ما لا تعرفه عن الكاتبة الألمانية "آنا ماري شيمل"
تعتبر "أنا مارى شيمل"، هي واحدة من أشهر المستشرقين الألمان على المستوى الدولي، ونعرض عليكم في السطور التالية قصة حياتها بالتفصيل.
النشأة والتعليم
ولدت آنا ماري شيمل في 7 أبريل 1922 في مدينة إرفورت بوسط ألمانيا لعائلة بروتستانتية تنتمي إلى الطبقة الوسطى.
كان والدها من عائلة من صناع النسيج ولكنه كان عاملا متوسطا في خدمة البريد والتلغراف.
أما أمها فتنتسب إلى مكان صغير بالقرب من بحر الشمال وإلى عائلة من قباطنة السفن المستقلين الذين يطوفون بحار المعمورة طلبا للرزق.
وقد نشأت كطفلة وحيدة في جو تسيطر عليه غبطة الحياة وحب الشعر.
وكانت منذ طفولتها شغوفة بكل ما يتعلق بالشرق ومعجبة بكل ما هو روحانى وصوفي في الإسلام والأديان الشرقية الأخرى.
تعلم العربية
بدأت في تعلم العربية في عام 1937 وكانت ما تزال في الخامسة عشر من عمرها وقد تلقت إلى جانب العربية دروسا في مبادئ الدين والتاريخ الإسلاميين. وإلى جانب ذلك كانت تتعلم الفارسية والتركية وكذلك الأوردية.
رسالة الدكتوراة
في عام 1939 نزحت مع الأسرة إلى برلين وفيها بدأت دراستها الجامعية للأستشراق. وبعد عام واحد بدأت العمل على رسالتها للدكتوراة حول مكانة علماء الدين في المجتمع المملوكي تحت إشراف ريشارد هارتمان وقد انتهت منها في نوفمبر 1941 وهى في التاسعة عشر من عمرها ونشرتها عام 1943 في مجلة "عالم الإسلام" تحت عنوان "الخليفة والقاضى في مصر في العصور الوسطى المتأخرة".
رسالة الأستاذية
وفى نوفمبر من عام 1941 عملت كمترجمة عن التركية في وزارة الخارجية الألمانية. وفي وقت الفراغ واصلت اهتمامها العلمي بتاريخ المماليك حتى تمكنت من عمل فهارس لتاريخ ابن إياس. وفي مارس 1945، قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية بقليل، انتهت من رسالة الدكتوراه في جامعة برلين عن الطبقة العسكرية المملوكية.
بعد الحرب
وبعد قليل تم إجلائها مع بقية موظفى الخارجية ولكن سرعان ما قبض الأمريكان عليها وأُرسِلت بعد اعتقالها إلى مدينة ماربورغ. وكان من حسن حظها أنها من ناحية انتهت من رسالة الأستاذية قبل سقوط النظام النازي ومن ناحية أخرى أنها عاشت خلال فترة الحكم النازي حياة غير سياسية.
عندما أُعيد تنظيم الجامعات الألمانية بعد الحرب وجدت وكانت في الثالثة والعشرين مكانًا لها في جامعة ماربورغ التي كانت تبحث عن خلف لأستاذ العربية الذي اقيل بسبب علاقته بالنظام النازي.
وكما كانت أصغر أستاذة وأول سيدة تلقى بعد الحرب محاضرة قدوم عن التصوف الإسلامي وكان ذلك في ربيع 1946.
دكتوراه ثانية
وقد حصلت في عام 1951 على دكتوراه ثانية تحت إشراف هيلر عن مصطلح الحب الصوفي في الإسلام.
ترجمت بناء على طلب بعض علماء الاجتماع الألمان مقاطع طويلة من مقدمة ابن خلدون.
وقد زارت تركيا ولأول مرة عام 1952 وفي سنة 1954 بدأت التدريس في "كلية الإلهيات" في جامعة أنقرة.
مجلة "فكر وفن"
عندما عادت إلى ماربورج 1959 وجدت نفسها دون وظيفة جامعية. وفي عام 1961 وجدت درجة أكاديمية في جامعة بون فانتقلت إلى بون التي أصبحت منذ ذلك الوقت مدينتها. وفي بون اتصلت مرة أخرى بالخارجية الألمانية وبدأت منذ عام 1963 تشارك البرت تايله Theile في الإشراف على إصدار مجلة فكر وفن التي تمولها الخارجية الألمانية.
