وظائف الملائكة وأسمائهم وخاصيتهم
وظائف الملائكة وأسمائهم وخاصيتهم:
قد يحيط الله ملائكته في بعض الأمور، وهم على الدوام يطيعون أمره ولا يعصونه أبدا. فعندما أراد تبارك وتعالى خلق آدم عليه السلام أحاطهم علما بالأمر، كما في قوله تعالى وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها وبسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إني أعلم ما لا تعلمون) البقرة:30. يقول الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: اعلم يا محمد أني قلت للملائكة: سأخلق بشرا يخلفني في الأرض في تنفيذ أحكامي فيها وهو آدم، فقالت الملائكة عليهم السلام : أتجعل فيها من يرتكب المعاصي ويسفك الدماء، أي يفسد كما فعل الجان من قبل، حيث كانت الجن خلقها الله تعالى قبل آدم ففسدوا في الأرض، فأرسل الله عليهم الملائكة فطردوهم إلى الجزر والجبال.
لما خلق الله آدم عليه السلام، أمر الملائكة بالسجود له، أما إبليس فقد أبى السجود له كما جاء في قوله تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) البقرة:34. هنا سجد كل الملائكة، إلا إبليس لم يسجد تكبرا وغرورا، وكان خاتمة أمره أن غضب الله عليه وطرده من الجنة.
و من الملائكة:جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت عزرائيل ، ورضوان خازن الجنة، ومالك خازن النار، ورقيب، وعتيد، ومنكر، ونكير. ومنهم حملة العرش، و جنود الله لنصرة رسله والمؤمنين، و الحفظة الكرام الكاتبين. كذلك من الملائكة إسرافيل الملك الموكل بنفخ الصور القرن أو البوق . فهو الذي ينفخ النفخة الأولى نفخة الفزع ، والنفخة الثانية نفخة الصعق والنفخة الثالثة نفخة البعث ، و كذلك عزرائيل وهو ملك الموت، يقبض الأرواح عندما يحين الأجل.
جبريل عليه السلام:
من الملائكة العظام، الشداد، وهو الذي ينزل بالوحي على الرسل والأنبياء. له ستمائة جناح، كل جناح يغطي الأفق كما جاء في الحديث، ووصفه الله تعالى في قوله: (علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى) النجم:5. أي ذو قوة، وعلى خلق حسن وبهاء وسناء. كان جبريل عليه السلام يأتي إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في صفات متعددة فتارة يأتي بصورة رجل اسمه دحية بن خليفة بن فضالة، وتارة في صورة أعرابي، وتارة على صورته التي خلقه الله عليها. وجاء في وصف جبريل أيضا قوله تعالى: (إنه لقول رسول كريم، ذي قوة عند ذي العرش مكين، مطاع ثم أمين) التكوير:5. أي له مكانة ومنزلة عالية رفيعة عند الله تعالى، وهو مطاع في الملأ الأعلى، ذي أمانة عظيمة ولهذا كان هو رسول الله إلى الأنبياء والرسل عليهم السلام. لقد رآه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم على حقيقته مرتين، مرة عند نزول أول الوحي عند غار حراء في مكة، ومرة عند سدرة المنتهى في ليلة الإسراء والمعراج. وقوله تعالى: ( قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين) النحل:102. ووصف الله جبريل عليه السلام في مواضع أخرى، بأنه الروح الأمين، وأنه روح القدس، إلى غير ذلك من الصفات، وأنه هو المعلم لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. إنه أفضل الملائكة الكرام، وأقواهم وأكملهم، بل هو من أعظم مخلوقات الله تعالى . إنه جوهر قائم بذاته، وليس خيالا في نفس النبي صلى الله عليه وسلم، كما يزعم بعض الفلاسفة.
قال رسول الله: رأيت جبريل وله ستمائة جناح ينتشر من ريشه التهاويل الدرّ والياقوت . رواه مسلم . قال الله تعالى والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى، ذو مرة فاستوى، وهو في الأفق الأعلى، ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى، أفتمارونه على ما يرى، ولقد رآه نزلة أخرى، عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، إذ يغشى السدرة ما يغشى، مازاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى) النجم:1- 18. وجاء في تفسير قوله تعالى ما كذب الفؤاد ما رأى) قال رأى رسول الله جبريل على صورته عند سدرة المنتهى، وله ستمائة جناح ورغم مكانة جبريل وعظم خلقه قال للرسول عليه الصلاة والسلام عند سدرة المنتهى: تقدم أنت يا رسول الله، لو تقدمت أنا لاحترقت . وسدرة المنتهى كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم قال: ثم ذهب إلى سدرة المنتهى وإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالهلال فلماّ غشيها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها . أسري بمحمد صلى الله عليه وسلم جسدا وروحا من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس، فقال تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله، لنريه من آياتنا، إنه هو السميع العليم) الإسراء:1. قال رسول الله: فصليت ركعتين ثم خرجت منه فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، قال جبريل:أصبت الفطرة. قال رسول الله: ثم عرج بي إلى السماء الدنيا ثم السماء الثانية ثم الثالثة فالرابعة فالخامسة فالسادسة، حتى السماء السابعة. لقيت في تلك السماوات كل الأنبياء، آدم و يحيا وعيسى ويوسف وإدريس وهارون وموسى و إبراهيم في السماء السابعة مستندا إلى البيت المعمور . قال رسول الله: ثم ذهب بي جبريل إلى سدرة المنتهى . ووصف رسول الله سدرة المنتهى فقال: يسير الراكب في ظل الغصن منها مائة سنة . سميت سدرة المنتهى؟ كما قال ابن عباس: أن الأعمال تنتهي إليها وتقبض منها رواه مسلم. وقال الضحاك كما جاء في الحديث: إليها ينتهي ما يفرج به من الأرض فيقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها .
