مصطفى عمار يكتب: سلام على روح أسامة فوزى
دخلت إلى قاعة سينما شيراتون لأجده مستقبلاً الحضور الذين دعتهم منتجة الفيلم إسعاد يونس لحضور عرض خاص ومحدود لفيلم «بحب السيما»، لمساندة الفيلم فى أزمته الشهيرة مع الرقابة بعد أن رفضت الرقابة منح ترخيص بعرض الفيلم إلا بعد تنفيذ مجموعة من الملاحظات الرقابية التى رفض مخرج الفيلم أسامة فوزى تنفيذها لأنها ستضر بالبناء الدرامى للعمل ككل، وكعادتها وقفت إسعاد يونس بجوار مخرج الفيلم وفيلمها ودافعت عنه بكل ما تملكه من قوة من أجل الضغط على الرقابة لمرور الفيلم، وكان من أحد أساليب الضغط المتبعة وقتها، دعوة عدد محدود من الصحفيين والكتاب والنقاد السينمائيين لمشاهدة الفيلم والكتابة عنه فيما بعد، ليتم إحراج النقيب ووضعه فى مواجهة مباشرة مع الصحافة باعتباره يمارس دوراً غير شريف بالنسبة لمهن الفن، لأن أغلب صناع السينما والمهتمين بها يرفضون بشكل قاطع فكرة الوصاية على الأعمال الفنية من قبل أى شخص أو جهة.
وكما ذكرت، وقف أسامة فوزى على باب سينما شيراتون القاهرة القديمة وهو متوتر، وكأن عزيزا عليه يدخل غرفة العمليات لإجراء جراحة خطيرة، ولكن للحق لم تغب الابتسامة الرقيقة عن وجهه، موجهاً الشكر لكن من تواجدوا، لدعمه ودعم الفيلم فى مواجهة مقص الرقيب.. وبالفعل نجحت الحملة الصحفية، واضطرت الرقابة للموافقة على عرض الفيلم، الذى أحدث ضجة كبيرة فى الوسط السينمائى والصحفى، وجعلنا للمرة الأولى نشاهد أسرة مسيحية بكل تفاصيلها، وبكل ما تحمله من خير وشر على الشاشة، بعيداً عن الصورة النمطية والمملة عن الشخصية المسيحية فى السينما والدراما المصرية.
أتذكر جيداً حجم التصفيق الذى ملأ قاعة العرض الممتزج بدموع بعض الحضور ومنتجة الفيلم إسعاد يونس ومخرجه أسامة فوزى.
ربما توقع الكثيرون أن هذه المرة سيحلق أسامة فى سماء الفن ويصبح أحد أهم مخرجى السينما المصرية، وأن شركات الإنتاج ستطارده، ولكن أسامة كان حالة خاصة، لا يعمل من أجل أكل العيش أو البحث عن رفاهية الحياة من امتلاك فيللا وسيارة ورصيد ضخم بالبنك، فكل ما كان يشغل بال أسامة هو أن يجتهد فى تقديم أعمال خارج حسابات السوق، أعمال تعيش لمئات السنين، بالطبع هذه تركيبة مخرج لا تتحمس لها شركات الإنتاج، فهو من وجهة نظرهم متعب ويبحث عن المثالية، التى لن تحقق لأى شركة ما طموحها فى عمل فنى بأقل التكليف ويحقق أعلى الإيرادات.
ربما تكون موجة الكوميديا التى اجتاحت السينما المصرية نهاية التسعينيات سببا فى ركود مخرج بحجم وموهبة أسامة فوزى، ربما حاول قبلها أن يتمرد على نوعية الأفلام المتاحة ووجد ضالته فى منتج وفنان بمواصفات محمود حميدة ليقدما سوياً «جنة الشياطين» ومن قبلها «عفاريت الأسفلت» حميدة من أكثر الممثلين والمنتجين الذين تحمسوا لأسامة فوزى، ربما يكون حميدة خسر كمنتج ولكنه كسب كفنان وممثل، بتقديمه لفيلمين تحفظهما ذاكرة السينما بشكل جيد، حاول أسامة أن يبحث عن فرصة جديدة ولكن بلا فائدة، فالسوق يبحث عن المخرج السريع، ربما عاش لحظات من الاكتئاب والحزن لا يعلمها أحد، حاول أن يتمرد ويقاوم ولكن الظروف دائماً كانت أقوى وأبشع من مواجهتها بموهبته فقط، قدم فيلم بـ«الألوان الطبيعية»، فى تحد لكل جديد للمجتمع والرقابة وكل أشكال الوصاية التى يواجهها الفن، وكالعادة اصطدم بالرقابة والمؤسسات الدينية، التى رأت فى الفيلم تجاوزاً فى حق الدين والمجتمع بسبب بعض مشاهد الفيلم، وهو الأمر نفسه الذى طارده فى فيلم «بحب السيما».
ربما يكون أسامة فوزى جاء فى زمن غير ملائم له، ربما كان يستحق بلدا آخر يؤمن بالموهبة أكثر من أى شىء آخر، ولكن للأسف قدر أسامة فوزى أن يكون مخرجاً فى كل هذه الظروف الرافضة لطريقة تفكيره وموهبته وأسلوب إدارته للحياة، وربما كانت هذه هى الثغرة التى اخترق منها المرض جسد أسامة وعقله واستطاع أن ينتصر عليه، ليفاجئنا برحيله بنفس الطريقة والأسلوب التى ظل طوال حياته يفاجئنا به فى أعماله السينمائية.
سلام على روح أسامة فوزى..