أحمد شفيق يبدأ بسرد أسرار اللحظات التي غيّرت وجه "مصر":طنطاوي رفض منصب "نائب الرئيس"
لماذا الفريق أحمد شفيق؟ الأسباب كثيرة. لأنه كان رئيساً للوزراء حين تخلى الرئيس حسني مبارك عن السلطة. ولأن ضرورة التخلي تبلورت في اجتماع ضم شفيق ونائب الرئيس عمر سليمان ووزير الدفاع المشير حسين طنطاوي. غاب عمر سليمان وأخذ أسراره معه. ولا يزال طنطاوي معتصماً بصمته. لهذا، تسلط رواية شفيق الضوء على ما جرى في أروقة القصر في تلك الأيام. أسباب أخرى لسؤال شفيق عن روايته. الأرقام التي حققها حين نافس محمد مرسي في انتخابات الرئاسة كانت استثنائية وهو لا يزال يتمسك بروايته أن «الإخوان» سرقوا الرئاسة بعدما سرقوا الثورة. ثم إن شفيق ابن المؤسسة العسكرية التي ينظر المصريون إليها على أنها الضمانة بعدما أصيبت بلادهم بـ «سرطان الإخوان» على حد قوله. سألت «الحياة» أحمد شفيق عن نهايات عهد مبارك وحكم «الإخوان» وهنا نص الحلقة الأولى:
> ماذا فعلت حكومة الدكتور أحمد نظيف بعد اندلاع الاحتجاجات في 25 يناير (كانون الثاني) 2011؟
- أول ما يرد إلى ذهني الآن هو اجتماع الحكومة صباح 29 يناير عندما تقرر تغيير الحكومة.
> ماذا حصل في هذا الاجتماع الذي جاء بعد يوم من انضمام جماعة «الإخوان المسلمين» إلى حركة الاحتجاجات؟
- ظهر أن الحركة عملياً مستمرة. في يوم 29 في الاجتماع كان الدكتور أحمد نظيف. قال إننا سنقدم خطاب استقالة وطبعاً بناء على الطلب ابتسم نظيف قبل الاستقالة وقال: «الله يكون في عون من سيحل محلنا». كنت أقرأ جسامة الموضوع على وجوه الحاضرين. هذا يعتبره موقفاً خطيراً جداً، وذاك يراه أقل خطورة. أزعم أنني أستطيع قراءة الوجوه جيداً.
> ووزير الدفاع المشير حسين طنطاوي؟
- لم يحضر هذا الاجتماع. كان في مقر العلميات في مركز القيادة بسبب الظروف. بانتهاء الاجتماع توجهت إلى مكتبي، وللأمانة تخيلت أنني سأكلف تشكيل الوزارة بنسبة 80 في المئة. مرجعية ذلك أنني منذ ما يقارب حوالى ثلاث سنوات سبقت هذه الأحداث كان يتردد اسمي مرشحاً تالياً لرئيس الوزراء. حتى إن الكثيرين كانوا يتعاملون معي على هذا الأساس. وأذكر أن جريدة «وول ستريت» ذكرت هذا الموضوع تفصيلياً ووضعت صورة لي ومقالاً لسياسي قدير في مصر اسمه أسامة الغزالي حرب، ونقلت عنه قوله إن أحمد شفيق سيكمل المشوار، وقالت إنها اتصلت في القاهرة بمسؤولين وسياسيين ومواطنين من الشارع والكل يقول إن أحمد شفيق سيكون رئيساً للوزراء أو أكثر من ذلك، وإنه يبدو أن نجمه يبزغ في هذه الفترة. هذا على مدى السنوات السابقة. لماذا؟ لسبب بسيط، أن الطيران المدني في هذه المرحلة والتي كنت قضيت فيها ست سنوات كان بؤرة نموذجية في الإدارة والنتائج التي تحققت، فالناس تنظر إلى هذا الموضوع. ففي مرة بينما كنت عالقاً في زحمة السير في المارينا، كان الشبان يتركون سياراتهم ويطلبون مني أن أكون رئيساً للوزراء لتسير الأمور في شكل صحيح. كان معروفاً عني نوع من الانتظام في وزارة الطيران، وربما كانت هذه المرجعية.