ولما تأخر الوحي عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا ؟ فقال له جبريل: لا نتنزل إلا بأمر الله فنزلت الآية كما في قوله تعالى: (وما نتنزل إلا بأمر ربك، له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك، وما كان ربك نسيا) مريم:64. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فال جبريل عليه السلام: كل ما أمامنا من أمور الآخرة وما خلفنا من أمور الدنيا، وما يكون في أي وقت إلى قيام الساعة، إلا يعلم الله بها جميعا، واعلم أن ربك لم يكن تاركا لك بتأخير الوحي عنك الملك ميكائيل:
هو الملك الموكل بالمطر والنبات وهما العنصرين الأساسين الذين يخلق الله منهما الأرزاق في الدنيا، وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه. يصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الرب جل جلاله. و قد روي أنه ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقررها في موضعها من الأرض. ومن مهمات ميكائيل أيضا أنه ينزل على الرسل، فقد نزل على سيدنا موسى في عهد بني إسرائيل، ونزل لنصرة الرسول والمؤمنين على أعداء الله من الكفرة المشركين، في معركة أحد،حيث كان هو وجبريل عليهما السلام على هيئة رجلين عليهما ثياب بيض يدافعان عن يمين وعن شمال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقاتلان مع المسلمين.
إسرافيل:
أما صفة إسرافيل عليه السلام فهو أحد حملة العرش، وهو الذي ينفخ في الصور القرن أو البوق بأمر ربه نفخات ثلاث يوم القيامة:
أولها: نفخة الفزع.
الثانية:نفخة الصعق.
الثالثة:نفخة البعث.
والصور هو قرن ينفخ فيه، كل دائرة محيط النفخ فيه كما بين السماء والأرض، وفيه موضع أرواح العباد البرزخ حين يأمره الله بالنفخ للبعث تخرج الأرواح تتوهج فيقول الرب جل وعلا:وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى البدن الذي كانت تغمره في الدنيا فتدخل الأرواح الأجساد في قبورها فتدب فيها الحياة فتحي الأجساد وتنشق عنهم القبور، فيخرجون منها مسرعة إلى مقام الحشر.
قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، وحنى جبهته، وأصغى سمعه، ينظر متى يؤمر قالوا: كيف نقول يا رسول الله قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا رواه أحمد. فكأن ذلك ثقل على أصحاب النبي فقال لهم: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل . وقال رسول الله: فأكون أول من رفع رأسه، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أرفع رأسه قبلي أم كان ممن استثنى الله . وقد ورد في الحديث الذي رواه مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: أن الله سبحانه ينزل المطر بعد الصعقة الأولى فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ في الصور مرة أخرى فإذا هم قيام ينظرون ثم يقال: يا أيها الناس هلم إلى ربكم.
وقوله تعالى: (واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب، يوم يسمعون الصيحة بالحق، ذلك يوم الخروج) ق: 41-42. يوم ينفخ إسرافيل بالصور القرن أو البوق النفخة الثانية من على صخرة بيت المقدس، وهو أقرب موضع من الأرض إلى السماء، ويقول: أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء فيستمع الخلق كلهم لنداء إسرافيل فيخرجون من القبور مشدوهين حائرين. وقوله تعالى: (ونفخ في الصور، ذلك يوم الوعيد)ق:20. ينفخ الملك إسرافيل النفخة الثالثة وتلك علامة البعث، وهذا يوم رهيب على الكفار، لأنه علامة عذابهم. وقوله تعالى: (فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر) القمر:6. حيث يدعوا إسرافيل الموتى إلى القيام من قبورهم، بأن ينفخ بالصور يوم الحساب، فيخرج الأموات من قبورهم فزعين، وهو يوم تنكره الناس لشدة وقعه على نفوسهم . وقال تعالى: (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض، إلا من شاء الله، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) الزمر:68. ينفخ إسرافيل بالصور القرن أو البوق النفخة الأولى وهي نفخة الفزع فيموت من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله من الملائكة، والحور، والولدان، والشهداء ثم ينفخ النفخة الثانية وهي نفخة الصعق فإذا جميع الخلائق الموتى من إنس وجن وحيوان ، قيام ينتظرون ما يفعل بهم . بين النفختين أربعين سنة، ثم النفخة الثالثة وهي نفخة البعث .
