ننشر كلمة رئيس "الجنايات" قبل النطق بالحكم على "دومة" بـ"أحداث مجلس الوزراء"
المحكمة: ابتلاء الوطن بتنكر بعض أبنائه له
قال المستشار محمد شيرين فهمي، رئيس محكمة الجنايات، في بداية كلمته في الحكم على المتهم أحمد دومة في قضية أحداث مجلس الوزراء، بكلمات الذكر الحكيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، صدق الله العظيم، إن الوطن هو الأمن والأمان وهو الاستقرار والأساس الذي يحيى لأجله الإنسان لأنه الكيان الذي يحتويه، والولاء للوطن قيمة عليا وليس لحياة الإنسان قيمة إذا لم يعتز بوطنه والمواطنة الصالحة ليست شعارات تخاطب العواطف وتدجج المشاعر أو خطب حماسية وتحركات استعراضية، المواطنة الصالحة فعلا إيجابية وأخلاق هي بناء وتنمية مصداقية لا تلون ولا خدوع ولا خداع.
واستكمل رئيس محكمة الجنايات في كلمته: "الانتماء الحقيقي للوطن يعني الارتباط بأرضه ومشاعره وهو شعور يخرج عنه عدد من القيم الذي تدفع للحفاظ على ممتلكاته الذي يملكها المجتمع وهي جزء من مفهوم الصالح العام، الذي هو بالأساس قيمة اجتماعية ينشأ عليها الفرد وعندما يوجد خلل في زرع القيم يغيب هذا الشعور وتظهر لدي الفرد انتماءات فردية يفضلها علي الصالح العام ويبدء السلوك السلبي لتخريب المرافق وهو ما يعتبر ضعف المواطنة وعدم رعاية ممتلكات الدولة والارتباط بها".
وأشار المستشار في كلمته، إلى أن من أعرض المصائب الذي أبتلي بها هذا الوطن تنكر بعض أبنائه له وتزداد خطورة هذا الأمر عندما يتجاوز الإنسان حدود هذا الحد إلى السعي في خراب الوطن، لقد ابتليت الأمة بالمنهزمين فكريا والمفلسين اجتماعيا، ممن ليس لهم هدف إلا خلخلة هوية المجتمع، وضاعوا في متاهات الحياة يبحثون عن موقع ينصبون أنفسهم من خلاله مناصب وطنية، مزيفون يزيفون الحقائق ويضللون الوعي العام، دعاة مرض وانحلال يجيدون المراوغة ويشوهون ثورة الوطن ورجاله الذين يدافعون عنه في محاولة لزعزعة استقراره، من خلال ترديد الأكاذيب والقصص الوهمية التي لا نعرفها إلا منهم تراهم يرفعون رايات العزة فتحسبهم للوطن حماة وهم للوطن أشد خصام، ومن لم يكن من دون أوطانه حما فذلك أخس وأخطر.
وبدأ المستشار في سرد وقائع القضية، بأنه في غضون ختام الأحداث غير المستقرة التي أعقبت ثورة 25 يناير من اعتصامات وفوضى وعنف كان ابرزها التظاهر المستدام امام مجلس الشعب والوزراء، وفي يوم 25 نوفمبر 2011 نظموا تظاهرة اسموها جمعة انقاذ الثورة وتجمع المئات حينها أمام مجلس الشعب بهدف الاعتصام ومنعوا رئيس مجلس الوزراء وأعضاء الوزارة من دخول المجلس ونصبوا خياما أمام مجلس الشعب واحتموا بأبواب حتى وزارة الصحة لتفتيش كافة المارة ومنعوا الوظفين من دخول المجلس، وقام بعض المتظاهرين بإهانة الضباط وسب جنود الخدمة وقذفهم بأكياس القمامة وأكياس البول والتلويح بإشارات وإيحاءات جنسية ولم يكن هذا محض الصدفة وانما لاستدراج الجنود للتعدي على المتظاهرين وصولا لتصوير مشاهد تندد هذا الاعتداء الكاذب.
وأضاف المستشار، أنه لقد كان الميدان مناخا خصبا لمن أضلهم الشيطان بضله فنزل عليهم عباءة المواطنة، تستروا خلف المعتصم المحب لوطنه الذي لا يشدو إلا إصلاحا، لبسوا الحق بالباطل، "أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ"، حرصوا على الأقوال المغلوطة بضرورة مهاجمة جنود الجيش والشرطة بزعم أنهم من فلول النظام السابق، فمنهم من استجلب الأشقياء من أصحاب السوابق الجنائية والمطلوبين جنائيا وأغمر عليهم بالمال والغذاء لتكليفهم بالتعدي على رجال الجيش والشرطة وإلقاء المولوتوف عليهم ولقد تجلى هذا بوضوح في استعراض أحداث الدمار الذي وضح في النصف الثاني من ديسمبر 2011 من خراب وتدمير وإشعال الحرائق في مجلسي الشعب والشورى ومجلس الوزراء وحي بولاق أبو العلا وحي غرب القاهرة ومحاولة اقتحام وزارة الداخلية وحتى المجمع العلمي ذلك المبنى الذي وقف شاهدا على عصور مضت لم يسلم من أيدي أناسا جهلوا في الأصل ما يحرقون ووقفوا يحتفلون بنصرهم ويتراقصون على أوراق لهيب النار وهي تأكل أوراق ووثائق شاهدة على الزمان، ظلما أن يقال أن أبناء مصر الأحرار هكذا يرون النظام بل الأمر لا يخلوا من أيادي سوداء تحالفت مع الشيطان لإسقاط الدولة "خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ".