> تقصد أن كونك عسكرياً وإدارياً ذا رؤيا ساهم في ذلك؟
- لا، ليس كوني عسكرياً لأنني لا أدعي أنه كان لي طابع عسكري أكثر، لكنني اعتبرت ناجحاً في وزارة الطيران.
> في اجتماع 29 يناير كان لديك شعور بأنك ستكلف؟
- نعم، وكان شعوراً قوياً. وفعلاً حين وصلت إلى المكتب اتصل بي رئيس ديوان الرئاسة زكريا عزمي، وقال هل أنت في المكتب، فأجبته نعم. فطلب مني أن أبقى في المكتب لاحتمال أن يطلبني. وبعد خمس دقائق قال لي من الأفضل أن تكون عندنا هنا لأنني أعلم أنك ستُطلب. لم يكن طلب منه أن يدعوني، لكنه طلب مني المجيء، وما حصل فعلاً أنه بمجيئي إلى المكتب كان يبدو أن رئيس الدولة في حينه قال لهم استدعوا الفريق أحمد شفيق.
> زكريا عزمي كان صاحب دور فاعل في عهد مبارك؟
- طبعاً، كان قريباً جداً لكنه كان يخشى الرئيس كثيراً. يخشى تقلّب مزاجه.
> مبارك صاحب مزاج متقلب؟
- أنا تحدثت عن الرئيس مبارك في مجلة كانت في عددها الأول وطلبوا أن أكون شخصية العدد. من ضمن الأسئلة التي وضعوها كتابة: من تراه مثلاً أعلى، فقلت والدي ووالدي ووالدي، ثم قلت بالقدرة على الفصل بين العمل والعلاقة الخاصة فإن حسني مبارك يمكن أن يعتبر مثلاً أعلى في ذلك. في يوم من الأيام، أحد مقدمي البرامج في التلفزيون بعد الثورة كان مغرضاً في تفكيره كما لو أنه يقبض على خطأ قاتل، استعمل هذا الكلام، لكنني قلت له اقرأ الجريدة جيداً وافهم معنى كلامي. تعاطى مع القضية كأنه عثر على ثروة. ما كنت أقوله إن حسني مبارك كان عنده قدرة فائقة على الفصل بين العلاقة الشخصية واحتياجات العمل وبالتالي من كان يأمن جانبه ويزيح الكلفة بينه وبين مبارك كان يعرض نفسه لخطورة شديدة. وأنا إن كنت نجحت في موقعي لفترة طويلة جداً، لم يوجه ضدي خلالها أي تصرف حاد، مع أنه كان هناك الكثير من التصرفات الحادة من قبل حسني مبارك تجاه أشخاص يعملون معه عندما يخلطون بين العمل والعلاقات العامة ويعتقدون أنهم وصلوا إلى درجة من العلاقة تتيح لهم المونة أو التأثير.
> كان صارماً؟
- كان صارماً في قيادته بصفة عامة، لكنه قد يخادعك بسلوك في غاية البساطة وعليك ألا تنخدع وتلتزم في خطك إن كنت ترغب في أن تستمر محترماً ومحافظاً على وضعك.
> هل كان أكبر خطأ ارتكبه مبارك هو قبوله بمسألة التوريث؟
- لا أعرف تماماً ما كان يضمره. كان يعلن أنه لا يقبل التوريث ولا يريده ولا يعمل له، هذا كان يقال وكان يعلنه. لكن الله يعلم ما في القلب. سئل مرة أخرى، لماذا يمارس نجله جمال هذا الدور؟ فأجاب أن الرئيس فلان والرئيس فلان يساعدهما أبناؤهما.
> من كان يقصد؟
- ربما كان يقصد الرئيس جاك شيراك الذي كانت ابنته تساعده في يوم من الأيام.