عزرائيل:
فليس مذكور اسمه في القرآن ولا في الأحاديث الصحيحة، وقد جاء تسميته في بعض الآثار بعزرائيل والله أعلم وقوله تعالى قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) الزمر:11. يقول الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: قل للكفار من أهل مكة إن الله قد وكل ملكا للموت مهمته قبض الأرواح، فهو يقبض أرواحكم، ثم ترجعون أحياء إلى ربكم فيجازيكم على أعمالكم. ولهذا الملك أعوان يستخرجون روح العبد من جسده حتى تبلغ الحلقوم فيتناولها ملك الموت بيده فإذا أخذها لم تدعها الملائكة في يده طرفة عين، فإما تأخذها ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب.
والمعلوم أن ملائكة الموت يأتون الإنسان على حسب عمله، إن كان مؤمناً أتاه ملائكة بيض الوجوه، بيض الثياب، كأن وجوههم الشمس، وإن كان كافراً فيرى الضد من ذلك. ومما ورد من رأفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين، أنه نظر إلى ملك الموت وعند رأسه رجل من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا ملك الموت أرفق بصاحبي فهو مؤمن فقال ملك الموت: يا محمدّ طب نفساً وقر عيناً فإني بكل مؤمن رفيق . والملائكة عليهم السلام بالنسبة إلى ما هيأهم الله تعالى أصناف:
حملة العرش:
كما في قوله تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به) غافر:7. وقوله تعالى وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم،وقضي بينهم بالحق)غافر:75. وقوله تعالى والملك على أرجائها، ويحمل عرش ربك فوفهم يومئذ ثمانية) الحاقة:17. أي الملائكة تسبخ على جوانب السماء، ويحمل عرش الله يوم القيامة عندما تقوم الساعة ثمانية من ملائكة، وقيل ثمانية من صفوفهم، والله أعلم بعددهم. وقال تعالى ويوم تشقق السماء بالغمام، وتنزل الملائكة تنزيلا، الملك يومئذ الحق للرحمن، وكان يوما على الكافرين عسيرا) الفرقان:25-26. ذلك الغمام الذي ينزل الله فيه من السماء السابعة، فتنفطر له السماوات وتشقق وتنزل الملائكة كل سماء يوم القيامة، فيقفون صفا صفا، أما صفا واحدا محيطا بالخلائق، وإما صفا في كل سماء، يكونون صفا ثم السماء التي تليها صفا، وهكذا. القصد أن الملائكة على كثرتهم وقوتهم ينزلون محيطين بالخلق مذعنين لأمر ربهم لا يتكلم منهم أحد إلا بإذن من الله.
في ذلك اليوم يحكم الله بين الخلائق ولا يظلم أحدا مثقال ذرة. يكون هذا اليوم صعبا على الكافر، ويمر على المؤمن بيسر وطمأنينة، ويتساوى في ذلك اليوم الملوك ورعاياهم والأحرار والعبيد والأشراف. ويكون (الملك يومئذ) أي، يوم القيامة، الحق للرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء. وقوله تعالى هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة، أو يأتي ربك، أو يأتي بعض آيات ربك، يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا، قل انتظروا إنا منتظرون)الأنعام:158. ما ينتظر المكذبون إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم، أو يأتي عذاب الله، أو تأتي العلامات الدالة على يوم القيامة. يوم يأتي بعض آيات الله، وهي طلوع الشمس من المغرب كما ورد في حديث الصحيحين: لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا، أي لا تنفعها توبتها، فما عليهم سوى انتظار هذه العلامات،والله، ورسله والمؤمنون سينتظرون كذلك حتى يظهر الحق.
ملائكة الشفاعة:
الشفاعة لله تعالى كما في قوله أم اتخذوا من دون الله شفعاء، قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون، قل لله الشفاعة جميعا، له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون) الزمر:44. فالله هو وحده مختص بالشفاعة يوم الحساب، فلا يشفع أحد غيره إلا بإذنه، سواء من الملائكة، أو من الرسل أو من الأنبياء، أو من البشر، كما في قوله تعالى وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن شاء وارتضى) النجم:26. أي في السموات عدد كثير من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله، ولا يشفعون لأحد من العباد إلا بإذنه تعالى ولمن ارتضى الله له منهم،كما في قوله تعالى ولا يشفعون إلا لمن ارتضى، وهم من خشيته مشفقون)الأنبياء:28. ومعلوم أنه لا تكون الشفاعة من أحد منهم، إلا بعد أن يأذن الله له فيها كما في قوله تعالى من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، بعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء)البقرة:255. وقوله تعالى أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون) السجدة:23. لا شفيع يوم الحساب غير الله، فماذا يرجوا الكفرة والمشركون من أوثان كانوا يعبدونها من دون الله. فهي قاصرة لا قدرة لها على التشفع لهم عند الله، وإنقاذهم س عذابه وانتقامه منهم، وأن جهنم هي مستقرهم. يوم القيامة يقوم جبريل عليه السلام، و جند الله من الملائكة صفا، والخلق في صمت سكوت لا يتكلمون، ينتظرون ما ذا سيفعل في كل واحد منهم. فلا يتكلم إلا من يأذن له الله تعالى في الكلام، ولا يتكلم إلا إذا كان صائبا في قوله، كما في قوله تعالى يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) النبأ:38. وقوله تعالى: (ثم استوى على العرش، ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون) السجدة:4. 44
الملائكة العابدون :
يعمرون السموات السبع عبادة دائمة ليلاً، ونهارا، كما في قوله تعالى وله من في السماوات والأرض، ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون ) الأنبياء: 19-20. منهم القائم، والراكع، والساجد على الدوام، والذاكرين لا يفترون عن فعل ذلك ولا يتهاونون في عبادة الله. يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: أني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء، أي صوتت وحجت، وحق لها أن تئط . ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد . لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولا تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الطرق الصعدات تجأرون إلى الله أي تتضرعون . وقوله تعالى ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال)الرعد:13. يسبح الرعد وهو ملك موكل بالسحاب يسوقه ملتبسا بحمد الله أي يقول: سبحان الله وبحمده . وكذلك يسبح لله الملائكة الآخرين إجلالا لله وهيبة منه، ويرسل الله النار من السحاب، فيصيب بها من يشاء ممن ينكر عبوديته. نزلت هذه الآية في رجل بعث إليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم من يدعوه فقال: من رسول الله ؟ وما الله ؟ أمن ذهب أو من فضة أم نحاس ؟ فنزلت به صاعقة فذهبت بقحف رأسه!
