سامي جعفر يكتب: الجمعيات الأهلية بديلاً للأحزاب
منذ 42 عاماً تقريباً سمح الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بتأسيس الأحزاب، وتصلح هذه الفترة التى شهدت وجود 6 رؤساء و11 برلماناً، و3 دساتير، للوصول لنتيجة ملخصها أن الحياة الحزبية لم تستطيع تقديم أدلة على فائدة استمرارها، سواء بهذا الحال أو مع شكل جديد.
ويتفق الأطراف من حزبيين ومسؤولين وخبراء، على عدم صلاحية التجربة الحزبية فى مصر، ويتفقون أيضاً على أن الأحزاب وفق تجربة السادات وسلفه الرئيس الأسبق حسنى مبارك، لم تستطع تكوين قاعدة جماهيرية باستثناء الأحزاب أو التنظيمات القائمة على أساس دينى مثل جماعة الإخوان والسلفيين، ما يعنى أن الفكرة الحزبية ستظل تدور فى نفس الفلك، لأنها تعنى فى النهاية وصول أحد الفصيلين إلى السلطة، ووضع نهاية لفكرة الدولة المدنية بأى من درجاتها.
والنتيجة السابقة تعنى أيضاً أن الأفق السياسى فى مصر سيظل مغلقاً إلى أن تصل النخبة السياسية فى مصر لحل جديد، يزيد من القوة الاستراتيجية للوطن، ويفتح أفاق أوسع لممارسة العمل العام، وهو الأشمل من الممارسة السياسية، خصوصاً أن فكرة تداول السلطة غير صالحة فى المستقبل القريب، وبالتالى لا يمكن المراهنة على ما لن يأت.
طيلة الفترة التى عملت فيها الأحزاب ولو على الورق فقط، ساهم فى تفاقم النتائج السلبية لهذه التجربة ضعف المجتمع المدنى، بشكل عام، باستثناء المجال الحقوقى الذى نشط خلال الـ25 عاماً الأخيرة فقط، وكلا الأمرين مفهوم إذ كان سببه فى الأولى افتئات الدولة، وأما النشاط الحقوقى فنشط لحصوله على دعم أجنبى غير برىء الهدف، حتى لو كانت له منافع.
وبمناسبة انهماك المهتمين بالعمل المدنى والأهلى فى تعديل قانون الجمعيات الأهلية، كنت أتمنى أن ينظر الأطراف سواء من الحكومة أو من ممثلى الجمعيات المعنية، إلى النظر إلى القانون والعمل المدنى باعتباره بديلاً للأحزاب، لأن العمل الأهلى يمكنه إنتاج كوادر قادرة على تنمية المجتمع وتنظيمه والمشاركة فى عملية التنمية، وإدارة الدولة فى وقت ما، كما أنها قادرة على إشاعة ثقافة قبول الأخر وانتشار الأفكار الليبرالية، لأن الشخص الراغب فى خدمة المجتمع بشكل عام، عادة ما يكون أكثر قبولاً بالمختلفين معه فى الديانة أو الأفكار وهو جوهر ليبرالى يجب التمسك به وتنميته.
وأتمنى أيضاً من القائمين على تعديل قانون الجمعيات الأهلية، وفق النظرة المقترحة – أن تكون الجمعيات بديلاً للأحزاب- أن يصيغوا القانون من جديد، وفق هذه النظرة، والتى تعنى الحاجة لتشريع مختلف تماماً عن القائم وأرضية أخرى للنقاش، لا أهمية فيها لفكرة سهولة التأسيس أو صعوبة حل المنظمة أو حصولها على ترخيص بجمع الأموال وتلقى التمويل الأجنبى، وجميعها مطلوبة بالطبع، لأنه يجب الاهتمام بدرجة أكبر بتحويل الجمعيات لبديل للتجربة الحزبية.
وتعنى الجمعيات الأهلية وفق المفهوم المقترح للمجتمع المدنى، منظمات تملك مساحة أكبر فى المجال العام، وهى فى الحالة الجديدة ستكون مؤهلة بدرجة أكبر مقارنة بالأحزاب، بشرط أن تبارك الدولة نفسها هذا التوجه لتشجيع المجتمع على تمويل أنشطتها، وهناك بالفعل توجه اجتماعى لصالح هذه الجمعيات بالنسبة للمجال التكافلى يمكن تنميته فى مجالات اجتماعية أوسع تنتج فى النهاية كوادر قادرة على خدمة الوطن حين يحتاج إليها فى مستويات أعلى للقيادة، بدتية من القرية وحتى أعلى مستويات الحكومة.
وتصلح الجمعيات الأهلية فى صورتها الجديدة، حال إثبات نفعها بالطبع، فى التحول بعد ذلك لأرض صالحة لإنتاج مؤسسات حزبية وفق ظروف طبيعية، ودون أن تخشى الدولة منها، لأنها ستكون نموذجاً متوافقاً مع الدولة فى التوجهاتها العامة المرتبطة بالأمن القومى لمصر، ما يمكن أن يؤدى لضمور جماعات الإسلام السياسى، وخفض درجة خطورتها، وإن كان سيظل لها مساحة فى المجتمع.