حقائب أموال قطر لحماس تفجر أسرار علاقات الدوحة وتل أبيب
حسبما توقع قادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، لعبت المنحة المالية من قطر إلى غزة دوراً رئيسياً في منع نشوب نزاع مسلح بين إسرائيل وحماس، وجاءت توقعاتهم مطابقة للواقع.
إلا أن التطورات الأخيرة تحول حاليا دون وصول الدفعة الثالثة من المنحة القطرية، وفقا لما ذكره موقع Al-Monitor الأمريكي الشهير.
وتتلخص التطورات في أنه اعتبارا من 8 يناير الجاري، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قرارا بعدم تحويل الأموال إلى قطاع غزة وحماس، اللذين يهددان إسرائيل مجددا.
حقائب مكتظة بالأموال
يأتي هذا في أعقاب سلسلة من التداعيات بدأت عند تحويل القسط الأول في نوفمبر 2018، حيث اضطر نتنياهو إلى الدفاع عن نفسه أمام طوفان من الانتقادات الحادة من جانب أعضاء الائتلاف والمعارضة، الذين زعموا أنه استسلم لحماس، بل إن الوزير نفتالي بينيت وصف الوضع قائلا: إن "إسرائيل تدفع "أموال الحماية" لمنظمة إرهابية، مما يعرض إسرائيل للخطر".
وفي الواقع، فإن الدفعة الأولى من المنحة القطرية كانت أحد العوامل الرئيسية التي هددت استقرار حكومة نتنياهو، إذ انسحب وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان من الائتلاف بعدما سمح نتنياهو بتحويل تلك الدفعة، ووصف آنذاك السياسة الإسرائيلية فيما يتعلق بغزة بأنها "متساهلة".
وفهم ليبرمان بالفعل ما كان يحاول نتنياهو القيام به وهو قمع حماس، التي تعد بلا جدال منظمة إرهابية، وتستثمر مواردها في حفر أنفاق الإرهاب وتحسين قدراتها العسكرية عن طريق السماح بنقل الحقائب المحشوة بالمال إليها عبر معبر إيريز.
رأي عام غاضب
وعلى عكس ما تم خلال الدفعة الأولى، لم تظهر أي صور فوتوغرافية لحقائب محشوة بالنقود عند تحويل الدفعة الثانية من المنحة في 6 ديسمبر.
وكان الغرض من ذلك هو تنفيذ جزء من خطة لتهدئة الرأي العام الرافض لهذا القرار، ولكن لم ينج نتنياهو من موجة الانتقادات المتوقعة، التي تركت بصماتها على مواقفه التي تتسم دائما بالعمل على حماية أمن إسرائيل أولا.
وأصدر آفي غاباي، رئيس المعسكر الصهيوني، الذي انهار منذ ذلك الحين، تصريحات انتقد فيها سياسات نتنياهو، قائلاً: "إن ملايين الدولارات التي تتدفق في الوقت الحالي عبر إسرائيل إلى حماس، هي أموال فاسدة وتصل إلى جيوب الإرهابيين الذين يطلقون النار على سكان الجنوب، ويمكن تغيير هذا النهج الفاسد ويجب تغييره".
إعلان دراماتيكي
وازدادت الأمور تعقيداً منذ ذلك الحين، حيث عين نتنياهو نفسه وزيرا للدفاع ليحل محل ليبرمان، ودعا إلى إجراء انتخابات مبكرة، ويكافح حاليا بكل ما أوتي من قوة لمنع المدعي العام الإسرائيلي من توجيه الاتهام إليه بتهم جنائية قبل الانتخابات المقبلة في أبريل.
وفي السابع من يناير، وعد نتنياهو الإسرائيليين بـ"إعلان دراماتيكي"، ولكنه بدا، في الواقع، عصبيا وخائفا عندما اشتكى من النظام القانوني للبلاد، وطالب بأن يسمح له بمواجهة شهود الدولة الذين أدلوا بشهادات ضده.
وبالنظر إلى كل هذه التطورات، يبدو من المستبعد إلى حد كبير أن يكون لدى نتنياهو أدنى استعداد للتعرض لمزيد من الانتقادات إذا سمح بعبور حتى نصف حقيبة نقدية إلى قطاع غزة.
هدنة طويلة الأمد
ووفقا لما جاء في مقال بموقع "The New Arab" في 27 ديسمبر 2018، بعث نتنياهو رسالة إلى حماس مفادها أنه يريد الآن هدنة طويلة الأمد، لأنه دعا إلى انتخابات إسرائيلية مبكرة.
وما تريده حماس هو المال القطري، وفي حال الفشل في نقله سيقود الأمر إلى نزاع مسلح غير مرغوب فيه بين حماس وإسرائيل.
كما أن الصدع العميق بين حماس والسلطة الفلسطينية لا يزال يلقي بظلاله على المشهد. ففي 6 يناير، أمر الرئيس محمود عباس مفتشي السلطة الفلسطينية بمغادرة معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر.
فيما تعد الخطوة الأكثر حداثة في سلسلة خطوات يحاول من خلالها فصل حكومته عن قطاع غزة، الذي لم تعد تسيطر عليه السلطة الفلسطينية منذ أكثر من عقد من الزمان.