ملائكة البيت المعمور:
يتعاقبون جماعات بعد جماعات، إلى البيت المعمور. يحج إليه كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه،ثم تعقبهم جماعات أخرى غيرهم، وهو في السماء لو وقع منه حجر لسقط على الكعبة المشرفة، وقد رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج، وكان سيدنا إبراهيم عليه السلام مسنداً ظهره إليه، وهو في السماء السابعة، على امتداد الكعبة، يزوره كل يوم سبعون ألف ملك بالطواف والصلاة، ولا يعودون إليه أبدا، يتناوب بعدهم آخرون يوما بيوم إلى يوم القيامة .
الملائكة الحفظة:
موكلون بحفظ بني آدم، كما في قوله تعالى سواء منكم من أسر القول ومن جهر به، ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله)الرعد :10-11. لا يخفى على الله شيء من أقوال الإنسان أو أفعاله في سره أو في علنه. فالله قد وكل ملائكة حفظة وكتبة لكل انسان يسجلون اقواله وأفعاله ويحفظونه بأمر الله من نز غات وهمسات الشياطين. قال عكرمة عن ابن عباس: يحفظونه من أمر الله: قال: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء قدر الله خلوا عنه . ومن الموكلين من يحفظ أعمال العباد، كما في قوله تعالى إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) ق:17-18. وقوله تعالى: (وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون) الانفطار: 12. قال رسول الله: أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين الجنابة والغائط وإذا اغتسل أحدكم فليستتر بحذم حائط أو بعيره أو يستره أخوه . حديث رواه البزاز. وقوله تعالى: (إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا) الجن:27. مع اطلاع الرسول على ما شاء من معجزات له، يجعل الله وييسر من بين يديه ومن خلفه ملائكة يحفظونه حتى يبلغ الوحي عن الله، بأن الرسل قد بلغوا رسالته والله محيط بكل شيء وعالم بخفايا الأمور .
و قال تعالى: (ن والقلم وما يسطرون) القلم:1. ن : أحد حروف الهجاء، الله أعلم بمراده به، و القلم : الذي كتب الله به الكائنات وأرزاقهم في اللوح المحفوظ، و ما يسطرون : الملائكة التي تسطر وتخط عمل الإنسان من خير وصلاح أو شر وإثم .
وقد ورد في الحديث من مخاطبة العبد ربه يوم القيامة يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم قال:يقول بلى قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيختم على فيه فيقال: لأركانه أنطقي قال: فتنطق بأعماله قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام قال: فيقول: بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنت أناضل رواه مسلم. ومنهم من يتعرض للمؤمنين الصالحين عند خروجهم من المساجد، خاصة بعد صلاة الفجر في الطرق يسلمون عليهم. وقوله تعالى: (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) ق : 21 . أي تأتي كل نفس يوم القيامة إلى الحشر ومعها ملك يسوقها وملك يشهد عليها بعملها، وهو ما عملته الأيدي والأرجل والجلد وغيرها من أعضاء البدن . وقوله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) ق:18. أي ملك حافظ يلازمه على الدوام . وقوله تعالى: (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون) الأنعام:61. الله مستعليا فوق عباده ويرسل عليهم ملائكة تحصي أعمالهم، وإذا قرب أجل أحدهم تتوفاه الملائكة الموكلون بقبض الأرواح وهم لا يقصرون فيما يؤمرون به.
