجموعات، لأن التطور الفكرى مرهون دائماً بمراجعة دائمة للذات فكراً وسلوكاً.

ويمكن أن تلاحظ ثمار هذا التوجه فى تناول السياسة الحالية، والتى تنقسم إلى أسلوبين متشابهين تماماً الإغراق فى التشويه المقصود وتزوير المعلومات، وفى المقابل دفاع مستميت وبنفس الطريقة، وهو أمر يؤدى لضعف ثقة المواطن العادى الذى لا يتبنى أيديولوجية محددة، فى السياسة بشكل عام، إذ أن أصحابها لا يهتمون بالحقائق من الأصل ولكن بممارسة الآلاعيب اللفظية.