أحمد فايق يكتب : يحيا الفن.. وتسقط السياسة
أبرز المخرج التونسى وسيم القربى جواز السفر الخاص به على المسرح وهو يقول: «لا أريد أن أحمل هذا حينما أزور المغرب مرة أخرى»، فارتجت القاعة بالتصفيق الحاد، وتسلل الألم إلى ذراعى المكسور وكدت أبكى. كنا فى مهرجان «وجدة» للفيلم المغاربى القصير، وكلمة المغاربى تعنى دول المغرب العربى، المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا وليبيا، كنت فى لجنة تحكيم المهرجان التى يترأسها المخرج المغربى كمال كمال، وهو من أصول جزائرية ومقيم بين المغرب وفرنسا، فى مدينة وجدة لم أجد فارقا ضخما بين لهجة أهل المدينة واللهجة الجزائرية، حتى علاقات النسب والمصاهرة تميل أكثر إلى الجزائريين، لم يكن يحتاج صديقى المخرج الجزائرى سليم أقار ومواطناه الممثل أحمد بن عيسى وحسن كشاش، إلا سيارة فقط كى يذهبوا برا من الجزائر إلى المغرب، مثلما كنت أحتاج لأن أستقل طائرة لأذهب لمنزل أهل زوجتى فى الجزائر، ومنها أستعير سيارة والد زوجتى للذهاب إلى وجدة التى تقع على الحدود بين المغرب والجزائر، ولكن الحدود مغلقة، لذا ذهبت بالطائرة من القاهرة إلى الدار البيضاء فى رحلة استغرقت ست ساعات وانتظرت أربع ساعات فى الترانزيت، ثم عدت من الدار البيضاء مرة أخرى إلى الحدود مع الجزائر فى وجدة ساعتين طيران، مثلما ذهب الوفد الجزائرى إلى الدار البيضاء ثم عاد إلى وجدة، وعدم وجود خطوط طيران مباشرة بين تونس أو الجزائر أو القاهرة مع وجدة خير دليل على عدم وجود أى علاقة تجارية من أى نوع، يسعى المهرجان من خلال الثقافة إلى التقريب بين دول المغرب العربى وسط حرب إعلامية بين الصحافة المغربية والجزائرية بشأن قضية الصحراء الغربية، هذه القضية التافهة التى تركها الفرنسيون خازوقا بين الأشقاء فى المغرب العربى، تتصارع الجزائر والمغرب على قطعة أرض لا تساوى عشرة بالمائة من المليارات التى خصصوها للصراع، ماذا قدمت الجزائر لأمريكا كى تساندها فى موقفها تجاه الصحراء الغربية؟، وماذا قدمت المغرب لفرنسا كى تساندها فى نفس القضية؟، ما كاد يبكينى أن قواعد الصواريخ فى الجزائر والمغرب موجهة إلى بعضهما البعض، وكان من باب أولى أن تتوجه إلى إسبانيا التى اغتصبت سبتة ومليلة المغربيتين، لماذا يلجأ المغرب للحصول على قرض من صندوق النقد الدولى، ويقبل بشروطه التعسفية التى تذبح الفقراء من أجل الإقطاع، وتونس ومصر يفعلان نفس الشيء رغم أن الجزائر لديها احتياطى نقدى وصل إلى 220 مليار دولار.
حينما دمرت إسرائيل معظم الطائرات المصرية فى حرب 1967، اتصل جمال عبدالناصر بالزعيم الجزائرى هوارى بومدين وقال له «ليس لدى طيران لأضرب به العدو»، فرد عليه بومدين «كل ما تملكه الجزائر 47 طائرة حربية، منها 6 طائرات ميج 21، والبقية ميج 17 وليس لدى عدد كاف من الطيارين لنقلهم إلى مصر، إبعث بالطيارين المصريين غدا ليأخذوا كل الأسطول الحربى الجزائري»، قبلها كانت ميزانية المطبوعات فى وزارة التعليم المصرية فيها كتب وكشاكيل مخصصة للجزائر والمغرب، يذهب بها المدرسون من مصر، فماذا حدث لنا حتى تتسول شعوبنا الوحدة من حكام يتسولون القرب من أمريكا؟!.