الملا ئكة المبشرين:
وقد يبعث الله الملائكة أما مبشرين، كما في حالة نبي الله إبراهيم، عندما بشروه وزوجته سارة بأن سيولد لهما إسحاق، ومن بعده يعقوب، قال تعالى: (ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما، قال إنا منكم وجلون، قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم، قال أبشرتموني على أن مسني الكبر، فبم تبشرون، قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين) الحجر:51-55 . وقوله تعالى: (فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، قالت يا ويلتى ءألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب، قالوا أتعجبين من أمر الله، رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت، إنه حميد مجيد)هود:70-73. بشرت الملائكة ابراهيم بأن زوجته ستلد ابنا يسمى إسحاق، يلد ابنا يسمى يعقوب وتعيش حتى ترى حفيدها. قالت كيف ألد وأنا إمرأة عجوز، حيث كان عمرها تسع وتسعون سنة، وزوجها إبراهيم شيخ كبير كان عمره مائة وعشرون سنة، وهي تتعجب كيف يولد ولد لهرمين. و كذلك النبي لوط أتته الملائكة على صورة بشر، ليخبروه أن الله أرسلهم لإهلاك قومه الذين كانوا يعملون الخبائث، قال تعالى: (قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك، فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك، إنه مصيبها ما أصابهم، إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب) هود:81.
وأرسل الله ملكين إلى النبي داود في صورة بشر لاختباره بعد أن تزوج من امرأة أحد قادته لما كان في مهمة حربية،كما جاء في قوله تعالى: (وهل أتاك نبأ الخصم، إذ تسوروا المحراب،إذ دخلوا على داود ففزع منهم، قالوا لا تخف خصمان بغى بعضهم على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط، إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب، قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه، أن كثير من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وقليل ما هم، وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر ساجدا وأناب، فغفرنا له ذلك، وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ) ص:21-25.
يخبر الله تعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فيقول جل علاه: حاول اثنان من الملائكة اختبار داود عليه السلام بقضية افتعلوها على سبيل الفرض لتنبيه داوود إلى ما وقع منه، فأرادوا الدخول عليه في مسجده فلم يسمح لهما الدخول عليه من الباب، لانشغاله بالعبادة، فتسورا المحراب. كان لداود تسعة وتسعون امرأة، وتزوج عليهن امرأة أحد قادته ليس له غيرها ودون علمه. لما دخل الملكان عليه قال أحدهما لداود: إن أخي هذا على ديني، وأشار إلى صاحبه له تسع وتسعون نعجة، ولي نعجة واحدة، فرغب بضم نعجتي إلى نعاجه فرفضت في بادئ الأمر، ولكن غلبني بحجته وجداله فوافقت على رغبته.جئنا نطلب منك الحكم بيننا في هذا الأمر. قال داوود عليه السلام:لقد ظلمك صاحبك بضم نعجتك إلى نعاجه، وهذا في الغالب يؤدي إلى أن يبغي بعض الشركاء على الآخر لتخالط الأموال، إلا من آمن منهم وعمل صالحا، وهذا قليل أن يكون . لم يقتنع الملكان بحكم داود فسلما عليه وغادرا المسجد، فسمع داود الملكان يقولان وهما صاعدين في صورتيهما إلى السماء: قضى الرجل على نفسه ! فتنبه داوود وأيقن أن الله أوقعه في هذا الاختبار، أي الفتنة بمحبته وزواجه بتلك المرأة دون إذن من زوجها، فاستغفر ربه وخر ساجدا وتاب إلى الله عن فعل ذلك الأمر.
وأرسل الله تعالى جبريل عليه السلام في صورة آدمي جميل الطلعة إلى مريم ابنة عمران ليبشرها بأن الله بعثه إليها لتحمل بعيسى عليه السلام، كما جاء في قوله تعالى: (فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا، قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا، قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا) مريم:18-19. وقوله تعالى: (فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجعذ النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) مريم:24. إذ كانت مريم فوق ربوة، وهو المكان المرتفع المستوى ببيت المقدس، وكان فيها الماء الجاري، فناداها جبريل عليه السلام في ساعة الوضغ وكان أسفل منها، وقال لها بألا تحزن، وأن تهز النخلة لتسقط الرطب فتأكل منها، وكانت النخلة يابسة فجعل فيها الله الحياة بأمره ، وأن تشرب من ماء النهر الجاري، وقد كان منقطعا قبل ذلك فأجراه الله بقدرته جل علاه . وقوله تعالى أيضا في حق مريم ابنة عمران أم عيسى عليه السلام في خطاب الملائكة لها: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين)آل عمران:42-43. وقوله تعالى في إخبار مريم عليها السلام بتسمية مولودها باسم اختاره الله له: (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين) آل عمران:45
وقد تنزلت الملائكة على زكريا عليه السلام، كما جاء في قوله تعالى في استجابته لدعوة زكريا(فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أ ن الله يبشرك بيحي مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين) آل عمران:39. وقد تتنزل الملائكة بالوحي على الأمم للإنذار والإعذار من الله تعالى لأهلها، كما في قوله تعالى: ( والملقيات ذكرا، عذرا أم نذرا) المرسلات:5- 6. وقوله تعال: (فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمصيطر، إلا من تولى وكفر، فيعذبه الله العذاب الأكبر) الغاشية:21-24.