> هل تحدث عن تجربة التوريث في سورية؟
- أنا لم أسمع منه ذلك. الغموض وبعض الممارسات كل ذلك أشعر الجمهور بأن التوريث خطة أكيدة آتية. ما كان يمارسه نجله جمال أوحى بأنه أكثر من مجرد معاون.
> يقال إن هذا الموضوع من الأسباب التي فجرت الغضب الشعبي؟
- هذا أكيد. إلى جانب عوامل أخرى.
> هل كنت معارضاً للتوريث؟
- بكل تأكيد كنت معارضاً للتوريث. وبالتأكيد لو أن الرئيس مبارك سألني كنت سأقول له إنني معارض للتوريث. ولمّا كان الرئيس مبارك يسألني عن شيء، كنت أقول إنني أعارضه أو لا أعارضه، وكان من المعروف عني أنني مباشر جداً في ردي. إن الأمر لا يتعلق بالشخص بل بمصلحة البلد ومصلحة الديموقراطية.
> وتزوير الانتخابات؟
- طبعاً، الحقيقة أن تزوير الانتخابات كان يتم في درجة أو أخرى دائماً، وهذا عيب في الساحة المصرية. حين كان الموضوع استفتاء على شخص الرئيس لم يكن من داعٍ للتزوير ولا فرق ما إذا أحرز 99 في المئة أم 90 في المئة. لكن، ظهرت نماذج التزوير بوضوح حين كانت هناك انتخابات. في عام 2005 على 3 مراحل، في المرحلتين الأولى والثانية نال «الإخوان» 88 مقعداً، وبما أن الموضوع كان يتم بالتنسيق مبدئياً بين حزب الغالبية و «الإخوان» ومباحث أمن الدولة، يبدو أن عددهم زاد عن العيار المقدر لهم وكان لا يزال هناك مرحلة ثالثة. من التساؤلات التي راودتني أنني توقعت أن «الإخوان» في الثالثة لن يحرزوا شيئاً ولم يحرزوا. هكذا، ومن دون أن يبلغني أحد بوجود تزوير عرفت أن هناك تزويراً ولن نضحك على بعض، ومع ذلك مارس «الإخوان» دورهم بـ88 عضواً وكانوا على علاقة طيبة جداً وسلسلة جداً مع النظام الحاكم حتى إن الأخ الدكتور زكريا عزمي في يوم خروجه من السجن منذ حوالى شهر أدلى بتصريح غريب. سئل عن الرئيس الحالي، فقال الرئيس الحالي رجل عادل وأذكر له أنه أثناء التنسيق على دوائر مجلس الشعب كان يخطط أن يترك دائرتي خالية من غير مرشح «إخواني» لأفوز في الدائرة.
> في أي انتخابات كان ذلك؟
- في الانتخابات السابقة. ليس هناك ما هو أكثر وضوحاً.
> ذهبت إلى زكريا عزمي، أي إلى القصر؟
- نعم إلى القصر، على باب المصعد التقيت جمال مبارك. كان يقف وحده. وكانت الظروف صعبة على الجميع. قال لي أنا استقلت من الحزب ومن كل العمل الذي أمارسه وأنا في المنزل ومتوقف عن أي عمل، ثم تدارك وقال إذا كان هناك من سؤال لي في أي وقت فأنا جاهز لأجيب. دخلت إلى السكرتاريا فقالوا لي: المشير محمد حسين طنطاوي لا يزال في الداخل، كان الوقت المقدر له ربع ساعة لكنه في الداخل منذ ساعة وربع الساعة. بعد دقائق خرج من اتجاه لم أره وطلبوا مني أن أدخل لالتقي الرئيس لأن المشير انصرف.
التقيت الرئيس يوم 29، وهو يتسم بالقدرة على التحمل وإخفاء المشاعر. وجدته جالساً في شكل طبيعي، ولم يكن التوتر بادياً عليه، قال لي أنا أرسلت في طلبك لأبلغك أنني أرغب في أن تشكل الوزارة الجديدة، وها أنت كنت في الوزارة القديمة لتسع سنوات وأنت تعلم خبايا الموضوع وملم به. أعتقد أنه كان هناك درجة وثوق كبيرة بي، سواء في الخدمة العسكرية التي اطلع عليها جيداً أو في خدمتي الناجحة في وزارة الطيران.