وتابع المستشار: "ثم نشبت مناوشات وحدث تعرض لأحد الضباط واحتكوا به أمام مجلس الشعب جعل أفراد الخدمة يهللون لنجدته واستطاعوا الدج به داخل مجلس الشعب لإنقاذه، وتمكن أفراد الخدمة من ضبط أحد المعتدين ويدعى (عبودي أحمد عبود)، في الوقت الذي حاولت فيه مجموعة من المتظاهرين قذف الطوب حتى استطاعوا تهريب هذا الشخص الذي استقل دراجة بخارية وأخذ يجوب بين المتظاهرين لحثهم على الاحتكاك".
وقام المتهم أحمد سعد دومة وبعض المتهمين بالتجهر بشارع القصر العيني بأعداد ناهزت الألف متجمهر حاملين زجاجات مولوتوف وكرات اللهب والحجارة والأسلحة البيضاء على نحو جعل السلم العام في خطر ونشر الفوضى ومنع الموظفين العمومين من ممارسة اعمالهم باستعمال القوة والعنف، حيث التقت إرادتهم أمام مجلس الشعب بقصد حرقه وتخريبه وقاموا بتدمير أجزاء من مجلس الشعب واقتحموه وعادوا فيه فسادا وألقوا كرات اللهب فخربوه وأضرموا النيران بمقر اللجان الفرعية بالمبنى مما أدى إلى اشتعال النيران بالمبنى من الطابق الأول للثالث، حتى قاموا بإشعال النيران بمركز المعلومات مما دفع القوات المدنية لاستخدام خراطيم المياه لمنعهم من إشعال النيران في مكتبة مجلس الشعب لإنقاذ أحد الأشياء المهمة ومن بينها "كتاب وصف مصر"، وأحدثوا إصابات بعدد 12 ضابطًا و44 فردًا من جهات مختلفة وتعمدوا وآخرون مجهولون تعطيل حركة السير وحركة المرور بأن تجمهروا بالشوارع المحيطة والمؤدية لميدان للتحرير كما حازوا وأحرزوا بغير ترخيص أسلحة بيضاء وأدوات حارقة للإخلال بلأمن والنظام العام، وقد وقعت جميع تلك الجرائم من المشاركين في التجمهر وكانت نية الاعتداء قد جمعتهم وظلت تصاحبهم حتى نفذوا غرضهم المذكور، وقعت جميعها حال التجمهر وبذلك تظهر أركان جريمة التجمهر على الوجه الذي أحققه القانون قد تحققت.
ووقعت جميع الجرائم حال التجمهر، والمحكمة تنوه بأنه وإن كانت أعمال صحيح القانون يقتضي مسائلة المتهم أحمد دومة عن جميع الجرائم التي وقعت أثناء التجمهر إلا أنها تقف عاجزة أمام الدعوى التي تحال إليها، لعدم شمول أمر الإحالة لها وتتقيد أيضا بقاعدة ألا يدار الطاعن بطاعنه.
وأكد رئيس محكمة الجنايات، أن المحكمة قامت بدورها في البحث عن الحقيقة فقامت بنظر الدعوى في جلسات متعاقبة وقامت باستدعاء من دعت الضرورة لسماع شهادته وإدلاء شهادته، حيث استمعت لـ 23 شاهدا ووجدت في شهادتهم إحقاقا للحق وإنارة للطريق أمام المحكمة، واستمعت لهيئة الدفاع وأتاحت لهم كل الفرص الممكنة لتقديم دفاعهم شفاهية وكتابة ليطمئن وجدانها بعد 37 جلسة حققت المحكمة خلالها كل قواعد المحاكمة العادلة المنصفة وتحققت خلالها كافة الحقوق والحريات في إطار الشرعية الإرجائية التي تعتمد على أن الأصل في المتهم البراءة، وبلغ عدد صفحات محاضر الجلسات 320 ورقة وعكفت على دراسة جميع أوراق الدعوى دون كللا أو مللا للوصول للحقيقة.
واستقر في يقين المحكمة أن الواقعة ثابتة ثبوت لإدانة المتهم، إذ اطمأنت لشهادة شهود الإثبات وما جاء من أدلة فنية وارتاح وجدانها للأخذ بها سندا للإدانة ولا تعول على إنكار المتهم وإثبات أن تلك وسيلته للهروب من العقاب، "خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ"، "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ"، وبعد الاطلاع على مواد قانون الإجراءات الجنائية وقانون التجمهر وقانون الأسلحة والذخائر، حكمت المحكمة حضوريا على المتهم أحمد سعد دومة سعد بالسجن المشدد خمسة عشر عاما عما أسند إليه، وإلزامه بدفع 6 ملايين جنيه قيمة التلفيات.
صدر الحكم برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي وعضوية المستشارين عصام أبو العلا والدكتور عادل السيوي وسكرتارية حمدي الشناوي.
وكانت محكمة النقض، قد ألغت الحكم الصادر بمعاقبة أحمد دومه بالسجن المؤبد في القضية وأمرت بإعادة محاكمته من جديد أمام إحدى دوائر محاكم الجنايات غير التي سبق وأصدرت حكمها بإدانته.