ملائكة الرحمة الجنة :
منهم الملك رضوان، وملائكة آخرين يعينونه، ويفعلون ما يأمرهم. كما جاء في قوله تعالى: (وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين، وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين) الزمر:73-74. يدخل المؤمنون يوم القيامة الجنة فيستقبلهم خزنتها ملائكة الرحمة بالتحية الطيبة ويقولون لهم:هذا مقامكم الكريم، فالجنة مستقر لكم خالدين فيها، لكم فيها ما تشتهي أنفسكم، فيحمدون الله على ذلك . وقوله تعالى: (ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود)ق:34. يقول ملائكة الجنة للمؤمنين: ادخلوا الجنة سالمين، أي ادخلوها باطمئنان، فهذا يوم الدوام في الجنة، لكم فيها ما تشاءون من طعام شهي وشراب لذيذ وحوريات حسناوات عذارى، وراحة دائمة . ومنهم الموكلون بالجنان، وإعداد الكرامة لأهلها، وتهيئة الضيافة والإقامة الكريمة لساكنيها في دار الخلود والسلام، كما في قوله تعالى: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) الرعد: 23-24.
ملائكة العذاب النار :
وهم الزبانية، وعددهم تسعة عشر وخازن النار هو: مالك وهو مقدم على جميع الخزنة، وقد ذكر اسمه في قوله تعالى: (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون) الزخرف: 77. ونادى الكفار مالك خازن جهنم، ليمتنا الله ويريحنا من هذا العذاب ! فيرد عليهم بعد ألف سنة: إنكم مقيمون في العذاب إلى أن يشاء الله.
و الملائكة الزبانية هم المذكورون في قوله تعالى: (عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) التحريم:6. خزنة جهنم وعددهم تسعة عشر ملكا غلاظ القلوب، شداد في البطش، لا يعصون أمر ربهم. وكذلك في قوله تعالى: (سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تدر لواحة للبشر عليها تسعة عشر وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا) المدثر:26-31. يقول الله تعالى: سأدخل هذا الكافر، وهو الوليد ابن المغيرة من كبار أهل مكة الذي كفر بالله، وكذب دعوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم سيدخله جهنم التي لا تبقي على لحم، ولا عصب، ولا عظم إلا أهلكته، يحرسها تسعة عشر ملكا وهم خزنتها .ما جعل الله عدد هؤلاء الملائكة إلا ضلالا للكفار، حتى يتساءلون: لم كانوا تسعة عشرة ؟ وليستيقن اليهود صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم في كون ملائكة النار تسعة عشر، وهو العدد الذي يوافق ما ذكر في التوراة وليتأكد الذين آمنوا من اليهود أن هذا العدد المذكور قد جاء في التوراة، وبذلك لا يكون هناك اختلاف في عدد هؤلاء الملائكة بين ما جاء في القرآن، و ما ذكر في التوراة من قبل، وهذا تصديق لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم .
وفي قوله تعالى: (ألقيا في جهنم كل كفار عنيد) ق: 24. يلقي خزنة النار الكافر بالنار بأمر ربهم. و قوله تعالى: (تكاد تميز من الغيظ، كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها، ألم يأتكم نذير) الملك:8. تغضب النار على الكفار، وكلما ألقي فيها جماعة منهم تسألهم ملائكة النار، وهو سؤال توبيخ: ألم يأتكم رسول من الله ينذركم ؟ فيقولون : نعم ! قد جاءنا رسول فكذبنا، فيقول لهم ملائكة النار: لقد كنتم في ضلال كبير . وفي قوله تعالى: (خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه) الحاقة:30-32. هذا خطاب مو جه من الله إلى خزنة جهنم من الملائكة الأقوياء الأشداء يأمرهم الله بأن يجمعوا أيدي الكافر إلى عنقه في الأغلال يوم القيامة، ويرمونه في النار المحرقة، ثم إدخاله بسلسلة طولها سبعون ذراعا، أي بطول ذراع ملك الجحيم، بعد إدخاله في النار. و قال تعالى: (وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم، يتلون عليكم آيات ربكم، قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها، فبئس مثوى المتكبرين) الزمر:71-72. يسأل ملائكة النار الكفار: ألم يأتكم من يقرأ عليكم القرآن فتعتبروا بآيات الله الواضحة البينة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر؟ فاليوم لا تجزون إلا جهنم فهي مكان إقامتكم إلى ما شاء الله. قال تعالى: (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون، في الحميم ثم في النار يسجرون) غافر:71-72. يضع ملائكة النار السلاسل في أعناق وأرجل الكفار فيسحبونهم فيرمون بهم في جهنم . وقال تعالى الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء، بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين) النحل:28. في عدد الملائكة أجمعين يقول الله تعالى (وما يعلم جنود ربك إلا هو) المدثر:31. أي: وما يعلم عدد الملائكة وقوتهم إلا الله تعالى.
ملائكة التعاقب:
هم من يتعاقبون بالليل والنهار، ويجتمعون بالمساجد في صلاة العصر وصلاة الفجر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون . رواه البخاري.
ملائكة الأرواح:
ملائكة تنزع أرواح الكفار عند الموت بشدة، وملائكة تسل أرواح المؤمنين برفق وتسبق بها إلى الجنة. ومنهم من ينزل لتدبير أمور العباد بأمر الله لعمل لا يعلمه إلا هو، كما في قوله تعالى(والنازعات غرقا، فالسابقات سبقا، فالمدبرات أمرا)النازعات:1- 5.