سرد لي ماذا دار بينه وبين المشير. قال لي إنه أمضى أكثر من ساعة في إقناع المشير ليتولى منصب نائب رئيس الجمهورية لكنه رفض بإصرار. استغربت وقلت له: هل حضرتك تقصد منصب نائب رئيس الجمهورية أو منصب مساعد أو مستشار فقال: لا، نائب رئيس الجمهورية، ورفض بإصرار. دهشت.
> ومن كان مرشحاً لمنصب نائب رئيس الجمهورية؟
- قيل في وقت من الأوقات الوزير عمر سليمان لكنه لم يرشح. وأنا أعتقد أن حسني مبارك لم يكن ليعين نائباً للرئيس لو شعر بأن التوريث يمكن أن يمر لكن الأوضاع كانت تملي عليه أن يفعل شيئاً.
> هذا بعد حواره مع المشير؟
- نعم، قال لي الرئيس مبارك إنه قال لطنطاوي: لن ينفع يا سيادة المشير لأن الفريق أحمد شفيق في الخارج الآن وأنا سأكلفه رئيساً للوزراء.
> ما الذي لا ينفع؟
- المشير طنطاوي يسبقني في الأقدمية، ولا ينفع في العرف أن يستمر كما طلب أي أن يحتفظ بوزارة الدفاع. قال له الرئيس لن يستقيم الوضع. فقال المشير ليس هناك حرج أبداً. وفي الحقيقة ليس هناك حرج في الأقدمية لأنني أقدم بكثير في الحياة العملية من أحمد نظيف. وأحمد نظيف كان يرأس الوزارة التي تضم حسين طنطاوي. استرسل الرئيس السابق وقال له: أنا أقول لك مرة ثانية يا حسين إن أحمد شفيق سيمسك (رئاسة) الوزارة، وأحمد شفيق ليس سهلاً وأنت تعلم ذلك.
هذا ما قاله لي الرئيس السابق. رد طنطاوي: العلاقة بيني وبين أحمد شفيق جيدة، ولا تقلق يا سيادة الرئيس أنا راضٍ تماماً.
> لماذا رفض منصب نائب الرئيس؟
- أعتقد أنه افترض أن منصب وزير الدفاع أكثر أهمية في ظروف حرجة لا يمكن التكهن بالاتجاه الذي يمكن أن تأخذه.
> هل تركها لعمر سليمان؟
- لا أدعي أنني أعرف تفسيراً جاهزاً. ولا أريد اعتماد تفسيرات أخرى. من بين الكلام الذي تردد هو أنه اعتبر وزارة الدفاع الموقع الأفضل الذي يؤهله لولوج مرحلة جديدة كانت تبدو غامضة أو مظلمة.
> كيف كانت علاقة طنطاوي بعمر سليمان؟
- يظهران المحبة الواحد للآخر، لكن، أعتقد أن المسايرة العلنية لا تلغي وجود مشاعر ناتجة من شيء من المنافسة. والموضوع له تاريخ، في وقت من الأوقات وفي غضون حرب تحرير الكويت كان عمر سليمان مديراً للاستخبارات الحربية وكان طنطاوي رئيساً لهيئة العمليات، وكان مبارك يعتمد عليهما سوياً ذهاباً وعودة من حفر الباطن في السعودية فترة التجهيز والإعداد وهو كان قلقاً جداً في هذه المرحلة.
> مم كان قلقاً؟
- كان قلقا من تبعات مشاركة مصر في العمليات القتالية. وأنا أستطيع أن أدعي أنني من أكثر الناس فهماً لطبيعة حسني مبارك.
