ربيع جودة يكتب: فتاة الجنة
لم تحنوا عليها الطبيعة الغنَّاء بمزيد الحسن.. فهي فتاة عادية.. لا يخالط بياضها حُمرَة.. ولا يتكفَّأ حولها الشباب.. فعيناها كبقية الأعين.. وشفتاها كتلك الشفاه.. ولا تحمل من صخب الأنوثة ما يلفت الأنظار.. قامت من ليلها يؤرقها الفراش..وتمزقها الوحدة.. ويزجيها القلق الي زجاج النافذة .. وسنوات الصبا تتسلل من بين أضلعها.. تاركة فراغاً يقتل النفس.. وبرداً يقطع الأوصال.. وقفت تنظر إلى السماء.. تبوح لخالقها بما تستحي البوح به إلى سواه .. لا تنتقي الكلمات.. ولا تشغلها المفردات.. فقط تناديه.. وفي عينيها دموع العجز والحيرة.. يارب.. خلقتنا قوارير.. نُطلب.. ولا نَطلب.. وليس لنا من الأمر شيء.. وخلقت جيلاً من الرجال حولنا.. قد أصابهم السفه.. إلا قليلاً منهم.. يريدها بيضاء.. وسواده يملأ وجهه.. ويريدها نحيفة ممشوقة.. ويخرج خصره من بنطاله لاتساع جفرته.. ولا يريدها أطول منه.. ورأسه لا تتجاوز مائدة الطعام.. ولا بأس أن تكون غنية.. ولا يملك سوى جوربين يضيء منهما إبهامه.. ويبحث عن ذات نسب... وشجرة عائلته لا تحمل غصناً ولا تظلل فرخ دجاج.. ويشترط أن تكون فصيحة اللسان... ساطعة البيان.. وفي الوقت ذاته.. يريدها أن تنصاع لأمره.. وتأبي رجولته الواهية أن تشاركه رأي.. أو يسمع لها صوت.. وجهها كصحن القمر.. وعيناها تطيل العمر.. وشعرها حرير يموج فيه السواد .. وعودها الموزون يتهافت عليه العباد.. وبين كل هذه المتناقضات.. ومع كل هذه المفاهيم التي تنم عن خلل مجتمعي واضح.. نحيا على أمل أن يطرق أحدهم باب دنيانا.. ليرى الروح العطشي إلى الحب الصادق النقي الطاهر.. حتى إذا ارتوينا منه.. ملأ الوجوه نضرة وجمالا.. وملأ العين سحراً وخيالا.. ويري من ساكنات الجنة مثالاً يعيش معه.. ويحيا بقربه.. ثم فاضات عيناها بدمع أطفأ محيَّاها.. ثم استنشقت عبير الإيمان بقدر الله.. وتحلَّت بالصبر قائلة.. اللهم سُق لي قلباً صالحاً.. وقامت من فورها لتصلي ركعتين.. وما هي إلا أيام قليلة.. حتى سمعنا دوي الطبول.. يحوط جدران منزلها.. وقد عرف أحدهم أخيراً.. أين تسكن فتاة الجنة .