ملائكة الأرزاق:
تقسم الأمر الرباني وتدبره بأمر الله، وتمنح الأرزاق، وتوزع الأمطار بين البلدان والعباد من بشر ودواب وطير، في البر والبحر والجبال. فكل منهم قد جعله الله على تدبير أمر من أمور الدنيا والآخرة، لا يتعدى ما حد له وقدر، ورسم، ولا ينقص منه، كما في قوله تعالى):فالمقسمات أمرا) الذاريات:4
الملائكة الصافات:
وهي التي تصطف في العبادة، أو تصف أجنحتها في السماء تنتظر ما يأمرها الله به من عمل، كما في قوله تعالى: (والصافات صفا)الصافات:1.
الملائكة الزاجرات:
وهي التي تسوق السحاب لتمطر بأمر الله على ما يشاء من بلدان وأراضي، كما في قوله تعالى):فالزاجرات زجرا) الصافات:2.
ملائكة الجمعة:
قال صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يسمعون الذكر كما في قوله تعالى: (و قرآن الفجر، إن قرآن الفجر كان مشهوداً) الإسراء:78. تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار.
ملائكة العلم :
وهم أهل العلم، ففي الحديث: ومن سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده . قال تعالى: (شهد الله والملائكة، وأولي العلم، قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) آل عمران:18. وقوله تعالى: ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك، أنزله بعلمه والملائكة يشهدون، وكفى بالله شهيدا)النساء:166.
الملائكة جنود الله:
لنصرة عباد الله المؤمنين في الحرب، وقد ورد ذلك في كتاب الله عزّ وجل، منها قتال الملائكة مع المسلمين في موقعة بدر، كما في قوله تعالى: (إذ نصركم الله ببدر وأنتم أذلة، فاتقوا الله لعلكم تفلحون، إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين، بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين) آل عمران: 123-125. نز لت هذه الآية في المؤمنين تذكيرا لهم بنعمة الله لما نصرهم على الكفار في معركة بدر، وهو موقع بين مكة والمدينة، وكانوا قلة بالسلاح والعدد. فقد قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم للمؤمنين تطمينا لهم:هل يكفيكم أن يعينكم الله بثلاثة آلاف من الملائكة إن تصبروا على لقاء العدو، وإن تتقوا الله ولا تخالفوه في مواجهة عدوكم وعدوه فإنه يمددكم بخمسة آلاف من الملائكة. وقد صبروا فأنجز الله وعده بأن قاتلت معهم الملائكة على خيل بلق فيها سواد وبياض عليهم عمائم صفر أو بيض أرسلوها على أكتافهم، وما جعل الله هذا الإمداد إلا بشرى للمؤمنين بالنصر، ولتسكن قلوبهم وتطمإن فلا تجزع من كثرة العدو وقلتهم (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم)آل عمران:126. وكذلك في معركة أحد قاتل الملائكة مع المسلمين، وعلى رأسهم جبريل، وميكائيل عليهنما السلام كانا عن يمين وعن شمال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، كانا على هيئة رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال ما رآهما أحد قبل ولا بعد، وكان ذلك القتال على حسب المعتاد، وإلا فأدنى حركة من الملك توجب هلاك الدنيا إذا أذن الله تعالى ذلك. قال تعالى: (وأنزل جنودا لم تروها، وعذب الذين كذبوا وذلك جزاء الكافرين) التوبة 26. في معركة حنين واد بين مكة والطائف حيث قاتلت قبيلة هوازن المسلمين، وذلك في شهر شوال سنة 8 من الهجرة. أنزل الله الملائكة لنصرة المسلمين فقتلوا المشركين وأسروا منهم عددا كثيرا . كان المسلمون اثنا عشر ألفا والكفار أربعة آلاف، وقارب أن ينهزم المسلمون ولم يجدوا مكانا يطمئنون إليه لشدة ما لحقهم من الخوف، فولوا مدبرين لما أحسوا بالهزيمة، ولكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثبت على بغلته البيضاء، ولم يبقى معه غير عمه العباس وأبو سفيان. فنادى العباس المقاتلين بالعودة إلى ساحة القتال بإذن من رسول الله، بعد أن انزل الله سكينته على رسوله والمؤمنين، بأن أمدهم بالملائكة تقاتل معهم، وانتصر المسلمون على قبيلة هوازن . قال تعالى: (فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها)التوبة:40.
قال تعالى: (ورد الله الذين كفروا بغيظهم، وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويا عزيزا) الأحزاب:25. رد الله الكفار عن مرادهم من الظفر بالمؤمنين، وأيد المؤمنين بالريح الشديدة والملائكة، ونصرهم على كفار بني قريظة من يهود المدينة.
الملائكة المصلين على النبي والمؤمنين:
الله جل علاه يصلي على المؤمنين، وهذا رحمة منه على عباده، وكذلك ملائكته يصلون عليهم، وهذا من لطفه جل جلاله، كما في قوله تعالى: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجنكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما) الأحزاب:43. ومنهم من يصلي على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) الأحزاب:56 .
