موازنة قطر.. وهم التغلب على المقاطعة
أصدرت وزارة المالية القطرية بيان الموازنة
العامة لعام 2019، متوقعة أن تحقق الدوحة فائضًا للمرة الأولى منذ نحو ثلاث سنوات،
بالإضافة إلى عدة أرقام تبدو إيجابية، وهو أمر
دفع كثيرين إلى القول بأن الدوحة تمكنت من التغلب على مقاطعة السعودية والإمارات
والبحرين ومصر لقطر منذ الخامس من يونيو 2017.
ولكن في الواقع، فإن هذه الأرقام ليس بالضرورة
دليلا على هزيمة دول المقاطعة الأربع أمام قطر، وهو الأمر الذي سيتضح عند الحديث عن
موضوعات رئيسية وهي: الفائض المحقق، والإيرادات والمصروفات، والضرائب.
فبالنسبة للفائض، فقد أعلنت وزارة المالية
القطرية في 13 ديسمبر الجاري أن موازنة قطر العامة لعام 2019، ستحقق فائضًا بنحو
4.3 مليار ريال، موضحة أن هذا الفائض جاء بسبب ارتفاع أسعار الطاقة في الأسواق العالمية،
وزيادة الإيرادات الأخرى (غير النفطية).
لكن هذا الفائض لا يعتبر دليلا على تعافي
قطر من آثار مقاطعة الرباعي العربي، وذلك لأنها اعتمدت في توقعاتها على الزيادة المتوقعة
في أسعار الطاقة العالمية، والتي هي المصدر الرئيسي للموازنة، بالإضافة إلى أن المقاطعة
منذ أيامها الأولى لم يكن لها تأثير في حركة صادرات الغاز والنفط القطري، أي أن الطاقة
من هذه المعادلة من البداية فلا يمكن القول الآن إن هذا الأمر يعتبر تغلبًا على المقاطعة.
أما بالنسبة للنقطة الخاصة بالإيرادات والمصروفات،
فقد أوضحت تقديرات الموازنة أن إجمالي الإيرادات بالعام الجديد ارتفعت بنسبة 20.5%
لتصل إلى 211.0 مليار ريال، مقارنة مع تقديرات الإيرادات في الموازنة الحالية والتي
بلغت 175.1 مليار ريال، بينما جاء الارتفاع في المصروفات أقل كثيرًا من الإيرادات،
إذ من المتوقع أن تصل إلى 206.7 مليار ريال مقارنة مع تقديرات بلغت 203.2 مليار ريال
لعام 2018، بزيادة نسبتها 1.7%.
وبقراءة هذه الأرقام، نجد أن أهم أسباب هذا الارتفاع الكبير يعود إلى الزيادة
المتوقعة في إيرادات الطاقة، لكن بالنسبة للنفقات فهناك نوعان من المصروفات خفضت قطر
الإنفاق عليها بشكل ملحوظ، وأولها المصروفات الرأسمالية، أو ما تسمى مخصصات الباب الثالث
من موازنة قطر، هذا بالإضافة إلى خفض مخصصات المشروعات الرئيسية.
ويبرر بيان الموازنة هذا الخفض بأنه جاء
نتيجة للانتهاء من عدد من المشاريع الكبرى لتطوير البنية التحتية في مختلف أنحاء الدولة،
لكنه ورغم الانخفاض فإن هذا الباب يستحوذ أكبر حصة من إجمالي المصروفات، تصل إلى
43.3 %، لكن هذا الخفض أيضًا لا يتماشى مع خطط الدوحة لاستكمال المشاريع المرتبطة باستضافة
كأس العالم 2022.
وعليه، فمن الصعب القول بأن الدوحة تغلبت
على المقاطعة من خلال هذه الموازنة في الوقت الذي تخفض إنفاقها في جوانب رئيسية فيها، وبهذا أيضًا لا يمكن القول إن الدوحة انتصرت فقط
لمجرد تحقيق فائض ما، أو زيادة إيرادات في الموازنة المتوقعة.
وبالحديث عن الضرائب، فيمكن اعتبار قرار
الدوحة بإنشاء الهيئة العامة للضرائب هو الموضوع الأهم، فخلال السنوات الماضية دائمًا
ما كان التعامل الخليجي مع الضرائب محدودًا جدًا، وبالرغم من أن قطر قررت أنها سترجئ
فرض ضريبة القيمة المضافة التي كانت متوقعة لعام 2018، إلا أنها لجأت إلى أنواع أخرى
من الضرائب، وهو أمر يمكن اعتباره ناتجًا من تعرض الدوحة لضغوط مالية بسبب المقاطعة
دفعتها إلى هذا الإجراء.
وفي اليوم نفسه الذي تم إعلان الموازنة
فيه، أعلنت قطر إصدار قانون الضريبة على الدخل، وقانون بشأن الضريبة الانتقائية، بالإضافة
إلى قرار بإنشاء الهيئة العامة للضرائب، وزعمت الدوحة أن الهدف هو تطوير المالية العامة
لدعم النمو الاقتصادي.
ولا شك أن الحديث عن الضرائب في قطر أمر جديد، خاصة أن كثيرًا من المنابر الإعلامية المحسوبة على البلاد دائمًا ما كانت تتناول الضرائب الجديدة التي تفرضها الدول المقاطعة لقطر بالنقد الحاد، لذلك على أي حال لا يمكن اعتبار هذا الجزء أيضًا نجاحًا قطريًّا في وجه المقاطعة.