وعبر مشاركتها في إصدار هذه المجلة والتي استمرت حتى عام 1973 قدمت أشعارا لأغلب الشعراء العرب المعاصرين مثل بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور وعبد الوهاب البياتي وفدوى طوقان ونزار قباني وأدونيس ومحمود درويش ومحمد الفيتوري وغيرهم من الشعراء الذين نقلت بعض اشعارهم إلى الألمانية عام 1975. وكانت كذلك تمد القارئ العربي في كل عدد بشيء من شعر جلال الدين الرومى ومحمد إقبال وغيرهما من الشعراء المسلمين غير العرب.
جائزة فريدريش رويكارت
كما اهتمت كذلك بإحياء الاهتمام بتراث الشاعر والمستشرق-المترجم فريدريش روكرت Rückert فقامت بتحقيق أعماله وكتابة ترجمة لحياته اعادت إليه الشهرة كأهم ناقل للآداب الشرقية إلى الألمانية. ولأجل هذا، وكذلك لأجل ترجماتها عن اللغات الشرقية، فازت عام 1965 بجائزة فريدريش رويكارت التي تمنحها مدينته (شفاينفورت) بجنوب ألمانيا. وكانت هذه الجائزة فاتحة للجوائز والأوسمة التي بدأت تنهال عليها من الشرق والغرب.
في جامعة هارفارد
وفى عام 1967 تمت دعوتها إلى العمل في جامعة هارفارد لشغل كرسى الثقافة الهندو-إسلامية الذي أنشئ بناء على تبرع أحد مسلمى الهند الأغنياء. ورغم أنها لم تكن متخصصة في هذا المجال إلا أنها حصلت على الكرسى الذي رُبط الحصول عليه بضرورة ترجمة أشعار شاعرا الأوردية مير دارد الدهلوى (ت 1810) وأسدالله غالب (ت 1869) وذلك بهدف أن يحصلا على شهرة مقاربة لشهرة عمر الخيام في نطاق الإنجليزية. وساعد على حصولها على هذا الكرسى أيضا أنه لم يكن لها ماض ماركسى أو يسارى ولا تنتسب إلى دول شرق أوروبا! وكان على هذا القسم الاهتمام بتاريخ الإسلام في الهند منذ عام 711 وباللغات التي تساعد على دراسة هذا الأمر وهى العربية والفارسية والتركية وكذلك اللغات المحلية مثل السندية والبنجابية والبشتونية والأوردية. وكذلك كان عليها أن تكون مكتبة متخصصة للقسم. وكانت تلقى محاضراتها عن التصوف الإسلامي وهى المحاضرات التي كونت فيما بعد أحد أهم كتبها وهو كتاب "الأبعاد الصوفية في الإسلام" (توجد ترجمة عربية للكتاب) وكذلك محاضرات عن الشعر الفارسي التي كتبت فيما بعد عن صورة العالم فيها وقدمت تدريبات عن الرومى وإقبال. كذلك واصلت اهتمامها بفن الخط الإسلامي. ولكن اهتمامها الأساسي أصبح منصبا على تاريخ الإسلام في شبه القارة الهندية والدراسات التي تدور حول ذلك بالسندية والأوردية. وكانت تؤلف في ذلك بالإنجليزية والألمانية هذا إلى جانب دراساتها لتاريخ الأدب وللشعراء المفردين. وكانت تترجم بنشاط أشعار غالب والحكايات الباكستانية أو حكايات شاه عبد اللطيف السندى.
بعد التقاعد
عادت بعد تقاعدها عام 1992، وذلك بعد خمس وعشرين سنة من العمل في هارفارد وكمبردج، إلى بون حيث واصلت الكتابة عن الإسلام بالألمانية والإنجليزية لتقريبه من قراء هاتين اللغتين.
جائزة السلام الألمانية
وقد احرزت، رغم مناوشات المناوئين، في عام 1995 وكأول مستشرقة ودارسة للإسلام جائزة السلام الألمانية التي يمنحها اتحاد الناشرين الألمان ويسلمها رئيس الدولة الألمانى.