ألملائكة المستغفرون:
وهم من الملائكة الذين يستغفرون لمن في الأرض عامة من بشر مؤمن وكافر، وحيوان كما في قوله تعالى تكاد السموات يتفطرن من فوقهن، والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض، ألا إن الله هو الغفور الرحيم) الشورى:6. ومنهم من يستغفر للمؤمنين، ولأزواجهم، وذريتهم يوم القيامة، أي يشفعون لهم عند الله، فيقولون: يا الله: وسعت رحمتك كل شيء، ووسع علمك كل شيء فاغفر لعبادك الذين تابوا من الشرك، والذين اتبعوا دين الإسلام، وقهم عذاب النار،واجعل لهم إقامة طيبة في جنات عدن التي وعدتهم، واجمع زوجاتهم معهم وأبناءهم . وقوله تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به، ويستغفرون للذين آمنوا، ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم، وقهم السيئات، ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته، وذلك الفوز العظيم)غافر:7-9. الملائكة يقولون: سبحان الله وبحمده، ويؤمنون بالله ببصائرهم، أي يؤمنون بوحدانيته، ويقولون: ربنا وسعت رحمتك، ووسع علمك كل شيْ، فاغفر للمؤمنين وجنبهم عذاب النار يوم الحساب، وأدخلهم الجنة التي وعدتهم ومن آمن بك من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم.
ملا ئكة الرحمة:
تتنزل الملائكة على المؤمنين الموحدين عند الموت وتطمئنهم ألا يخافوا من الموت وما بعده، وألا يخافوا على ما خلفوا من أهل وولد، فالملائكة تخلفهم في ذلك، ويبشرونهم بالجنة التي وعدهم الله بها كما في قوله تعالى إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون) فصلت:30. وقوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك، كذلك فعل الذين من قبلهم، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) النحل:33. يقول الله تعالى لرسوله محمد: هل ينتظر كفار مكة نزول الملائكة عليهم لقبض أرواحهم، أو أن يأتي عذاب الله، أو القيامة المشتملة عليه، فإنهم يفعلون مثل ما فعل من سبقهم من الأمم قبلهم، فقد كذبوا رسلنا فأهلكناهم، وما ظلمناهم بإهلاكهم، فقد ظلموا أنفسهم بكفرهم بنا وبرسلنا. وقوله تعالى الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء، بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون) النحل:28. إن الذين تتوفاهم الملائكة في لحظات الموت من الكفار، قد ظلموا أنفسهم بالكفر، وينقادوا ويستسلموا عند الموت قائلين: ما كنا مشركين، فتقول الملائكة لهم: بلى لأشركتم بالله وهو عليم بأفعالكم فسيجازيكم عليها.
عبّاد الملائكة: لقد تلاعب الشيطان ببعض الناس وأضلّهم، فزيّن لقوم عبادة الملائكة فعبدوهم بزعمهم، ولم تكن عبادتهم في الحقيقة لهم، ولكن كانت للشياطين فعبدوا أقبح خلق الله وأحقهم باللعن والذم. قال الله تعالى ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا، أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون)آل عمران:80. لا يامركم الله أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا من دونه، كما اتخذت الصابئة الملائكة، واتخذت اليهود عزيرا، والتخذت النصارى عيسى ين مريم. ا علموا أن الله لا يرضى لكم بالكفر بعد أن أصبحتم مسلمين. و قال الله تعالى ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل) الفرقان: 16-17. وهذا التحذير عام لكل من عبد غير الله. وقال مجاهد فيما رواه ورقاء، عن ابن أبي نجيح قال: هذا خطاب لعيسى والعزير والملائكة. وقوله تعالى ويوم يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون، قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم، بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون) سبأ: 40-41. يوم يحشر الله المشركين في جهنم يسأل الملائكة هل هؤلاء كانوا يعبدونكم من دوني؟ يقولون سبحانك إننا ننزهك عن الشريك وأنت ولينا، بل هؤلاء كانوا يعبدون الشياطين، أي: يطيعونهم في عبادتهم إيانا، فأكثرهم كانوا يصدقون فيما يقولونه لهم الشياطين. وقوله تعالى قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوماً بوراً) الفرقان: 18. ومعنى الآية: يا رب ليس للخلائق كلهم أن يعبدوا أحداً سواك، لا نحن ولا هم فنحن ما دعوناهم إلى ذلك، بل هم فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا ولا رضانا ونحن براء منهم ومن عبادتهم، كما جاء في سورة القصص على لسانهم قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون) القصص:63. أي بقولهم: لا يصلح لنا أن نعبد ونتخذ آلهة فكيف نأمرهم بما لا يصلح لنا ؟ ثم ذكر المعبود سبب ترك العابدين الإيمان بالله تعالى.
قال ابن زيد في تفسير ابن كثير : ينادي مناد يوم القيامة، حين يجتمع الخلائق: (مالكم لا تناصرون) الصافات:25. يقول من عبد من دون الله لا ينصر اليوم من عبده والعابد لا ينصر إلهه (بل هم اليوم مستسلمون) الصافات: 26. فهذا حال عبدة الشيطان يوم لقاء الرب