أحمد الشيخ يكتب: مستوردو السيارات يتحدون الحكومة
إذا رأيت ارتفاع غير مبرر في الأسعار
ابحث دائمًا عن جشع التجار، ظاهرة سيئة تنتشر في الكثير من المجتمعات، ولكن الغريب
أن تنتشر في مجتمعات عربية بين تجار أصحاب ديانات سماوية جميعها حرم الممارسات
التجارية التي تضر بالمجتمع، ومنها الجشع والاحتكار ورفع الأسعار على الناس دون
مبرر.
ولكن للأسف في مصر انتشرت هذه الجرائم المجتمعية التي ترقي لمرتبة القتل
العمد مع سبق الإصرار والترصد، ويجب معاقبة من يحتكر سلعة أو خدمة ويرفع سعرها على
المواطنين دون مبرر بالإعدام رمياً بالرصاص في ميدان عام حتى يكون عبرة لمن لا
يعتبر خصوصًا في ظل الظروف الدقيقية التى تمر بها مصر حالياً والفرص التي تسعى
للحصول عليها بالمنطقة والعالم.
ولا تندهش عندما تجد مصطلح "جشع التجار" أصبح لفظ دارج في مصر
حتي على لسان المسئولين الحكوميين والوزراء الذين دورهم بالأساس محاربة مثل هذه
الجرائم الهادمة للمجتمعات، فتجد أبسط رد للوزير أو المسئول عند سؤاله عن سبب
ارتفاع أسعار سلعة معينة: "جشع تجار" حيث يعتقد بذلك أنه يدفع تهمة عن
الحكومة بأنها ليست السبب في غلاء الأسعار، ولكنه يجهل أنها إدانة صريحة فمادمت
تعلم أيها المسئول أنه جشع تجار، وأنت أيضاً تعلم من هم التجار المحتكرين للسلعة
فلماذا لا تقدمهم للمحاكمة بتهمة الجشع والاحتكار ورفع الأسعار؟!، ما السبب في
التستر عليهم؟
ولكي لا ندخل في الكثير من الأسئلة التى لن نجد لها إجابة، دعونا ندخل في
صلب قضية هذا المقال وهو جشع واضحة للعيان وهي تمسك تجار ومستوردي السيارات بعدم
خفض أسعار السيارات بشكل يناسب التخفيضات الجمركية الأخيرة على السيارات ذات
المنشأ الأوروبي والتى انخفضت إلى صفر جمارك مع بداية 2019 بموجب اتفاقية
الشراكة المصرية الأوروبية.
ورغم تنفيذ الحكومة المصرية ممثلة في مصلحة الجمارك بنود
اتفاقية الشراكة الأوروبية بإعفاء السيارات
حتى 1600 سى سى بنسبة 12% من قيمة السيارة، بينما سيتم الإعفاء من 40.5% من قيمة السيارة
فوق 1600 سى سى، وفضلاً عن أن المستورد سيدفع ضريبة قيمة مضافة بسبب انخفاض وعاء الضريبة،
إلا أن التجار لم يعلنوا سوى عن تخفيضات ضئيلة جداً لم تتعدى 4% في أكثرها، وهو ما
خالف توقعات المستهلكين والحكومة التي توقعت انخفاض الأسعار ما بين 9 إلى 30%
وفقاً لنوع السيارة.
في ذات الوقت كذبت الحكومة الشائعة التي أطلقها بعض
التجار الجشعين حول دراسة زيادة رسم تنمية
الموارد على السيارات لتعويض الانخفاض فى الحصيلة نتيجة تطبيق الاتفاقية، والمقدر بنحو
1.5 مليار جنيه، لتضع التاجر في مواجهة المستهلك، المترقب لانخفاض السعر، وهو ما
يجعل الوضع صعب في ظل عدم وجود رقابة محكمة على الأسواق خصوصا السيارات.
ورغم الركود الذي ساد سوق السيارات منذ تعويم الجنيه والارتفاع المبالغ فيه
في الأسعار، ورغم أن تخفيض الجمارك يمثل فرصة كبيرة للسوق لإعادة التوازن وتحقيق
نمو كبير خلال الفترة المقبلة، إلا أن بعض الجشعين رأوا في التخفيض فرصة لتحقيق
بعض المكاسب الإضافية لتعويض الركود خلال الفترة الماضية، والبعض الأخر يخشي من
فروق الأسعار التي سيتم إرجاعها لمشتري السيارات خلال الثلاثة أشهر الأخيرة وفقاً
للعروض الترويجية التى تم إطلاقها قبل الإعفاء لطمئنة المستهلكين وتخفيف حدة
الركود الناتج عن حالة الترقب بالسوق.
وأفادت إحصائية صادرة عن مصلحة الجمارك المصرية بزيادة الواردات
من سيارات الركوب "الملاكي" عبر مرفأ الإسكندرية البحري بنسبة 94.8 % في
الأشهر التسع الأول من 2018 لتصل إلى 74.115 وحدة مقابل 38.000 في نفس الفترة من 2017
والذي أسماه تجار السيارات بعام الركود،
حيث انخفضت مبيعات السيارات بنسبة 31.6% تقريبا لتسجل 136.600 سيارة مقابل حوالي 199.600خلال نفس الفترة من العام السابق عليه
ولكن هذا ليس ذنب المستهلك، فمن حقه الاستفادة من الإعفاءات، ومن حقه أن يلمس
انخفاض الأسعار بالشكل الذي يجعله يثق في شفافية التعامل داخل السوق، وأن أى مردود
إيجابي للإصلاح الاقتصادي سوف ينعكس عليه في النهاية بشكل مباشر، ولكن من يحمي حق
المستهلك ويراقب السوق ، بالطبع هو جهاز حماية المستهلك الذي لم يعلق حتى الأن على
هذه المسالة ونرجوا منه اتخاذ خطوات سريعة نحو إجبار الشركات على تخفيض الأسعار
بشكل يلائم الإعفاءات الجمركية الأخيرة، ويحفظ هيبة الحكومة ويعكس حرصها على تحقيق
التوازن بين التاجر والمستهلك بما يحقق المصلحة العامة لمصر.