مئات الآلاف من الطبقات العليا فى الجزائر والمغرب وتونس تذهب إلى فرنسا كى تصرف مليارات الدولارات على السياحة الفرنسية ويضعون أموالهم كى يرتقى المستوى الاجتماعى للمواطن الفرنسى، نقف فى الطوابير أمام سفارات دول الاتحاد الأوروبى بحثا عن فيزا كى نذهب لتبذير أموالنا عليهم، لم يفكر المغاربة فى السياحة الداخلية داخل المغرب العربى الكبير، بلد مثل الجزائر مساحته تزيد على 2 مليون كيلومتر مربع، ولديه ثروة بترولية هائلة وتعداد سكانى ليس بالكبير وأراض خصبة وثروات معدنية وجبال وطبيعة ساحرة، وكل فصول السنة تجدها فى نفس التوقيت على الأراضى الجزائرية من مدن تتساقط عليها الثلوج وأخرى تصل درجة حرارتها إلى أربعين درجة مئوية فماذا ينقصها كى تصبح دولة عظمى.
دولة مثل المغرب لديها طبيعة ساحرة ومقومات سياحية هائلة وأرض خصبة وتاريخ كبير، فقط ينقصها البترول الموجود فى الجزائر كى تصبح دولة عظمى، أعترف بأننى لم أذق قمحا بجمال وحلاوة القمح المغربى الذى يجعلنى مثل المجنون يأكل الخبز بلا توقف كى أنظف بطنى من القمح الأمريكى الردىء الذى نأكله فى مصر، فلماذا لا تحصل مصر على قمحها من المغرب؟
وحدة المغرب العربى تساوى حضارة بقوة الدولة الفاطمية، وروعة الحضارة الأندلسية فهؤلاء حينما اتحدوا صنعوا واحدة من أجمل الحضارات فى تاريخ البشرية مازالت قصورها شاهدا عليها فى الأندلس، فبين المغرب العربى لغة وثقافة وتراث مشترك، وأغان وألحان لا يستطيع أحد أن يعطيها جنسية فالأغنية الشعبية «دور بها يا الشيباني»، المغربيون يقولون إنها لهم والجزائريون يدعون أنها جزائرية والتونسيون نفس الشيء، رغم أن الأمر ببساطة أن الاغنية كتبها ولحنها جدودهم الذين لم يعرفوا الفرق بين مغربى أو تونسى أو جزائرى، فقد كانوا مغاربيين، والجد واحد وهم يتصارعون على الميراث رغم أنه ملكهم جميعا، حينما شاهدت المخرج المغربى خالد سلى ملامحه الشكلية تكاد تقترب من الجزائريين، بذل محاولة للتقريب بين أبناء وطنه بالسينما، فالسياسيون دائما يفرقون والفنانون يقربون. الأفلام التى عرضت فى المهرجان لا تستطيع أن تفرق بين جنسيتها لأنها جميعا تحمل هماً واحداً ومشتركاً، بعضها يبحث عن الحرية والآخر يناقش الهجرة غير الشرعية، وأفلام تناقش الفقر والجوع والقهر فهمومنا واحدة والموضوعات التى طرحتها الأفلام المغاربية تعبر عن هموم المصريين فى إمبابة، لقد نجحت أم كلثوم ووردة وصباح وناس الغيوان وسميرة سعيد ولطفى بوشناق والشاب خالد فى تحقيق ما فشل فيه الحكام، وحدوا الشعوب العربية على حب فنهم المشترك، لذا من المستحيل أن ندع أن أم كلثوم مصرية أو وردة جزائرية فهما ملك للعرب جميعا.