> خائفاً من ردود شعبية؟
- لم يكن يريد أن ينغمس. هو يجري حساباته بدقة وتأنٍّ، ولم يرد أن ينغمس، حتى إنه أصدر قراراً متأخراً قال فيه إن القوات لن تدخل الحدود العراقية. وأنا كنت حينها أحد العاملين في تجهيز الطيران للتحرك، ليذهب مع القوات المصرية، قد أدعي أنني في داخلي كنت أتوقع أنه إعداد صوري وأن الطيران لن يذهب على رغم كل التجهيزات، لسبب أن الطيران لن تستطيع أن تطلب منه ألا يتخطى الحدود وهكذا ستجد طائرة أسقطت في الداخل وتواجه اشتباكاً. وكما توقعت صدر القرار بعدم تخطي الحدود. نحن في الخارج نساهم مع القوات الأميركية والدولية في إزاحة القوات العراقية من الكويت. ولم يذهب الطيران.
> الحساسية بين سليمان وطنطاوي منذ ذلك التاريخ؟
- كانا في سباق. هما من الدفعة نفسها، والأسبقية ستة أشهر. عمر سليمان أقدم بستة أشهر من طنطاوي. كان حينها كل ما يطمح إليه كل منهما هو منصب رئيس أركان القوات المسلحة.
> كان عمر سليمان يريد أن يكون رئيساً للأركان؟
- جداً، وحسين طنطاوي أيضاً. كل منهما لم يكن له هدف آخر. وكل منهما ينزل من الطائرة من حفر الباطن إلى منزل الرئيس مبارك. لم يكن الوزير يذهب ولا رئيس الأركان، قد يذهبان شكلياً، لكنهما كانا الحصانين الذين يتحركان حينها. وفجأة بعد استقرار الأمور نقل عمر سليمان إلى الاستخبارات العامة وطنطاوي إلى وزارة الدفاع.
> إذاً، لم يعينه رئيساً للأركان بل وزيراً؟
- مباشرة، أصبح عمر سليمان في الاستخبارات العامة وهي قريبة جداً من الرئيس، وطنطاوي في الجيش. الدرجة الرسمية لرئيس الاستخبارات العامة أقل من أي وزير. هو وزير لكن في الآخر. طبعاً نحن بشر. حسين طنطاوي عين وزيراً أول وعمر سليمان بعد آخر وزير بينما هو قد يكون الأقرب إلى رئيس الجمهورية. مواقع وحساسيات ونحن في النهاية بشر.
> أسأل مجدداً لماذا اعتذر طنطاوي؟
- لن أفترض أنه قدّر أن حسني مبارك سيتنحى وأنه سيتولى.
> نتحدث هنا عن 29 يناير؟
- قال لي الرئيس مبارك أنا أرسلت في طلب عمر سليمان ليكون نائباً للرئيس. أعكف الليلة على إعداد لائحة بأسماء الوزراء وأتمنى أن تستبقي لي فقط اثنين يهمني وجودهما. أحدهما وزير العدل ممدوح مرعي وهذا الرجل كان البعض يكرهه وفي الميدان كان الشبان يكرهونه وكانوا يعتقدون أنه كان كرئيس للمحكمة الدستورية يطبخ نتائج الانتخابات مع الرئيس. الحقيقة أن أي واحد في هذا الموقع سيطبخ نتائج الانتخابات مع الرئيس في الأجواء التي كانت سائدة. لكنه وبالتعامل المباشر معه لسنوات كان أكثر رجال الوزارة رجولة وإخلاصاً للوطن. الناس لا يعلمون أنه كان يقف جداراً صلباً وينفعل في حال وجود تصرفات غير سليمة. الوزير الآخر الذي طلبه كان طبعاً إضافة إلى جانب المشير طنطاوي الذي كان تقرر بقاؤه، هو وزير الخارجية أحمد أبو الغيط، على رغم أن الناس كانت تستشعر أن أبو الغيط بصدد المغادرة.
> كان يحب أحمد أبو الغيط؟
- اكتشفت أنه يحبه. ولا نستطيع أن ننسى أن دور وزير الخارجية مكمل لدور الرئيس في الشأن الخارجي.
