عادل حمودة يكتب: جيهان وسوزان وثالثهما السادات
حاورت أول سيدة أولى فى مصر على مائدة طعام ميمى طليمات
بيجان السر الخفى وراء اختيار السادات فى قائمة المشاهير الأكثر أناقة فى العالم
قصة البيت الذى تعيش فيه عائلة السادات بين رواية هيكل ورواية فيلنكيستون
سألت جيهان: كيف قبلت الزواج من شخص أكبر منك ومطلق ولديه أولاد ومطرود من الجيش وليس لديه عمل يأكل منه؟
جيهان: المهر والشبكة كانا أغنية لفريد الأطرش غناها السادات بصوته
تعودت آمال طليمات دعوة شخصيات سياسية وصحفية متنوعة لتناول طعام الغذاء فى بيتها المطل على نيل الجيزة مرة كل عام على شرف السيدة جيهان السادات.
لسنوات طوال استجبت لتلك الدعوة بصحبة زوجتى حيث التقيت هناك برموز سياسية شهيرة فى المجتمع مثل الدكتور عبد العزيز حجازى والدكتور كمال أبو المجد والدكتور زاهى حواس والدكتور يحيى الجمل وغيرهم.. كنا نتبادل الرأى حول ما يجرى حولنا من أحداث دون أن ننسى أحاديث الذكريات التى كانت تستغرقنا كثيرا فنحن نطمئن إلى الماضى أكثر.. فقد أفصح عن نفسه دون ضرر بعد أن بات فى القبر.. أما الحاضر والمستقبل فهما فى بلادنا رجما بغيب.. نخشى مخاطره أكثر مما نتوقع ثماره.
ولم يتخلف عن الدعوة أحمد ومحمد ابنا إحسان عبد القدوس فآمال طليمات شقيقة والدهما من الأم السيدة فاطمة اليوسف.
تزوجت فاطمة اليوسف ثلاث مرات.. الأول كان الممثل السينمائى محمد عبد القدوس وانفصلت عنه بعد عامين وهى حامل فى إحسان والزوج الثانى كان المخرج المسرحى ومؤسس معاهد التمثيل فى مصر ودول عربية أخرى زكى طليمات وأنجبت منه آمال (أو ميمى) أما الزوج الثالث فكان قاسم أمين ــ على اسم محرر المرأة ــ ولكنه لم يكن شخصا معروفا.
كان الحوار على مائدة طعام آمال طليمات محدود العدد.. يدور غالبا عن سنوات حكم السادات بحكم تصدر جيهان المائدة.. ولم تكن جيهان لتتردد فى تفسير ما غمض من التصرفات والقرارات الصاعقة التى اشتهر بها زوجها ووصفت بسياسة الصدمات.. ولكنها.. ظلت متحفظة فى الحديث عن مبارك حتى تنحى عن الرئاسة بعد انفجار تظاهرات ثورة يناير 2011.
لم يهتم مبارك بأسرة الرجل الذى اختاره نائبا له ومهد الطريق أمامه لحكم مصر ثلاثين سنة بعد أن كان كل حلمه تعيينه سفيرا فى بلاط سانت جيمس عند ترك الخدمة فى القوات الجوية مثل رئيس الأركان الأسبق سعد الشاذلى ومثل رئيس أركان الجيش الثالث الأسبق اللواء حسن أبو سعدة.. وعاشت جيهان على معاش محدود لم يكن يكفيها.. وقامت بالتدريس فى جامعات أمريكية بعد أن رفضت مساعدات مالية من هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية شديد الإعجاب بزوجها.
وحسب قرار مجلس الشعب الذى صدر عقب اغتيال السادات أصبح لجيهان وأبنائها وحدهم الحق فى سكن البيت الذى عاشوا فيه والسادات على قيد الحياة وتوفيرا لنفقات الفنادق الباهظة شهدت حديقة البيت احتفالات العائلة بمناسباتها الخاصة مثل الزواج وأعياد الميلاد.
فى كتاب خريف الغضب يروى هيكل : إن السادات كان يعيش فى بيت متواضع فى شارع الهرم ولكن بعد تعيينه نائبا للرئيس شعر أنه لا يليق به وأخذ فى البحث عن منزل أفخم ووقع اختياره على منزل يمتلكه لواء متقاعد وحينما عرض عليه استئجاره رفض الرجل فما كان من السادات إلا أن استخدم سلطاته الرسمية فى مصادرته.
