أحمد الليموني يكتب: فقدان الهوية
تزداد يوما بعد يوما ظلاما، وتفقد بوصلتها وتوجهاتها وأفكارها وكل ما وجدت من أجله، فاصبحنا في عصر "لا وعي لا فهم لا رسالة لا جودة لا محتوى".
في الأعوام الأخيرة زاد مُحبيها وهب إليها كل من ليس لديه عمل أو فكرة، حتى فاقد موهبة الاستمالة أو الشرح أو إيصال الرسالة أو أبسط قواعد اللغة فضاعت وضاع معها الكثير والكثير.
وتلاشت الصورة وفقدت "وسائل الإعلام" كل قوتها وجاذبيتها ورحل عنها الجميع ليسقط في فخ آخر يشعل الخلافات تارة ويثير الجدل مرة أخرى، ويبدأ الجميع دوامة التوهان ايهما أصدق ايهما اتبع، ويتمكن من سحب البساط وتصبح الوسيلة الجديدة هي القائدة وهي المسيطرة والمتحكمة في كل العقول.
لم يكن الإعلام يوما في بلدنا لديه القوة المؤثرة بنسبة 100% في عصر ما قبل 2011 ولكن كان له قوة ورصانة ويحترمه الكبير قبل الصغير وينصت إليه، ومع اندلاع الأحداث، فقدت كل الوسائل تلك القوة بالنسبة للجمهور المتلقي، وأصبحت الوسيلة البديلة هي المحركة لكل الوسائل الأخرى.
تلك البداية ما كان أحد يتمناها، وتصل الوسائل الإعلامية على حد سواء "مسموع مقروء مرئي" إلى هذا المستوى والتدني في تقديم المحتوى ومناقشة الأفكار، وترك الساحة خالية لقنوات خارجية تبث أفكار تتماشى مع الجمهور بعد دراسته بشكل جيد ومعرفة ما يحتاجه، وبذلك تتمكن من إرسال ما تريد إيصاله وهو ما يسمى بالاعتماد عن نظرية بث "السم في العسل" وبحرفية لا يستطيع كشفها إلى متخصصين أو متابعين لوسائل الإعلام بشكل دقيق، ومع انتشار قنوات داخلية ملئية بالإعلانات المزيفة، وحملات النصب بعد استحواذها على أعلى نسب مشاهدات بعد ابتعاد الجمهور عن مشاهدة القنوات العامة والبرامج والاكتفاء بمشاهدة الدراما من خلال تلك القنوات التي لاتمتلك من الأصل المحتوى المعروض لتكتمل أركان الجريمة المنظمة حتى شعار الانفتاح الإعلامي.
أدى ذلك لزيادة حالة التخبط، وانعدمت الرؤية وغابت الاستراتيجية وتحديد الأهداف ودراسة الجمهور، واخترق السوق العديد من المدعين أو من لديهم أموال أو جهة أو دعم يأتي من الداخل أو الخارج لبث ما يريد بثه من أفكار، لكسب المزيد من المال والجماهيرية خصوصا من المناطق الشعبية، وتحقيق أعلى عوائد مالية بعيدا عن أعين الدولة والأجهزة الرقابية، رغم الجهود المبذولة من المجلس الأعلى للإعلام للسيطرة على السوق ومراقبة كل ما يقال أو يبث عبر الشاشات.
وأصبح امتلاك وسيلة إعلامية موضة جديدة تنتشر كالهشيم في ربوع مصر، هذا شئ جيد بالفعل إن كان الهدف توعوي تثقيفي تنويري، مبني على دراسة وخطط طويلة الأجل وقصيرة، وتلبي احتياجات الشريحة المراد الوصول إليها، ولكن لا أحد يراه ذلك وكل ما عليه فعله الحصول على ترخيص من الخارج لقناة أو صحيفة، أو موقع إلكتروني، الذي يستطيع أن يمتلكه أي فرد، ويبدأ صراع من يصل أولا للمتلقي دون التأكد من المعلومة حتى لا يتأخر أو يضيع منه أعلى نسب المشاهدة أو المتابعة.
وكل هذا أفقد كافة وسائل الإعلام قوتها ونفوذها، وأصيبت مصر بشيخوخة مبكرة لخسارتها عنصر هام من عناصر القوة التي تسيطر على العالم، فكلما كان لديك إعلام قوي وخريطة واضحة ورسالة مفهومة تصل للمتلقي بشكل سلس وبسيط، والابتعاد عن الأشكال الثابتة والمعروفة ومواكبة ما يدور حول العالم من امكانيات وأفكار والوصول إلى متطلبات المشاهد أو القارئ، كلما تمكنت من الحفاظ على الجمهور من الهروب إلى قنوات ووسائل إعلامية خارجية تفرض سياساتها وتسعى إلى بث بعض السموم وتأجيج الأزمات.
مع انتشار قنوات فئة "سي وسي بلس بير السلم"، واستحواذها على شريحة كبيرة من المشاهدين لجأ العديد من المعلنين إليها تحقيق أعلى نسبة ترويج لمنتجه أو خدمته، وبأقل كثير من الأسعار بالقنوات الأخرى، لعدم تسديد تلك القنوات لضرائب، وغياب الرقابة عليها، وهو ما فتح المجال لمحترفي النصب في الترويج لمنتجات وخدمة غير موجود ويسقط فيها البسطاء ويتعرضون لأبشع عمليات النصب.
للتواصل مع الكاتب