> لم يكن مبارك يحب عمرو موسى؟
- في البداية كان قريباً منه. مبارك وقف موقفاً صلباً جداً يوم اجتياح الكويت. قد يكون حسني مبارك أكثر الرؤساء العرب صلابة في هذا الموقف، ولو اطلعت على التسجيل الخاص بالقمة العربية التي عقدت في القاهرة تجد أنه كان يدير اللقاء بمنتهى الحزم والحسم. ربما كان لديه غصة فقد تردد أنه طمأن أمير الكويت وقال له: «لا تقلق صدام حسين لن يقدر على فعل شيء». هذا على رغم أن صور الاستخبارات أوحت بأن التعبئة على الحدود ليست تعبئة للمناورة بل للاحتلال، هجوم واحتلال واستقرار.
كان موقف مبارك حازماً وحتى اليوم تحمل الكويت لحسني مبارك جميلاً كبيراً جداً بسبب موقفه حتى انتهاء تحرير الكويت وتعاونه مع الأميركيين وسلاسته في التصرف مع بوش الأب ما سهل العملية ككل.
> لم يكن يحب عمرو موسى؟
- أحضره وهو كان رئيس وفد مصر لدى الأمم المتحدة، وجعله يحضر مؤتمر القمة إلى جانبه، على رغم وجود وزير الخارجية. كلنا استنتجنا أن عمرو موسى سيكون الوزير المقبل. كان يحبه لكن الأمور تتغير.
> بسبب نجومية عمرو موسى؟
- طبعا عمرو موسى لا يكره النجومية وهذا قد يكون سبباً. أعتقد أنه أصبح هناك جفاء غير معلن. هناك أيضاً الاختلاف في الرأي. عمرو موسى كان أحياناً يخالف حسني مبارك في الرأي أمام المجتمع العربي الحاضر في اللقاء. إن من يتحمل المسؤولية الأخيرة للسياسات هو رئيس الجمهورية وليس وزير الخارجية. من السهل انتقاد إسرائيل والمشاكسة في هذا الموضوع. هكذا، راجت أغنية شعبولا: أنا بكره إسرائيل وبحب عمرو موسى. إنه أسلوب عمرو موسى.
> فلنرجع إلى الاجتماع.
- قبل أن أخرج، طلب مني أن استبقي وزير العدل وأبو الغيط، وفي الاثنين لم يكن غضاضة، فأنا سأشرك عدداً من الوزراء الموجودين. لما وصلت إلى منزلي ليلاً، اتصل بي مبارك، وقال لي ما رأيك يا أحمد في أن تستبقي أنس الفقي وزيراً للشباب. كان الفقي قبل ذلك وزيراً للإعلام. قلت له يا سيادة الرئيس هذا صعب جداً، هو كان وزيراً للشباب وأتينا به وزيراً للإعلام وليس مناسباً أن نعيده وزيراً للشباب الآن. قال معليش.
في اليوم التالي أعددت نفسي وحلفنا اليمين في 31 يناير، وأبقيت أنس وزيراً للإعلام لأنني وجدت أن لا معنى له في وزارة الشباب. أنا ليس لدي مانع في إجراء تغيير كل 15 يوماً. أنا عينت في مصر للطيران شخصاً وبعد عشرة أشهر قلت له اختياري كان خطأ وتفضل.
> لم يطلب مبارك شيئاً في ما يتعلق بوزارة الداخلية؟
- أبداً، أدت الحكومة اليمين الدستورية في 31 يناير وبعد حوالى ثلاثة أسابيع أجريت تعديلاً وزارياً.
قبل ذلك كنت قرأت مع زكريا عزمي لائحة الأسماء المقترحة. المشير كان جالساً، وقرأ الأسماء. وصل إلى اسم سامح فهمي، ولم يقل أريده. قال هذا الرجل ليس سيئاً. لذلك، استبقيت سامح فهمي وزيراً للبترول، لأنه لم يكن واضحاً أمامي من سيمسك هذه الحقيبة. بدا كمن ينوه بالرجل بطريقة مخففة.