وحينما سمع عبد الناصر بهذا الحادث تضايق ووبخ السادات بقوة لدرجة أن السادات اختفى فى قريته ميت أبو الكوم لبعض الوقت مدعيا أن غضب عبد الناصر كسر قلبه ولكن عبد الناصر جبر خاطره بمنحه بيتا على النيل كان مملوكا لمليونير يهودى هو البيت الذى سكنه رئيسا ولا تزال عائلته تسكنه.
ولكن الكاتب الإسرائيلى جوزيف فيلنكيستون فى كتابه السادات وهم التحدى يشكك فى رواية هيكل ويعتبرها مزيدا من انتقام هيكل من السادات لم يكن ليقدر عليه قبل اغتياله فالسادات لم يكن ليجرؤ على الاستيلاء على البيت دون موافقة عبد الناصر بل إن عبد الناصر هو ما عرضه عليه ليكون لائقا بنائب الرئيس.
والبيت كما شاهدته يتمتع بذوق كلاسيكى فى الأثاث واللوحات المعلقة على جدرانه وتحيط به حديقة كثيفة الخضرة ولا يخدم فيه سوى عدد محدود من الأشخاص وخارج أسواره حراسة رسمية من وزارة الداخلية.
كنت يومها بصحبة محمد هانئ المسئول عن فضائية سى بى سى نعرض على جيهان السادات تقديم قصة حياتها فى مسلسل يجمع بين ذكريات ترويها بنفسها ومشاهد تمثيلية يؤديها فنانون محترفون ولكن لسبب ما لم تقبل بالعرض المقدم إليها.
لكن ما أوجع قلب جيهان أكثر سماح مبارك بالتشهير بها إلى حد الادعاء بأنها تمتلك مزرعة فى ولاية أمريكية وكان الادعاء الأسوأ أنها تزوجت من حارسها اللواء محمد سعودى الذى ظل وفيا لها حتى الآن ويقوم بتنظيم مواعيدها وتدبير شئون بيتها والملفت للنظر أن الذى تولى حملة التشهير كان إبراهيم سعدة الذى عينه السادات رئيسا لتحرير أخبار اليوم بقرار مفاجئ لم يكن متوقعا.
وكان اللواء محمد سعودى هو الذى رتب لى موعدا مع جيهان لتسجيل حوار تليفزيونى معها بعد محاضرة القتها فى مجلس اللوردات بترتيب من رجل أعمال مصرى يعيش فى لندن هو سمير تكلا.
جرى الحوار فى إحدى قاعات فندق جروفنر هاوس الذى كانت تقيم فيه ويومها تجرأت وسألتها : ما الذى يجعل فتاة جميلة مثلك تنتمى إلى عائلة مستقرة أن تحب وتتزوج رجلا مثل السادات يكبرها بأعوام كثيرة وسبق له الزواج ولديه أطفال ومطرود من الجيش ويعمل فى مهن متواضعة ليكسب قوته وكانت فرصة اقترانها بمن هو أفضل منه كبيرة ؟.
وجاءت إجابتها حاسمة: رأيت فيه بطلا بعد القضايا السياسية التى اتهم فيها.
كانت جيهان تتابع أخبار وصور السادات فى الصحف التى تابعت محاكمته بتهمة اغتيال وزير المالية أمين عثمان الذى وصف العلاقة بين مصر وبريطانيا بالزواج الكاثوليكى.
والحقيقة أن السادات كان مجنونا بالبطولة.. فى صباه تأثر السادات بقصة زهران الذى أعدمه الإنجليز بعد حادث دنشواى.. وعندما سمع عن غاندى لم يتردد فى تقليده.. ارتدى زيا متواضعا.. وجر فى يده ماعزاً ليشرب من حليبها وهو معزول فى مغارة جبلية.. وأعجب السادات بشخصيات أخرى.. مثل مصطفى كامل.. وأتاتورك.. وهتلر.. ومصطفى النحاس.. وأتصور أن فى شخصية السادات بعضا من كل هؤلاء.