وسائل التعبير غير الدبلوماسية
خلاصة القول أن 15 مليون دولار لم يتم نقلها إلى غزة هذا الشهر وبالتالي، أطلقت حماس أو بعض الجماعات التابعة لها صاروخًا تحذيريًا على إسرائيل في ليلة 6-7 يناير، وتم التصدي للصاروخ بواسطة نظام الدفاع الصاروخي المعروف باسم "القبة الحديدية".
وتعتبر هذه الخطوة إحدى وسائل حماس غير الدبلوماسية لإعلان نيتها إذا لم يكن هناك مال، فسيكون هناك إطلاق صواريخ في المقابل.
وترتب على هذا التحرك، قيام سلاح الجو الإسرائيلي بالرد عن طريق قصف "عدة أهداف في معسكر تدريب تابع لحماس في شمال قطاع غزة"، وهذه هي أيضا طريقة إسرائيل لتحذير حماس كي تتجنب أي تصعيد للعنف.
طرق مبتكرة
وخلال الأيام القليلة الماضية، طلب المبعوث القطري إلى غزة محمد العمادي من قيادة حماس منحه وإسرائيل الوقت للتوصل إلى طرق مبتكرة لنقل الأموال دون التسبب في إثارة الرأي العام في إسرائيل، وتفجير موجة غضب. لكن لم يكن الأمر بهذه البساطة، حيث ما هو نوع التدقيق الذي ستخضع له الأموال المنقولة إلى حماس؟ وكيف يمكن أن تمحى بصمات نتنياهو عن كل هذا المبلغ؟
تسريبات ونكات ساخرة
ومن بين الأسرار المسربة، أنه جرى تبادل نكات حول هذا الشأن في أروقة الإدارة المدنية الإسرائيلية، ومنها على سبيل السخرية أن أفضل وسيلة لنقل الأموال إلى غزة هي عبر الأنفاق.
وتدرك إسرائيل أن وصول الأموال إلى قطاع غزة بات أمرا ضروريا، ولكن الأخطر من ذلك أن الطريقة، التي ستصل بها الأموال إلى غزة أصبحت مشكلة كبيرة في حد ذاتها.
ردا على الانتقادات، تفاخر نتنياهو بأن إسرائيل تعرف اسم كل شخص يحصل على راتب في قطاع غزة، وأن الأموال ستستخدم فقط لدفع رواتب العاملين في الخدمة المدنية، بل إن إسرائيل سربت إلى قطر أن هناك ما قيمته 150.000 دولار من الأموال، المتبقية من الدفعة السابقة والتي لم يتسلمها أحد. أو بعبارة أخرى.
وأوضح نتنياهو أن كل شيء يتم بإشراف صارم، وإنه لم يتم استخدام سنت واحد من الأموال التي تم السماح بتحويلها، في أوجه صرف ذات أعمال عسكرية لحماس.
ونظرت إسرائيل مؤخراً في إمكانية نقل حقائب الأموال إلى قطاع غزة عبر معبر رفح الحدودي، إذ ربما يكون حلا أفضل على الأقل فيما يتعلق بموقف نتنياهو، ولكن تبين أنه لا يمكن تنفيذ هذا الخيار لأن مصر تلتزم بقطع علاقاتها مع قطر.
الدعاية لقطر أولاً
كما درست إسرائيل إمكانية تسليم مهمة تحويل الأموال إلى غزة إلى الدول المانحة، ولكن تكمن المشكلة في أن قطر لا ترغب في حجب مسار الأموال. وبحسب ما تم إدراكه في الشأن هو أن هذه الأموال هي عبارة عن هدية من الشعب القطري لشعب غزة. وبالتالي، إذا لم يُعز الفضل إلى الدوحة، فإنه لن يتم تحويل أي أموال إلى قطاع غزة.
وبالتالي، لم يتبق إلا إمكانية توصيل المبلغ مباشرة إلى بنك في غزة، حيث يقوم ممثل لدولة قطر بسحبه وإيداعه على الفور في حسابات كل شخص مستحق له راتب. ولكن في هذه الحالة ستبقى مشكلة أن الأوراق المالية نفسها ستحتاج إلى نقلها بشكل مادي إلى غزة، بحيث يمكن للموظفين، الذين تم تسديد رواتبهم في حساباتهم البنكية، السحب منها للإنفاق على احتياجاتهم الحياتية. ويبدو من بين جميع الخيارات المذكورة أعلاه أن هذا الخيار الأخير هو الذي تفضله إسرائيل.
نفاد الصبر
وفي الوقت نفسه، يهدد الفشل في تحويل الأموال القطرية إلى غزة على الفور بتعجيل اندلاع نزاع مسلح مع حماس.
وكما أوضحت المصادر "إن الأموال مخصصة لأهل غزة، وإنه بدون الرواتب أو الحد الأدنى من القدرة على شراء الاحتياجات الأساسية، ستنهار غزة.
وهذا بدوره سيعني المزيد من المظاهرات على طول السياج الحدودي، والمزيد من البالونات الحارقة وربما المزيد من الصواريخ". وزعمت المصادر أنه حتى الآن، منعت حماس المظاهرات الحاشدة على طول السياج، ولكن يمكن أن يتسبب الضغط في خسارة سكان غزة للأمل والمخاطرة بحرب حدودية أخرى لمجرد أنهم لا يملكون خيارًا آخر.
فإلى مدى يستمر صبر حماس؟ هذا سؤال لا يستطيع الإجابة عنه إلا حماس نفسها، والتي على الرغم من أن صبرهم شارف على النفاد ولكنه من المرجح أن ينفد بالكامل في غضون أيام قليلة للغاية.