> ماذا قال مبارك عما يحصل في البلد خلال جلسة تكليفك؟
- لم يتكلم تقريباً عن هذا الأمر. كان يتحدث عن التكليف، افترض أنني أعيش الأحداث كعضو في الوزارة.
> لم يكن لديه شعور بالخطر؟
- أكاد أقول إنه في اليوم الأخير له وبينما كان يخرج من الرئاسة، وخطابه المقبل هو خطاب التفويض الذي سيذيعه عمر سليمان غادر من دون أن تظهر على ملامحه أية مشاعر استثنائية. هذه طبيعته ويجيد ضبط انفعالاته ومشاعره.
> وفي جلسة القسم؟
- عقدنا الاجتماع الأول معه. قال الرئيس كلاماً عاماً عن الإصلاح. افترض أننا وزارة ستتصرف أحسن من التي سبقتها. دعانا إلى مراقبة الثغرات التي كانت موجودة، لكن لم يكن هناك تركيز كبير على أي شي، بل كلام عن الإصلاح بصفة عامة.
> أعطيت الداخلية لمحمود وجدي؟
- نعم، وهو لواء في الشرطة. تعمدت أن أختاره من خارج مباحث أمن الدولة. كانت حصلت غصة من رجال أمن الدولة الذين أمسكوا الداخلية، على رغم أنهم لم يكونوا كلهم سيئين، بل كان بينهم أشخاص جيدون. وفي الوقت نفسه أتيت به لأن أساسه من المباحث الجنائية، إضافة إلى أن الجزء البحثي موجود فيه أي البحث عن الجرائم.
> وهل اعتبرت شخصياً أن الوضع بالغ الخطورة؟
- طبعاً، كانت الصورة واضحة والشاشات تتناقل ما يجري. أعتقد في اليوم السابق لما سمي معركة الجمل وخلال الليل وبينما كنت في بيتي رأيت سيارات تنزل علب كرتون قيل إنها تحوي زجاجات مولوتوف. سيارات تفرغ حمولتها. هناك أمر ما يدور، وهناك جهة ما سمحت بمثل هذا الفلتان لإدخال هذه الأمور.
> ماذا كان دورك بالتحديد؟
- في الواقع دوري تسيير أمور الدولة. أما ما يدور في الميدان فرئيس الدولة موجود وقائد الجيش معه على الهاتف في كل دقيقة، وتستطيع أن تقول إنه كانت تصلني معلومات عن الميدان لكن، لم يكن عندي تدخل فيه لأن الموضوع صار عسكرياً مئة في المئة. ومن كان يدير شؤون الميدان قائد المنطقة العسكرية المركزية. المشير يتناول الأمور مع الرئيس.
> مبارك قال لك إنه سيرسل في طلب عمر سليمان، هل أرسل في طلبه؟
- نعم، جاء عمر سليمان. وحلف اليمين وصار له مكتب في قصر الاتحادية حيث أدت حكومتي اليمين.
> وصار عمر سليمان نائباً للرئيس؟
- نعم، الحكومة التي أرأسها عاشت 34 يوماً أي إلى الأسبوع الأول من مارس (آذار).
> ماذا سبق تخلي مبارك في 11 فبراير (شباط)؟
- كانت هناك لقاءات كثيرة في الاتحادية بين مسؤولي الدولة سواء في حضور الرئيس أو غيابه. في هذه اللقاءات كان يشارك الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب وصفوت الشريف رئيس مجلس الشورى وزكريا عزمي رئيس الديوان وعمر سليمان نائب الرئيس وحسين طنطاوي وزير الدفاع وأنا كرئيس للوزارة ووزير الإعلام في الكثير من الأحيان.
> ماذا كان يحكى في هذه اللقاءات؟
- كل لقاء كانت له طبيعته وهي كانت في إطار السعي لاحتواء الموقف.
الحياة اللندنية