أضافت جيهان : إن السادات يوم تقدم لخطبتى كان صريحا معى فلم يعدنى بشيء وكل ما قدمه لى أغنية لفريد الأطرش غناها بصوته.
وكان السادات معجبا بفريد الأطرش حتى إنه حمل معه أشرطته الغنائية إلى منتجع كامب ديفيد ليهدئ بها أعصابه فى مفاوضات السلام الصعبة مع رئيس الحكومة الإسرائيلية وقتها مناحم بيجن الذى كان وجوده يسحب الأكسجين من مناخ الخضرة المحيط بالمكان الذى يقضى فيه الرئيس الأمريكى إجازاته.
وجيهان السادات سيدة بسيطة.. هادئة.. دبلوماسية.. والواضح أنها أنيقة المظهر ولكن ولو صدقنا رواية جوزيف فينكليستون فإنها كانت أقل غرورا من زوجها وكانت تعاتبه دوما على المبالغة فى ملابسه المفصلة.
على أن لا أحد ممن تناولوا سيرة السادات ذكر اسم بيجان صاحب القائمة التى كانت تخرج باسمه عن أشيك الرجال فى العالم وكان يضع فيها السادات فى ترتيب يسبق نجم السينما الفرنسية أيف مونتان.
وبيجان إيرانى الأصل.. يمتلك مكانا متميزا فى روديو دريف.. أغلى شوارع الموضة فى بيفرلى هيلز.. وطن النجوم والمشاهير.. وعندما نشر مذكراته فى مجلة آنفنتى تحدث عن تأثير اختيار السادات فى القائمة على تحوله ناحية الغرب بعد خروجه من تحت عباءة السوفيت.
مؤخرا اعتذرت جيهان عن قبول دعوة ميمى طليمات والسبب أن جيهان أصيبت بمرض ما أجبرها على السفر إلى الولايات المتحدة لإجراء جراحة للتخلص منه هناك.
وشاءت الأقدار أن تصاب بنفس نوعية المرض ذاته سوزان مبارك التى وجدت علاجها فى المركز الطبى العالمى المشيد على طريق القاهرة ــ الإسماعيلية.
لقد فرقت السلطة بينهما بعد أن نالت كل منهما لقب السيدة الأولى متصورة أن الدنيا دائمة ليلقيا معا نفس المصير شفاهما الله.
والمؤكد أن تغير الظروف السياسية بعد رحيل الإخوان عن الحكم أنصف جيهان السادات وأعادها إلى الأضواء من جديد فانهالت عليها دعوات الحوارات التليفزيونية وجلست فى الصف الأول بجانب الرئيس فى مناسبات وطنية مختلفة ولكن القدر لم يكن رحيما بسوزان مبارك فقد عانت كثيرا بعد دخول الرجال الثلاثة فى عائلتها (مبارك وعلاء وجمال) السجن أكثر من مرة بجانب حملات الطعن فيهم التى لم تتوقف.
وكانت سوزان مبارك قد أصيبت من قبل بالسرطان وشفيت منه بعد شهور طويلة من العلاج فى الولايات المتحدة ولكنها على ما يبدو لم تتخلص من آثاره النفسية كما ينصح الأطباء عادة فتضاعف شعورها بالقوة بعد استرداد عافيتها ودفعت زوجها بكل ما تملك من سطوة وتأثير إلى توريث الحكم إلى ابنها جمال دون أن تصدق أو تتصور بأنها تدفع النظام إلى الهاوية وهو ما حدث وما كان.
وأتصور أن سوزان مبارك كانت وراء حالة الجفاء التى أصابت مبارك تجاه عائلة السادات خاصة جيهان التى كانت أول من نالت لقب السيدة الأولى فى مصر وهو لقب مستورد من الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة.
والمثير للدهشة أن مبارك فى أيام حكمه الأولى استنكر ما نشرته صحيفة الجمهورية عن رغبة زوجته فى توفير كوب لبن يوميا لكل طفل وغضب من وصفها بالسيدة الأولى مشيرا إلى أنها ستحتفظ باللقب الوحيد المناسب لها.. زوجة الرئيس وربة بيته ولكنه سرعان ما تراجع عن رأيه تاركا لها فرصة الظهور على المسرح خطوة خطوة حتى سيطرت عليه.
لم تكن سوزان مبارك لتقبل بوجود سيدة أولى غيرها فقضت على مشروع الوفاء والأمل الذى تبنته جيهان السادات وفرضت على الدولة الاهتمام بمشروعاتها الاجتماعية خاصة ما يتعلق بالطفل من متحف وحديقة ومعرض كتب.
وأسوة بالدكتوراه التى حصلت عليها جيهان السادات فى الأدب المقارن من جامعة القاهرة عام 1986 حصلت سوزان مبارك على نفس الدرجة العلمية العليا ولكن من الجامعة الأمريكية وإن منحتها جامعة القاهرة الدكتوراه الفخرية فى علم الاجتماع عام 2010 بعد أن خلعت عليها صفة المثقف الملتزم بقضايا وطنه.
على أن سوزان مبارك كانت تحلم بما هو أكبر.. جائزة نوبل للسلام.. فلم تتردد فى تمويل مشروعات ومعسكرات تجمع أطفال العالم بمن فيهم أطفال إسرائيل.. ولكنها لم تنل ما تمنت.. بل اختفت من الحياة العامة تماما بعد تنحى زوجها عن الحكم.
ولا شك أن ما جرى لها أسعد الشيخة موزة وزوجها أمير قطر السابق حمد بن خليفة فقد كان بينهما غيرة نسائية شديدة ضاعفت من سوء العلاقات بين القاهرة والدوحة.
لم تلعب سوزان الدور الذى لعبته جيهان فى تصفية الخلافات بين السادات ورموز المجتمع الغاضبة من سرعة انفعالاته وشدة قراراته ونجحت جيهان فى تلك المهمة المستحيلة لسبب بسيط أنها تمتلك نفسا هادئا فى الحوار بجانب قدرة على التسامح تخفف من حدة خصوم زوجها وتشد بعضهم إلى جانبه وسمعت منها حكايات كثيرة تدعم ذلك فى الحوارات التليفزيونية التى أجريتها معها أو فى أسئلتى التى وجهتها إليها على مائدة طعام آمال طليمات.
ولكن فى السنوات الأخيرة عانت آمال طليمات من متاعب صحية فرضت عليها الاعتذار عن دعوتها السنوية على شرف جيهان السادات وإن ظلت آمال طليمات متابعة لما يجرى حولها من تغييرات سياسية بقراءة الصحف ومشاهدة برامج التوك شو الليلية ولم تتوقف يوما عن الاهتمام بما يجرى فى «روزاليوسف» المجلة التى أسستها والدتها وبسبب تجربتى فى إدارة تحريرها تحمست لدعوتى للقاء السنوى مع جيهان السادات وشكرتها على الإشادة بتلك التجربة التى حققت للمجلة نجاحا ملموسا بعد أن قرأ الصحفيون على روحها الفاتحة.
وعندما قررت تقديم حلقة عن إحسان عبد القدوس فى برنامجى التليفزيونى حكاية وطن وافقت آمال طليمات على تسجيل ذكرياتها أمام الكاميرا بعد أن تأكدت من أناقة ملابسها وتسريحة شعرها بخصلاته الفضية وحرصت على أن تظهر فى الكادر صورتها مع إحسان بجانب صورة أخرى للسادات الذى كان صديقا شخصيا للعائلة ورغم ذلك لم يلجأ إليها إحسان ليفرج عن ابنه محمد فى اعتقالات 5 سبتمبر عام 1981 قبل شهر من اغتياله.
كانت آمال طليمات صريحة فى الحديث عن المتاعب المالية التى عاشها والدها مع فاطمة اليوسف عقب زواجهما كما كانت صريحة وهى تصف حالة القلق التى عاشها شقيقها إحسان بين أم جريئة أنجبته وعمة محافظة تربى فى بيتها وربما صنع ذلك التناقض الحاد شخصيته المبدعة التى حكمت كثيراً من التقاليد الاجتماعية العتيقة وانتصر فى النهاية للمرأة.
وقد رحلت آمال طليمات فى هدوء كما عاشت فى هدوء ولكن ذلك لا يمنع أنها كانت شخصية قادرة على إثارة الجدل والنقاش وهى على قيد الحياة وقادرة على إثارة الذكريات بعد أن أصبحت فى ذمة الله.